السيد أبو الحسن محمد الموسوي الأصفهاني (قده) (1277هـ- 1365هـ)

ولد في اصفهان سنة 1277هـ‍ وتوفى في الكاظمية سنة 1365هـ‍، آلتْ إليه المرجعية بعد وفاة الشيخ محمد حسين النائيني سنة 1355هـ، شارك في الحركة الدستورية في إيران كما شارك في ثورة العشرين وعارض تنصيب فيصل الأول ملكاً على العراق.

نسبه وولادته

ولد في قرية من قرى مدينة فلاورجان التابعة لأصفهان في سنة 1277 او 1284 هـ, وتربى وتـرعـرع في ظل والده السيد محمد الذي كان من العلماء الأفاضل اما جده فهو السيد عبد الحميد الذي كان من طلاب آية اللّه الشيخ محمد حسن النجفى (صاحب الجواهر). ينتهي نسب العائلة بواسطة اثنين وثلاثين عقبا الى الامام موسى بن جعفر الكاظم عليهما السلام.

دراسته وأساتذته

عندما بلغ سن الرابعة عشرة من عمره ذهب الى مدينة اصفهان لغرض الدراسة، وأكمل فـيـها مرحلة السطوح عند اساتذتها المشهورين من أمثال السيد مهدي النحوي والسيد محمد باقر الدرجئي والاخوند الكاشي.

درس الـمـراحـل الاولـية من البحث الخارج عند آية اللّه الجهار سوقى وآية اللّه ابو المعالي والكلباسي، وأنجز الـمـراحل العليا من دروس البحث الخارج عند آية اللّه محمد باقر الدرجئي, والحكيم الكبير جهانكير خان, والاخوند الكاشي, وذلك في حوزة مدينة اصفهان عـام 1307هـ .

قدومه للنجف

هاجر بعدها إلى النجف الأشرف سنة 1308هـ، فحضر درس الميرزا حبيب الله الرشتي في الفقه، وبقي مواظباً على درسه حتى وفاة الميرزا، ثم لازم الأخوند الخراساني، فحضر دروسه في الفقه والأصول حتى وفاته سنة 1329هـ، استقل بالتدريس بعد وفاة أستاذه الآخوند، فاشتهر، وأخذت الأنظار تتجه إليه كمجتهد كبير ومرشح بارز للمرجعية الدينية.

ومن المفيد الإشارة أنه لا يمكن فصل حركة الأصفهاني وغيره من العلماء عن حركة المرجعية التي واجهت التطورات والأحداث التي عصفت بالمنطقة آنذاك، بحيث شكلت حركة الأصفهاني حلقة من ضمن السلسلة الحركية للمرجعية وشارك سماحته فيها مشاركة فعالة وقاوم الغزو البريطاني للعراق 1333هـ/1914م.

مرجعيته

بعد وفاة الاخوند الخراساني انتقلت مرجعية الشيعة الى آية اللّه الميرزا محمد تقي الشيرازي, وكـان الـمـيـرزا يـرجـع في احتياطاته الفقهية الى فتاوى السيد ابي الحسن الاصفهاني, وبعد وفاة الميرزا (عام 1338هـ), ورحلة آية اللّه شيخ الشريعة (عام 1339هـ), وارتحال آية اللّه الـشـيـخ احـمـد كاشف الغطاء (عام 1344هـ), تساوت مرجعية السيد ابي الحسن الاصفهاني مع مـرجـعـية آية اللّه الميرزا النائيني في الشهرة, وبعد وفاة آية اللّه الشيخ عبدالكريم الحائري في مـديـنـة قـم الـمقدسة, ووفاة آية اللّه الميرزا النائيني في النجف الاشرف, برزت زعامة السيد ابي الحسن في اغلب البلاد الاسلامية بلا منازع.

تفرغه للتربية والتعليم

ابتدأ السيد الأصفهاني بعد عودته إلى العراق فترة جديدة من حياته اتسمت بالعمل الثقافي والاجتماعي والتأكيد على الجانب التعليمي، حيث قام بتأسيس العديد من المدارس الدينية في بغداد والنجف والبصرة وكربلاء، وكان يرعى ويساند مدارس ومؤسسات منها جمعية منتدى النشر التي تأسست سنة 1353هـ/1935م.

