المرأة تعدد ادوار (الزهراء عليها السلام أنموذجا)

م.م. حياة حسن ــ جامعة بابل

منذ أن خلق الله الخلق جعل المرأة رفيقا لصيقا للرجل وجعل لها أدوارا مهمة تقوم بها في الحياة لا غنى عنها، وعلى رأسها كونها الجزء الذي بدونه لا يتكاثر الجنس البشري فضلا عن أدوارها التربوية المهمة.

وبين الفينة والأخرى تظهر على السطح الثقافي دعوات ومطالبات تدعو – خداعا- الى قضية المساواة بين الرجل والمرأة في كل شيء والتأسي بنظام الغرب الذي أوصل المرأة الى أعلى مراتب القيادة وأشركها في كل ما للرجل من أعمال ومهام، بغض النظر عما منحها الخالق من اختلافات بنيوية ونفسية، وما غرسه فيها من وظائف.

وقد راح البعض يدعو الى نقل هذه التجربة الى مواطن وبلاد المسلمين متذرعا بفشل الرجال في تنمية وتطوير البلدان الإسلامية وجعلهم السبب الرئيس في تراجعها على مختلف الصعد، متناسين الإرادة الإلهية في تقسيم الأدوار بين طرفي الحياة الرجل والمرأة.

ولم يدع هذا الخالق الحكيم مخلوقاته وبخاصة منها البشر دون أن يقدم لها النموذج الأمثل وطالبه بالسير على خطاه وهداه ومنها المرأة، فكانت هناك مجموعة من النساء التي قدمت صورا فذة لما على المرأة أن تكونه في هذه الحياة، ومما لا شك فيه أن سيدة النساء فاطمة الزهراء كانت على رأس تلك القائمة، حيث كانت البنت الرؤوم حتى وصفها أبوها رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأم أبيها لشدة ما كانت تقوم به من دور في رعاية الأب فعوضته عن حنان الأم ورعايتها، وكذلك كانت الزوجة المخلصة التي تنفض عن زوجها غبار ومشاق العمل وتنثر في روحه البهجة والسرور والراحة في منزله.

المطالبة بالحقوق الشرعية

ولما ادلهم خطب المآسي والآلام والمظالم وقفت تصدح بخطابها وتطالب بحقها وحق زوجها وأبنائها ولم تقف مكتوفة الأيدي، وفعلت كل ما ينبغي عليها فعله دون أن تتخطى الحدود والتكاليف الشرعية التي أمرها بها الله تعالى وصبرت طاعة لله ولوليه أمير المؤمنين (عليه السلام) ولم تعص له أمرا ولم تخالف له رأيا.

وعلى نفس الخطى والمنهاج سارت ابنتها البطلة زينب عليها السلام، فكانت بمواقفها الصورة الأمثل لما ينبغي للمرأة أن تكونه، وقد تعددت أدوارها بحسب الظروف والمناخات التي رافقت مسيرة حياتها المليئة بالأحزان والآلام والمصائب العظام.

دور التربية

وهو من أبين الأدوار المنوطة بالمرأة وقد أكد عليها الإسلام أيما تأكيد وفي مواضع عدة، ورغم أن التاريخ قد اغفل هذا الجانب من الحياة عند التدوين إلا أن أهل البيت عليهم السلام ومنهم الزهراء عليها السلام قدموا ما فيه الكفاية في هذا الجانب.

ففي معرض التربية الدينية على سبيل المثال كانت السيدة الزهراء عليها تداوم على اصطحاب ولديها الحسن والحسين عليهما السلام الى محراب تعبدها في مختلف عباداتها وعلى رأسها صلاة الليل لتقدم بذلك درسا للمرأة على ضرورة ان يكون التعليم بالتطبيق العملي للقدوة أولا وبالتدريب ثانيا ومقابلة الصعاب بالصبر ثالثا.

وفي حادثة أخرى تعلم السيدة الزهراء نساء الأمة على تثقيف الأولاد بأهمية الجار إذ يروى أنها أجلست الإمام الحسن عليه السلام يوما الى جانب سجادتها وراحت تتضرع طيلة الليل الى الله تعالى بالدعاء الى الناس عامة وتدرجت بالدعاء وصولا الى الجار ولم تشمل أبناءها بالدعاء وحينما استفسر منها الإمام الحسن عليه السلام عن سبب ذلك قالت له: يا بني الجار ثم الدار

التصدي للظالمين عند الضرورة

وربما كانت السيدة زينب عليها السلام في مواقفها المتعددة بوجه الظالمين في الطف وفي الكوفة وفي الشام القدوة الشاخصة في هذا الجانب، ولكن المتتبع للتاريخ يكتشف أن أمها الزهراء عليها السلام كانت نبراسا ومعلما لها في ذلك، حيث انها عليها السلام في خطبتها الفدكية قد اصطحبت ابنتها زينب عليها السلام الى المسجد النبوي لتدافع عن حقها وحقوق زوجها وأبنائها بكل شجاعة بعدما رأت أن القوم سيطر عليهم الطمع ودبت فيهم حالة التخاذل والارتداد بعد وفاة أبيها (صلى الله عليه وآله وسلم).

