مرجعية الشيخ محمد طه آل نجف

 

الشيخ محمد طه بن الشيخ مهدي نجف (ت1323 ) وهو من علماء القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين.

من أعاظم المجتهدين، وأجلاء المراجع البارزين، ومن سلسلة البيت الطاهر المعروف بالقداسة والورع والترسل، سبق أن ذكرنا سلفه الكبير الشيخ حسين نجف في ترجمة السيد محمد مهدي الطباطبائي المعروف بـ ( بحر العلوم) والذي نصبه لإمامة الصلاة في الصحن الحيدري الشريف.

ولد الشيخ محمد طه في النجف الاشرف سنة (1241 هـ) ونشأ بها نشأة عالية متميزة، فعرف بالتقوى والانابة الخالصة، والزهد في بهارج الدنيا، والتوجه  الكلي نحو اليوم الآخر في جزئيات أعماله وكليات مشاريعه العلمية، وكانت آثاره وأفكاره شواهد على ذلك حتى ضرب به المثل بالدقة المتناهية في متابعة الامور التي تقربه زلفى من الله تعالى كما هي الحال في مشايخ أسرته الكريمة، وهي أسرة علماء وفقهاء ومجتهدين وأبرار ومقدسين رضوان الله عليهم.

وقد اشتهر عن الشيخ محمد طه آل نجف بأنه من أولئك القلائل المجدين تحصيلاً وفقاهة في شبابه وكهولته وشيخوخته حتى فقد البصر؛ ولم يبرح عن عوائده في التوجه الى العلم في شتى تخصصاته ولاسيما علم الرجال مضافاً للفقه والأصول والحكمة والرواية.

أساتيذه

1ـ الشيخ عبد الرضا الطفيلي صاحب المؤلفات  العظيمة، وهو جد العلامة الشيخ محمد الطفيلي والد الاستاذ عبود الطفيلي والاستاذ علاء الطفيلي ابن النجف البار.

وقد درس على يديه النحو والصرف والمنطق الأرسطي والبلاغة.

2ـ الشيخ جواد آل نجف، وهو خاله، وقد درس عنده الفقه والأصول والأخلاق.

3ـ الشيخ محسن خنفر، وهو من العلماء الأجلاء، وممن يشار اليه بالبنان، وقد أخذ عنه الفقه الاستدلالي والاصول العالية.

4ـ السيد حسين الكوه كمري، وهو من أبرز تلامذة الشيخ الانصاري، وحضر عنده في الفقه، والأصول بالبحث الخارج العالي.

وهؤلاء أبرز أساتيذه قبل التحاقه بالأستاذ الأعظم الشيخ الانصاري حيث اختص به وأصبح من أقرب الناس اليه، وأعظمهم زلفة لديه لاشتغاله الحثيث وقداسته المعهودة، وقد أجيز بالاجتهاد المطلق، وأفاد من الاستاذ الأعظم الانصاري أغلب خصاله، وأنصع بوادره العلمية حتى عاد من أساتيذ الحوزة العلمية المتمرسين بالبحث العالي الخارج (الدراسات العليا) وقد تسنم منصب المرجعية، وكان مدار الفتيا في طول البلاد وعرضها، ومن مراجع التقليد  الأكابر.

وكان منفتحاً على ثقافة عصره في الشعر والأدب ونقد الكلام، ولا غرابة في ذلك فهو معاصر للسيد محمد سعيد الحبوبي العالم، الشاعر، المجاهد، واكتسب كثيراً من خصائص أقرانه في المحور الأدبي.

ذكره العلامة السيد محمد كلانتر رئيس الجامعة الدينية رحمه الله، وأثنى على فضله الشامخ وشرفه الباذخ، وعلمه الجم وتفوقه في الفقه والأصول رغم كونه متعدد الجوانب وعلى إطلاع واسع في الحديث والرجال والشعر والأدب.

 وللمترجم له آثار ومؤلفات قيمة ، وحواش وتعليقات على كتب الحديث الشريف والفقه والأصول وعلمي الدراية والرواية.

ولكن أهم كتبه على الاطلاق، والذي أبقى ذكره واسمه لامعين حتى اليوم هو (إتقان المقال في علم الرجال)، وهو من المصنفات الرجالية القيمة التي تضاهي (تنقيح المقال) للشيخ عبد الله المامقاني، والفرق بينهما أن الأخير طبع طبعة منقحة ومحقق تحقيقاً ممتازاً من قبل ولده الشيخ أغا محي الدين المامقاني، وكتاب المترجم له على طبعته الأولى قبل أكثر من سبعين عاماً، ولا أعلم هل جدد طبعه أم لا.

وبعد عمر حافل بالعطاء العلمي الثر توفي المترجم له في 13 شوال 1323 هـ عن عمر تجاوز التسعين عاماً، ودفن في مقبرة الأسرة في الصحن الحيدري الشريف، وهي الحجرة الأولى للداخل للصحن من باب القبلة على اليسار ورقمها اليوم (11 )، وأرخ وفاته الحاج مجيد العطار بقوله:

صرخ الدين ثلاثاً     علم التاريخ (مات)

ولهذه الحجرة تاريخها الحافل علمياً؛ إذ بدأ بها سيدنا الأستاذ  الإمام السيد أبو القاسم الخوئي تدريس الدورة الأولى للأصول عام (1936م / 1355 هـ) كما ذكرنا ذلك في ترجمته بكتابنا (أساطين المرجعية العليا في النجف الاشرف) وينبغي القول أن من شمائل هذه الأسرة والى اليوم الاستنان بالمترجم له في الاخلاق الفاضلة العليا، وبالصبر على مكاره الدهر، وبالبشر وطلاقة الوجه مع البسمة الرقيقة على الشفاه، وحرارة المودة للأصدقاء.

ومن الجدير بالذكر أن الشيخ  محمد طه آل نجف هو الجد الأعلى لصديقا الظريف الرائع الشيخ محمد حسن نجف صهر الإمام السيد محسن الحكيم على كريمته، وأول من أنشأ مؤسسة لرعاية الأيتام في النجف الاشرف  منذ ستين عاماً في أواخر خمسينات القرن العشرين، وقد توفي مغترباً عن مسقط رأسه النجف الاشرف، وحزنت عليه حزناً شديداً، فإذا ذكرته ترقرقت عيناي بالدموع، وتذكرت تلك الطلعة البهية الضاحكة للهواء الطلق، وكنا صديقين نلتقي في نكت بارعة، ونفترق عن أخوة صادقة، ومن رأى منا الآخر فرح فرحاً شديداً، وينشرح صدره عفوياً.

وهو والد العلامة الشيخ محمد مهدي نجف، صاحب المراصد الفلكية المعروفة، وخبير المكتبات ومؤسسها، وصاحب الفضيلة والخلق الرفيع . وولده الأكبر الأستاذ محمد طه نجف سمي المترجم له، الأديب النبيل والمهذب الكامل، ووالد الأستاذ محمد رضا نجف السياسي النزيه والأخ جواد نجف الضحوك المتزن.

رحم الله الماضين من هذه الأسرة،   وحفظ الباقين.   

المصدر: كتاب المرجعية الدينية العليا في النجف الاشرف مسيرة ألف عام للأستاذ الأول المتمرس في جامعة الكوفة الدكتور محمد حسين علي الصغير