مرجعية الشيخ الأكبر صاحب (جواهر الكلام)

 

هو الشيخ  محمد حسن بن الشيخ باقر بن الشيخ عبد الرحيم بن الأمير محمد الصغير بن الشريف عبد الرحيم الكبير.

نابغة عصره بل العصور، ووحيد جيله بل الاجيال، مرجع الأمة، ونائب الأئمة، منار العلم المتوهج، وكوكب العز المتألق ، مؤسس  قواعد الشرع الشريف، ورافع لواء الملة الغراء.

قال المحقق الميرزا حسين النوري ( ت 1320 هـ) متحدثاً عنه:

(مربي العلماء، وشيخ الفقهاء المنتهي اليه رئاسة الإمامة في عصره الشيخ محمد حسن بن الشيخ باقر النجفي صاحب كتاب (جواهر الكلام) الذي لم يصنف في الاسلام مثله في الحلال والحرام. 

وهذا الرأي دقيق  جداً إذ قام الشيخ الجواهري بجهد لم يقم به غيره، وبفضله وبفضل مؤلفه كانت النجف الاشرف تعج بآلاف المهاجرين للدراسة  في ضوء مدارك ومسالك ومعارف المرجع الاعلى (صاحب الجواهر) وبإشرافه شخصياً وبنفسه وحده على شؤون الدراسة والتدريس حتى بلغت النجف  الأشرف في عصره الذهبي الى ذروة المجد العلمي الرصين، وقد أصبح ملاذ المجتهدين، وحاضرة الفقهاء الكبرى.

يقول الاستاذ الحجة الشيخ محمد رضا المظفر (ت 1384) في هذا الصدد: ( وكان شيخنا وأستاذنا الميرزا حسين النائيني  (ت 1355 هـ) يفتخر بأنه من تلاميذ مدرسته ـ يعني الشيخ الجواهري وأن كل ما عنده من تحقيق ومعرفة فهو فهم أسرار آراء الشيخ الأنصاري وتحقيقاته وعرضها عرضاً مبسطاً).

والنائيني حينما يقول هذا فأن الانصاري (ت 1281 هـ) التلميذ المقرب لصاحب الجواهر، وهو الذي نص عليه بالمرجعية من بعده.

وهو يعد عنوان الأسرة الجواهرية، وقد ابتدأت شهرتها بكتابه (جواهر الكلام)، وبنوره وبلألائه طار صيتها في الآفاق وانتشرت آثارها في الإسلام، وتوطدت أركانها في النجف الاشرف (وإذا كان قصير النسب فهو المطول لمجد أسرته) وهو المجدد لهذا الذكر الشائع منذ عصره حتى اليوم، والمؤسس لمحتدها، والباني لصرح عزها، وهكذا تكون الآباء عند صيانة الابناء في طيب الاحدوثة، والفخر المتطاول، وقد كان صاحب الجواهر هذا الاب.

وأخلاقه الفاضلة المحمدية، وملكاته العالية الملكوتية، وعنايته الفريدة  بتربية تلامذته أبطال الحوزة العلمية الذين تبوأوا بعده منصة الزعامة الروحية المطلقة.

وكل هذه المزايا هي التي  خلقت منه الرجل كل الرجل في ادارة شؤون الحوزة العلمية في درسها واطعامها وإكسائها بالشكل المرفه الجديد الذي أختاره صاحب الجواهر، لأنه اراد اظهار عز الإسلام، فكان يفيض على الطلاب بما يصله من أموال، وهو شخصياً يعتني بمظهره وملبسه وهيأته، لأن الله إذا أنعم على عبد نعمة أحب أن تظهر عليه( كما تقول الرواية نصاً أو مضموناً) لهذا كان ـ بحسب المتجلي من سيرته ـ أنيقاً رقيقاً رشيقاً ، يلبس أفضل الملابس، ويعير اهتمامه للكيان الخارجي حتى يتعلم الناس الاناقة واللياقة  والنظافة وحسن المظهر.

ولا غرابة ان يكون بكل هذه الشمائل، وفي حسن أدائه في التدريس، وفي حبه للخير واغاثة الملهوفين، وفي تواضعه ذاتياً، قد بلغ هذه الرتبة العالية من التوفيق والذكر الخالد، وكان أخوه الأكبر الشيخ محمد حسين الجواهري ممن يتوسم به أن يتبوأ سدة الرجعية لانكبابه على الدرس والتدريس، وقد قتل خطأ في شبابه المبكر، وهو في طريقه الى السهلة في اطلاقة خاطئة من قبل بعض المتدربين على السلاح بأمر الشيخ جعفر الكبير (ت1228 هـ) .

ومن الطريف أن أمه العلوية الفاضلة أسفت على أن يكون ولدها الأكبر هو المقتول ويبقى الاصغر (محمد حسن) على قيد الحياة .. إذ لم تتوسم به النبوغ والعبقرية، وقد أقر الله عينها وأدركت ولدها الصغير وهو المرجع الأعلى للإمامية في العالم ببركة جواهر الكلام.