ومن المؤكد أن هذا الدرس لم يكن خاصا بتنمية ملكات السيدة زينب عليها السلام لتنتهجه حين تعرضها لمثل تلك المواقف فحسب بل كان درسا لكل النساء أن المرأة لا ينبغي لها السكوت عن الحق والمطالبة به بالحجة والدليل وبالوقوف بقوة وصلابة دون أن يكون في وقفتها إذلال لها أو خروج عن القواعد الشرعية والأخلاقية التي أمر بها الله تعالى.

طاعة ولي الأمر والصبر والرضا بما يريده

وهي من القواعد الشرعية المهمة لك مسلم، وقد أكدته سيدة النساء فاطمة الزهراء عليها السلام من خلال إطاعتها التامة لأمير المؤمنين عليه السلام حتى في أحلك الظروف حيث يروى أنها عليها السلام حينما أرادت الدعاء على الأمة إبان الردة أرسل لها أمير المؤمنين عليه السلام سلمان المحمدي مطالبا إياها بترك ذلك الأمر انصاعت ورضيت بما طلبه منها أمير المؤمنين عليه السلام رغم مكانتها المعروفة في الإسلام، وآثرت الصبر على كل المصائب والويلات التي جرت عليها بعد وفاة أبيها (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم تتذمر ولم تعاتب ولي أمرها في شيء رغم أن الأحداث جمة والمصائب كانت كبيرة ومتوالية، ورغم أنها كانت تعلم علم اليقين أن أمير المؤمنين عليه السلام كان قادرا على استرجاع حقوقها وحقوق أبنائها بالقوة – لو أراد ذلك- لكنها قدمت رضا الولي على رضاها.

وكل ذلك من أجل أن تقدم درسا عمليا وتطبيقا واقعيا للمرأة في طاعة ولي أمرها سواء كان الأب أولا والزوج ثانيا وفوق ذلك ولي الأمر الشرعي المتمثل بالإمام عليه السلام او من يمثله في حال غيابه.

حفظ الحجاب

فلقد كان من أبرز وأهم الصور التي أرادها الإسلام للمرأة حفاظها على حجابها وعفتها، وقد أولى ذلك الأمر اهتماما كبيرا وأكد عليه كثيرا، حيث كان القرآن الكريم أول صادح بهذا الأمر حيث قال الله تعالى فيه مخاطبا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59).

 وكانت السيدة الزهراء عليها السلام نبراسا فذا في هذا المقام، حتى ورد عنها قولها عند سؤالها من قبل أبيها (صلى الله عليه وآله وسلم) أي شيء خير للمرأة فقالت: أن لا ترى رجلا ولا رجل يراها، وحينما خرجت للمطالبة بحقوقها كان الحجاب جزءا لا يتجزأ من هيئتها.

وهكذا كانت ابنتها زينب عليها السلام، إذ لم يكن رجل وخاصة في حياة أبيها وأخويها الحسن والحسين عليهم السلام قد رأى لها ظلا، وكانت إذا أرادت زيارة قبر جدها جعلت من ظلام الليل ستارا لها ومن أبيها وأخوتها حراسا لها، وظلت محافظة على حجابها حتى في واقعة الطف وما جرى عليها بعدها من سبي، ولم تسمح لأحد مهما كان شأنه ومقامه بالتعرض لحجابها، فكان من أقدس ما ينبغي المحافظة عليه عندها.

ختاما هذا غيض من فيض النبع المحمدي في ما ينبغي للمرأة ولكن ما ينبغي التأكيد على أن المرأة المسلمة لا بد لها أن تعي دورها الحساس في الحياة، وأن تكون على معرفة بأدوارها فيها لكي تمتلك الحصانة المطلوبة في مواجهة التحديات والحروب الفكرية التي جعلت منها مرمى لسهامها التدميرية لمعرفتها التامة أن بناء المجتمع الناجح الواعي والقادر على التقدم لا مناص له من المرور عبر بوابة المرأة بمختلف أدوارها.