مرجعية الإمام السيد محسن الحكيم (ت 1390 هـ) ح1

هو السيد محسن بن السيد مهدي بن السيد صالح بن السيد أحمد بن السيد محمود بن السيد إبراهيم بن الأمير السيد علي الحكيم الطباطبائي النجفي.

ينتهي نسبه الى الإمام الحسن بن أمير المؤمنين بن علي بن أبي طالب عليه السلام ، ولد في يوم عيد الفطر عام (1306 هـ = 1889 م)/ وفقد أباه، وهو في السادسة من العمر، فتكفل رعايته أخوه الأكبر الحجة السيد محمود (ولد 1298 وتوفي 1375 هـ) نشأ في النجف الأشرف طالباً في الحوزة العلمية المباركة، وتنقل في حياته الدراسية الحافلة، فأتقن المقدمات على يد أخيه الأكبر المقدس الورع السيد محمود الحكيم، وآخرين من فضلاء الحوزة.

تفرغ للبحث الخارج والدراسات العليا فقهاً وأصولاً ودراية على أشهر علماء عصره، من أساطين المعرفة الإنسانية الشاملة، وأبرزهم: المولى الشيخ الأخوند الخراساني والقائد والمحنك السيد محمد سعيد الحبوبي وأستاذ الفقهاء الميرزا النائيني والشيخ الأفخم أغا ضياء الدين العراقي والشيخ على باقر النجفي (قدس سره) وهؤلاء الأعلام أئمة الفن في علمي الفقه والأصول، وأعلام الدراية والحديث، ورجال السلوك والعرفان، وقد تخرج الإمام الحكيم (قدس سره) في مدارسهم، وجدد كثيراً من مطالبهم، وأضاف عليها، وزادها تأصيلاً.

وكل من هؤلاء الأساتيذ كان ذا مدرسة خاصة قد ينفرد فيها وقد يشاركه بجزء منها أفذاذ آخرون.

قلت في عمل سابق: (كم من جهة طلبت الي، وكم من طبقة ألحت علي ومنذ ربع قرن ـ وبهم الفقهاء، والعلماء، والزعماء، وقادة الفكر أن أكتب عن الإمام السيد محسن الحكيم جزءاً ولو ضئيلاً مما يشير الى سيرته المثلى، وأن أتناول قيادته الرائدة بالبحث والتمحيص، وأن أدوّن ما يعلق من الذكريات الأثيرة بالتسجيل أو رسم صورة مما واكبته من مسيرته الفذة... فأتردد في ذلك لئلا أقصر في تصوير شخصيته، فلا أفي بإعطائه حق منزلته.. حتى أملت عليّ الظروف المريرة التي يمر بها واقعنا المعاصر، وفي تشويه لحقائق التاريخ، وتزييف لوقائع الأحداث، وهي تتناول سدة الإمام الحكيم  بالغمز واللمز حيناً، وإضفاء ستائر من الضبابية على حياته الناصعة حيناً آخر فجّرحت به ما شاء لها التجريح، ونددت بمسيرة مرجعيته ركضاً وراء السراب الكاذب إرضاء للحقد الدفين واستجابة للهوى.

كناطح صخرة يوماً ليوهنها   فلم يضرها: وأودى قرنه الوعل

فاتكلت على الله مقتطفاً ثمار خمسين عاماً من الذكريات. (أنظر مؤلف أساطين المرجعية العليا في النجف الاشرف/ السيد محسن الطباطبائي زعيماً)

وليت شعري ماذا يرجو هؤلاء الخائنون للفكر المرجعي، وللسيد محسن الحكيم  بالذات وقد قدم على مذبح العقيدة أكثر من مائة شهيد.

وما أحكام الإعدام وتنفيذها  في أبنائه وأبناء أبنائه وأبناء بناته وأبناء عمومته ما بين (20/5 1983 حتى 5 /3 / 1985 م) إلا دليلاً على ما نهد به من عظائم العطاءات في سبيل الله لا لجرم بل لأنهم أبناء السيد الحكيم، يضاف اليهم من أعدم وسجن وفقد بعد أحداث (1991م) لدى احتلال الكويت بما يسمى الانتفاضة الشعبانية.