وقد قال المحقق النوري (حدثني  الشيخ المتقدم ـ الشيخ عبد الحسين  الطهراني ـ عن بعض العلماء أنه قال: (لو أراد مؤرخ زمانه أن يثبت الحوادث العجيبة في أيامه لما وجد حادثة بأعجب من تصنيف الجواهر ..).

وهذا من الظهور  بمكان لا يحتاج اليه الشرح والبيان)، وهذا الرأي دقيق للغاية، فهو دورة فقهية استدلالية متكاملة في أبعادها كافة، بحيث لا يمكن الاستغناء عنها في أصول الاستنباط ومدارك الاحكام الفقهية، وذلك لاشتماله على أمهات المسائل من جهة، ولتوسعه في آلاف الفروع من  جهة أخرى مما لم يتوافر في كتاب غيره، فهو عدة المجتهد دون أدنى شك.

 ولعل النية الخالصة والتوجه الى الباري عز وجل، وقصد القربة المطلقة، كل أولئك ممن شارك في شموخ كتاب جواهر الكلام، فأنى له هذا؟ ومن أين استقى معلوماته تلك؟ ومن الذي أثر هذا الأثر في شخصيته الفذة وقلمه السيال؟ أنهم أساتيذه الأجلاء بعد توفيق الله عز وجل، وقد ذكر الشيخ نفسه في الجواهر اشارات لذلك، وقال مترجموه أنه تتلمذ في السطوح على الشيخ قاسم محي الدين (ت 1238 هـ) وهو أحد العلماء الأعلام المدرسين كما يقول الحجة الشيخ المظفر، وتتلمذ على يديه أقطاب العلم في عصره، ويبدو أنه كان متخصصاً بتدريس السطوح، أما بقية أساتيذه فهم:

1ـ الشيخ جعفر الكبير صاحب كشف الغطاء (ت 1228 هـ).

2ـ ولده موسى بن جعفر مصلح الدولتين، والمرجع بعد أبيه (1241 هـ).

3ـ السيد جواد العاملي، صاحب مفتاح الكرامة(ت 1226 هـ).

4ـ السيد محمد المجاهد/ صاحب المفاتيح (ت 1242 هـ).

5ـ السيد محمد مهدي بحر العلوم الطباطبائي (ت 1212 هـ).

6ـ الوحيد البهبهاني محمد باقر بن أكمل (ت 1208) على قول ضعيف.

وقد روى بالإجازة عن الشيخ أحمد الإحسائي (ت 1243 هـ)وعن علماء آخرين تكفلت كتب الرواية و الاجازة بذكرهم.

وأما طلاله وتلامذته فقد طبقت شهرتهم طول البلاد وعرضها، وهم يعدون بالآلاف، ويكفي للاستدلال أن نشير الى أثنين منهم في الطليعة وهما الشيخ مرتضى الانصاري والشيخ محمد حسن آل ياسين الكاظمي، وكلاهما من المراجع العظام من بعده، والى أثنين آخرين من كبار أئمة التقليد  في النجف والعالم الإسلامي، وهما الميرزا حسين الخليلي، والشيخ محمد حسين الكاظمي، والى أثنين بلغا الشهرة في الفقاهة، هما السيد حسين الترك والسيد حسين حفيد السيد محمد مهدي بحر العلوم، والى أثنين ممن تبوأ المرجعية المحدودة، وهما: الفاضل الايرواني المعروف بالملا محمد الايرواني، والسيد محمد الشهشهاني الاصفهاني، والى أثنين منهما عرفا بتدريس البحث الخارجي العالي وهما: الشيخ عبد الرحيم النهاوندي، والمولى الشيخ علي الخليلي، والى أثنين منهما نالا سدة المرجعية العليا، كان أشهرهما: الشيخ راضي النجفي جد الأسرة آل الشيخ راضي (ت 1299 هـ). والميرزا حبيب الله الرشتي المرجع المدفون  الى جنب الاخوند في الغرفة الاولى للداخل  من السوق الكبير (باب الساعة) ومعهما السيد أبو الحسن الاصفهاني والى أثنين منهما عرفا بالتحقيق الدقيق والابانة المطلقة وهما: الشيخ حسن بن الشيخ أسد الله الكاظمي صاحب كتاب المقابس، والشيخ جعفر التستري صاحب كتاب الخصائص الحسينية،، والى أثنين من العلماء  العاملين المقدسين هما السيد ميرزا إبراهيم شريعتمداري السبزواري العلوي، والشيخ عبد الحسين الطهراني المعروف بـ(شيخ العراقيين) والى أثنين من البارزين بالأسماء اللامعة، وهما: الميرزا صالح الداماد، والشيخ حسن المامقاني.

أكتفي بهذا إذ لا تنتهي أثنانيات الشيخ صاحب الجواهر في تلامذته  الفحول وهذا عندي من العجائب، وقد صنفتهم بهذا الشكل الجديد بحسب ما توصل اليه فهمي القاصر.

وأما بقية طلابه فهم بالآلاف، وقد حصل المئات منهم على درجة الاجتهاد.

المصدر: المرجعية الدينية العليا في النجف الاشرف مسيرة ألف عام للأستاذ الأول المتمرس في جامعة الكوفة الدكتور محمد حسين علي الصغير

متابعات: فضل الشريفي