انحصرت المرجعية الدينية فيه بعد وفاة الميرزا النائيني الذي شاطره همومها، فشيدَ جهازاً مرجعياً واسعاً استوعب أربعة آلاف وكيل موزعين على مناطق العراق المختلفة، وقد اهتم بالتبليغ الإسلامي اهتماماً كبيراً فأرسل العلماء إلى مختلف الأقطار الإسلامية والقيام على نفقتهم كاملة، وذلك بعد أن أوصاهم أن لا يقبلوا من أحد شيئاً، وبلغ من عظيم اهتمامه بذلك أنه كتب للتركمان الشيعة رسالة عملية بلغتهم وأرسل إليهم المرشدين والمبلغين.

كما أنه عمل لأجل تسهيل عمله التبليغي في نشر الإسلام إلى استمالة الرؤساء من خلال الهدايا، ومما يؤثر له محاربته البدع والانحرافات في المجتمع، وكان له في هذا الشأن موقف حازم من نصرة السيد محسن الأمين وتأييده حتى أصابته بعض السهام التي رمي بها السيد الأمين.

وفي سياق حركته الاجتماعية وواجبه تجاه الناس قام السيد الأصفهاني بحركة تواصل مباشرة مع الناس، فتفقدهم في بيوتهم واعتنى بهم من الناحية الصحية فكان يوفد الأطباء إلى معاينة المرضى في مختلف المناطق التي يتواجد فيها أطباء حاذقون.

سيرته وأخلاقه

ورثَ السيد ابو الحسن الاصفهاني كل الصفات الحميدة ومكارم الاخلاق عن اجداده الطاهرين, وفي كل مقطع من مقاطع حياته الشريفة نجده متحليا بالآداب الاسلامية. فهو كما قال الشاعر: لقد ظهرتَ فما تخفى على احد ... إلا على أكمه لم يبصر القمرا.

وهذه بعض الإشارات لصفاته الحميدة:

1- صبره وتحمله

ينقل لنا احد العلماء حول صبر السيد الاصفهاني وتـحـمـلـه فـيـقول: ما رأيت احدا اكثر صبرا من السيد ابي الحسن, ففي يوم من ايام الصراع مع الانجليز كان السيد يؤدي صلاة الجماعة التي كان يحضرها آلاف المؤمنين, وفي اثناء الصلاة صاح احد الحاضرين بصوت عال: لقد قتل السيد حسن ابن السيد الاصفهاني, فتشتتت صفوف المصلين على اثر هذا الخبر, لكن السيد ظل مشغولا بصلاته. وبـعد ان انتهى من الصلاة أدار برأسه الشريف نحو المصلين وإذا به يرى ابنه مقتولا شهيدا، فلم يتكلم بشيء سوى انه قال: لا اله إلا اللّه ثلاث مرات. ولم تخرج من عينيه ولا دمعة واحدة، والأشد مـن ذلـك هـو عـفـوه عن القاتل, وبهذا كان مصداقا للآية الشريفة (وان تعفوا اقرب للتقوى).

2- ثباته

تعددت المشاكل والمصاعب التي لاقاها السيد أبو الحسن الأصفهاني (قدس سره) وصمد أمامها، فمِن قتل ابنه أمام عينيه، وتبعيده من العراق حيث خالف سياسة الملك فيصل، وحمله السلاح ومحاربته للإنجليز في قصة احتلال العراق، وهو حينذاك مرجع للناس قد أرجع إليه الشيخ الميرزا محمد تقي احتياطاته، وقصّة هجرته من النجف الأشرف إلى كربلاء المقدسة حينما كثرَ الضغط هناك حولـه واشتراكه مع الآخوند (قدس سره) في قصة المشروطة، وحمل أعبائها، واشتراكه مع القمي (قدس سره) وغيره في طرد الإنجليز من العراق، وذلك إبان الحرب العالمية، وصموده في نشر الإسلام وحفظ التشيع أيام تسلط أمثال البهلوي وأتاتورك وياسين الهاشمي على بلاد المسلمين، وغير ذلك من القضايا التاريخية المهمة.