كانت حياة سيدنا الإمام الحكيم محاطة بمشاكل عديدة، فما استراح يوماً إلا بمجاهدة يوم آخر، ويمكن الإلماع بإيجاز الى نوعية هذه المشاكل:

1ـ هموم المرجعية: وتعنى بتنظيم شؤون الحوزة العلمية توحيهاً وإرشاداً وتدريساً وإعالة وهذا الأمر ليس بالأمر الاعتيادي فهو يستقطب حياته اليومية في الإدارة، مضافاً الى الاستفتاءات من مختلف أقطار العالم وهو يجيب عليها، أو يحيلها الى أبرز تلامذته للإجابة عليها ثم تعرض عليه فيعدلها او يمضيها، يضاف لهذا الأسئلة الشفوية اليومية ــ عدا التدريس من قبل أهل العلم وأصناف الشعب، وذلك يتطلب صدراً رحباً وصبراً طويلاً، والمشكلة الأكبر في هذا الملحظ توزيع الحقوق الشرعية على أهل العلم والفقراء والمرضى وذوي الحاجة، وهم كثيرون  والحقوق قليلاً جداً ولا يعرف أداءها إلا القلة النادرة فبعد ربع قرن من مرجعيته، كانت  التركة من الحقوق (35) خمسة وثلاثين ألف دينار لدى وفاته في (1/ حزيران/ 1970م)

2ـ المشاكل العشائرية التي طالما أشغلت وقته وفكره في كيفية فض النزاع والخصومة بين أفراد العشيرة الواحدة، وبينها وبين العشائر الأخرى والتي تصل الى سفك الدماء دون سبب وجيه، والسيد قدس سره، كان يتغلب على هذا المناخ المتفجر بأرسال الوفود من النجف الاشرف الى أغلب قصبات  الفرات الأوسط للوقوف على الأسباب والدواعي وإيجاد الحلول المناسبة لذلك، ولا يقوم بإطفاء النائرة إلا تلك الطبقة العاقلة الرصينة من أهل العلم والوجهاء وزعماء العشائر، ومن قبل أبنائه البررة. 

3ـ تطور الأوضاع السياسية في عصره منذ الأربعينات من القرن العشرين حتى وفاته في السبعينات، فقد  واكب العهد الملكي في مشكلاته منذ حركة رشيد عالي الكيلاني، وهرب العائلة المالكة  في (1941م) حتى القضية الفلسطينية وأحداث التقسيم وقيام دويلة أسرائيل، الى رفصه مقابلة الملك والوصي نوري السعيد في (1949 م) وما بعدها الى أحداث النجف وبغداد في وزارة نور الدين محمود العسكرية (1952 م) ومظاهرات النجف والمقابلة بين الجيش والشعب وعدم تنفيذ أوامر إطلاق الرصاص على المتظاهرين من قبل الضباط الأحرار، وكذلك الحال فيما قبلها من أحداث معاهدة (بورتسموث) ووثبة كانون الثاني (1948م) الى قيام العراق والنجف الأشرف بخاصة لدى الاعتداء الثلاثي على مصر عام (1956م)، وإضراب العلماء عن الصلاة والتدريس لمدة خمسة عشر يوماً بالاحتجاجات على أثر مقتل الطلاب في الثانوية، وإرساله برقية الاستنكار للملك فيصل الثاني، ومقابلة وفد الدولة المؤلف من الحاج عبد الهادي الجلبي وعبد الوهاب مرجان، وخيون سعيد...الخ.   يتبع

المصدر: كتاب المرجعية الدينية العليا في النجف الاشرف مسيرة ألف عام للأستاذ الأول المتمرس في جامعة الكوفة الدكتور محمد حسين علي الصغير

متابعة : فضل الشريفي