مرجعية زعيم الاحرار الأخوند الخراساني

 

انطلقت مرجعية زعيم الاحرار الشيخ محمد كاظم الأخوند  (ت 1329 هـ) في ظروف صعبة معقدة تستقطب العالم الإسلامي والعربي، في حروب كشرت أنيابها  كالغول المزمجر، مما يصح معه تسميته  بعصر الاضطراب السياسي، ففي العراق يحكم العثمانيون  حكماً دكتاتورياً قائماً على أساس ارادة السلطان أو الوالي دون قانون يفصل بين القضايا، وهو نموذج في أكثر  من مورد يحكي عن عجرفة الادارة العثمانية وتخلفها في أبسط مقومات التحضر المدني، وطالما منيت بغداد والموصل والنجف الاشرف والبصرة وشمال العراق بأحكام ما أنزل الله بها من سلطان، تسيل الدماء حيناً وتمتلأ السجون حيناً آخر، ويعرض الناس على إهانات لا تصبر عليها طبيعة عشائرية العراق.

أما الجنوب والفرات الاوسط  فحدث ولا حرج فيما تعرضا له من مشكلات تتعلق بالأراضي وضرائبها بين أخذ ورد وتمرد واستسلام، وحملات تأديب حيناً، وفصائل قتال حيناً آخر، وما بين هذه وذاك تهدر الكرامات، ويطور النزاع والصراع معاً. 

وأحداث العالم السياسية تهز الأفاق طرقاً موجعاً، فرجال الأتراك يطالبون  بالحرية ويحاربون تسلط (الدولة العلية)  والخليفة لا يعي ما يجري حوله، يصدر الفرامين، ويعطل القوانين، في حياة من اللهو واللعب وتجاوز الحدود الشرعية، ويسمى بأمير المؤمنين وفي ايران بدأت  (المستبدة) و (المشروطة) يمثلان تحولاً في السياسة والاجتماع والتفكير.

وفي العراق تتعالى الاصوات بطلب الاستقلال عن العثمانيين عند طبقة كبرى من رجال الدين والمثقفين، فقد سأموا حياة التخلف الاجتماعي، وفي ليبيا القتال دائر بين الايطاليين وثوار ليبيا الاشاوس، وفي طليعتهم (عمر المختار) والمرجعية في النجف الاشرف تصدر فتاواها بالجهاد الى جنب الشعب الليبي ضد وحشية الاحتلال الايطالي. وفي الجزائر كان الاستعمار الفرنسي  ينخر في جسم البنية  الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للشعب الجزائري، وكذلك الحال في تونس ومراكش والمغرب العربي بعامة، وأنباء بطل الريف (عبد الكريم الخطابي) تشق مسامع الطبقة المثقفة في العراق من الأعماق، والمراجع العظام لاسيما زعيم الاحرار الأخوند يتابع القضايا بجدية صارمة.

وفي ايران  تستولي روسيا على أجزاء كبيرة منها، ويفتي الأخوند بالجهاد ضد الجيش الروسي، ومن وراءه الكيد الانكليزي ومخابرات (بريطانيا العظمى) كما يقال آنذاك ويريد الأخوند التحرك صباح الليلة التي توفي فيها مسموماً على الاصح، وينفرط سلك آلاف المجاهدين الذين صمموا على إتباع الشيخ الأخوند في كل ما يصدر عنه، واذا بهم يفاجئون  بوفاة زعيمهم وقائدهم الى الدفاع عن بيضة الإسلام، وهو بأتم الصحة والسلامة، مما نتهم معه (المس بل) الجاسوسة البريطانية التي اشغلت بعد احتلال العراق منصب( السكرتيرة الشرقية) في دار الاعتماد البريطاني (السفارة البريطانية في بغداد/ الكرخ) ، وذلك أن الشيخ الأخوند قدمت له (تفاحة) كوجبة عشاء خفيفة، فأكلها وأصبح ميتاً كما يروي ذلك السيد هبة الدين الحسيني الشهرستاني ، والله العالم.

ومهما يكن من أمر فإن الأخوند الخراساني هو أستاذ علم الأصول للفقه الإمامي وهو المرجع الأعلى للإمامية، وينافسه بعد الميرزا المجدد الشيرازي الفقيه الكبير السيد محمد كاظم اليزدي، وقد اشتهر الأخوند بكتابه (كفاية الاصول) منذ عهده حتى اليوم (1435 هـ = 2014)م) وهو مدار التدريس والدرس العالي في النجف الاشرف  والحوزات العلمية الأخرى، وعليه تعليقات وحواشٍ، وله شروح ومطولات، خلال مائة عام من الزمان.  

ولقد عرضت في فصل متقدم (نضال المرجعية العليا في النجف الاشرف) لجهاد ونضال ومواقف الخراساني ، وفي مجالات أخرى.

والحق أن الاستاذ الشهيد عبد الرحيم محمد علي قد استوعب حياته ودراسته، وترجم له قبل خمسين عاماً بما فيه المزيد من الوثائق. وقد رثاه تلميذه البار علامة العراق الشيخ محمد رضا الشبيبي بقصيدة عصماء منها:

الدين فيك المعزى لو ثوى فينا        لكننا قد فقدنا بعدك الدينا

لم أدر.. حيرت عقلاً أنت مرشده    من أين كونك الرحمن تكوينا

أظنه صنع الإيمان جوهرة           فكنت لا ماء ولا طينا

المصدر: المرجعية الدينية العليا في النجف الاشرف مسيرة ألف عام

للأستاذ الأول المتمرس في جامعة الكوفة الدكتور محمد حسين علي الصغير