3- حلمه

نقل صاحب كتاب (بندهائي از رفتار علماء اسلام) هذه الحادثة عن لسان احد طلبة العلوم الدينية: فـي يوم من الايام كنت جالسا قريبا من باب تل الزينبية، احد ابواب الحرم المطهر للإمام الحسين عليه السلام فـي مدينة كربلاء المقدسة, وكان يقف الى جانبي رجل, فلما خرج آية اللّه الاصفهاني من تلك الـبـاب مـتـجـها نحو منزله, قال هذا الرجل بصوت منخفض: سأذهب واشتم هذا السيد, وذهب بـاتجاهه واخذ يسبهُ ويشتمهُ, وبعد مدة من الزمن عاد ودموعه تجري على خديه, فقلتُ له: ماذا جرى؟ لماذا تبكي؟ فقال: ذهبتُ لأشتم السيد وبقيت على ذلك حتى وصلتُ باب داره، فقال لي: قف هنا وانتظر, فدخل الى الدار ثم عاد بسرعة, وأعطاني مبلغا من المال وقال لي: اي وقت تكون فيه مـحـتـاجـا إلى شيء تعال الى هنا وسأعطيك ما يسد حاجتك, ولا داعي لمراجعة جهات اخرى غـيـري, لعلهم لا يستطيعون مساعدتك, وأنا على استعداد لسماع السب والشتم منك, ولكن ارجو منك ان لا تشتم عرضي وشرفي. فـقـال هـذا الرجل: لقد تأثرتُ تأثرا كبيرا بكلام السيد وأخذتني الرعشة, وسرعان ما أجهشتُ بالبكاء من شدة حلم هذا الرجل العظيم.

4- محافظته على سمعة الآخرين:

نـقـل عـنـه السيد حسين المظاهري هذه القصة فقال: كان السيد اذا اعطى وكالة شرعية لأحد الأشخاص وتبينَ بعد فترة من الزمن بان ذلك الشخص غير جدير بتلك الوكالة, لم يسحب منه تلك الوكالة، وكان كثير من الـمـقربين يقولون له: اسحب منه تلك الوكالة فيرد عليهم السيد قائلا: قبل ان امنحه وكالتي، كان هذا الشخص يمتلك منزلة لدى الناس, وعندما منحته الوكالة ازدادت منزلته لديهم, ولكن عندما أُبطِل وكالته يكون قد فقد كل تلك المنزلة تماماً, وليس لديّ الاستعداد لأن اساهم في اراقة ماء وجه احد وفقدانه لاعتباره بين اوساط الناس.

فتوى الأصفهاني بمقاومة الاستعمار البريطاني

وجاء في فتوى آية الله السيد أبو الحسن الأصفهاني (قده) في ثورة العراق ضد الإنكليز: (بسم الله الرحمن الرحيم ـ السلام على الجميع وبالأخص الأخوة العراقيين: إن الواجب الشرعي يلزم على جميع المسلمين العمل على حفظ حوزة الدين والبلاد الإسلامية، وأن يشمروا عن سواعدهم بقدر الإمكان في ذلك، ويجب على كافة المسلمين الدفاع عن أرض العراق أرض مشاهد أئمة الهدى (عليهم السلام) والمراكز الدينية، والحفاظ عليها من تسلط الكفار، كما أدعوكم إلى الدفاع عن النواميس الدينية، وفقنا الله وإياكم لخدمة الإسلام والمسلمين). وقد صدرت هذه الفتوى أثر فتوى زعيم الثورة الإمام الشيرازي ونصها موجود في كتاب (الحقائق الناصعة).

أمنيتان تَمنّى السيد تحقيقهما:

كان السيد الاصفهاني يقول: لديَّ أُمنيتان عزيزتان, وعلى الدوام فكري مشغول بهما وأتمنى أن تتحققا, أولهما شراء المساكن وقطع الاراضي المحيطة بحرم الامامين علي الهادي والحسن العسكري عـليهما السلام في سامراء. وثانيهما: ان اسمع ذكر الشهادة الثالثة فى الاذان من منارة المسجد الحرام.

وبـهـذه الـمناسبة جدير بنا ان نذكر دعوة الملك ابن سعود له لزيارة مكة المكرمة, فقبلَ دعوته بـشـرط ان يـقوم بتعمير وإعادة بناء قبور الائمة عليهم السلام في البقيع, فلم يستجب الملك لهذا الشرط.

وفاته:

انـتقل الى رحمته تعالى في الكاظمية المقدسة بتاريخ 9/ذي الحجة/1365هـ, ثم نقل جثمانه الـطـاهـر الـى الـنـجـف الاشـرف وشُـيـع تشييعا كبيرا, وتمّ دفنه في الصحن المطهر للإمام امـيـر الـمؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام, وقال في تأبينه آية اللّه الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء: (هنيئا لك يا ابا الحسن عشت سعيدا ومتّ حميدا, قد أنسيت الماضين وأتعبت الباقين, كأنك قد ولدت مرتين...)

اعداد: حسين السلامي