الأستاذ الدكتور أحمد الصفار .. الغرب يعمل على إبقاء الشعوب المسلمة فاقدة لهويتها ويسعى لربطها بالقيم الغربية
حاوره : أمير الموسوي
تحرير: فضل الشريفي
يواجه المسلمون المقيمون في البلدان الغربية تحديات متعددة تتعلق بعضها بالدوافع العنصرية لدى الغرب حتى انتشر مصطلح الإسلاموفوبيا وشكل خطراً على حياة المسلمين وحقوقهم في التوظيف والتعبير عن هويتهم وممارسة بقية حقوقهم، وتحديات تتصل بـالقيم الغربية التي تتعارض بعضها مع الدين الإسلامي والقيم الأخلاقية، وقد عمدت الأنظمة الغربية الى تعميم هذه القيم وفرضتها على الجميع بسنها جملة من القوانين دون مراعاة لحقوق الآخرين وانتماءاتهم المختلفة، هذه الإشكالات طرحها مركز الإعلام الدولي على أحد المقيمين في بريطانيا وهو الباحث الإسلامي الأستاذ الدكتور أحمد الصفار/ تدريسي في جامعة مانشستر البريطانية عبر هذا الحوار.
ــ تعلمون أن الإسلام والمسلمين يتعرضان الى حملات تشويه وكراهية، فما الدوافع والأسباب التي تقف خلفها؟
ــ عملت الكثير من المراكز العالمية البحثية والاستخباراتية والمخابراتية على مدى قرون على تشويه صورة الإسلام وهناك أسباب كثيرة ساهمت في هذا التشويه أحاول أن أحصيها في نقاط لتكون الصورة أوضح وهي:
اولاً: ان الشخصيات السياسية الفاعلة في المجتمع الإسلامي عادة ما تكون محسوبة على انها متدينة لكنها تسلك سلوكا يخالف الخلق الإسلامي فأنتجت صورة سلبية استفاد منها العدو المترصد للامعان في تشويه صورة الإسلام في النفوس.
ثانيا: غياب الدعاة الحريصين على توعية الناس وتحصينهم وتقوية إيمانهم بعقيدتهم والوقوف بحزم لصد التشويه والدور الذي يجب ان يقوم به الدعاة من تشكيل جهاز دفاعي قائم على أسلوب علمي ودقيق يقوم بزرع الثقة بالنفس وإقناع الشخصية القوية بدلاً من الانفعال وإظهار ردود الأفعال السلبية.
ثالثا: كثرة المنابر التي تقدم خطابا غالبا ما يدغدغ العواطف لا العقول وغالبا ما يقدم الخرافة على الثقافة الدينية السليمة وعدم التزام من يعتلي هذه المنابر بالأخلاق الإسلامية التي يدعو لها القرآن الكريم، هذا الأسلوب جعل ثقة الشباب بالشريعة وبالشخصيات التي يجب أن تكون قدوة ركيكة وضعيفة.
رابعا: الاعتماد على الساقطين أخلاقيا من المجتمع او ضعيفي الثقافة والأشخاص المتطرفين من الناس وتقديمهم على أنهم قادة المجتمع ثقافيا وأنهم رموز قيادية مما أدى الى حصول خلط بين مبادئ الإسلام وتعاليمه وأسهمت في ترسيخ صورة نمطية سلبية عن الإسلام والمسلمين في أذهان المجتمع الغربي.
خامساً: يعمل العدو دائما ولا يزال على تشكيك المسلمين في عقيدتهم وفي قيمة مبادئهم الدينية حتى تموت روح العاطفة الدينية في نفوسهم، فحاول الغرب من خلال مثقفيه ومفكريه وقساوسته في نفس الوقت من رفع قيمة مبادئهم واصطلحوا عليه بالقيم الغربية وجعلوها فوق المبادئ الإسلامية ومن اجل الوصول الى هذه الغاية اتخذوا العديد من الخطوات منها تقديم نماذج لشخصيات فنية وثقافية غربية والترويج لها بقوة بين صفوف الشباب المسلم لتكون بديلا عن الشخصيات المؤثرة في المجتمعات المسلمة ومنها مثلا، الكتابة على الملابس التي يرتديها الشباب دون علم بما هو مكتوب مجرد انه يقتدي بالشباب الغربي، كذلك تقديم رؤى وتحليلات ومواقف تبدو إسلامية ولكنها مقدمة من شخصيات منحرفة اجتماعيا ودينيا و اخلاقيا.
سادسا: قدم الغرب تشكيكات وتشويهات كثيرة حول شخصيات إسلامية وحول المسائل العقائدية ابتدأها وقادها المستشرقون وللأسف الشديد تأثر بها بعض العرب وأمعنوا بها تشويها وتخريفا واليوم انبرى مجموعة من علمائنا قاموا بالتصدي لهذه التشكيكات بردود مناسبة وسمي هذا العلم بعلم الكلام الجديد في الرد على تشكيكاتهم حول العقيدة .
سابعا: الجهل وسوء الفهم بالإسلام من قبل العدو ورتابة عرض الصورة المزيفة التي رسمها الاستعمار منذ سيطرته على العالم الإسلامي ولازالت تتكرر هذه الصورة ولكن تقدم بأساليب عصرية ومختلفة.
ــ وهل أسهمت حملات الكراهية في إقصاء المسلمين المقيمين في الغرب وتهميشهم؟
ــ الهلع والخوف من الإسلام بسبب هذه الحملات ومشاريع الترويج لكراهية الإسلام له اثار سلبية جدا على نشاط المسلمين في الغرب بل يصل الى حد تهديد وظائفهم وتهديد حياتهم في بعض الأحيان.
وما الحل الأمثل لمواجهة هذه الأخطار.. حسب رأيكم؟
ــ تعاون المسلمين وتوحيد نشاطاتهم وإظهارهم بالقوة الثقافية والعلمية والفكرية كل ذلك يخفف من هذا التأثير الذي تسعى الحكومات الغربية على إبقائه حيا في المجتمعات الغربية من خلال الحكومات الغربية والمؤسسات الإعلامية والصحافية والتي تتبنى حملات الكراهية بين الفينة والأخرى فدائما ترى الحكومة الغربية لا تعاقب المؤسسات الإعلامية التي تشوه صورة الإسلام.
ــ وهل يمكن القول أن هناك دوافع سياسية ودعائية غربية روجت لكراهية المسلمين والإسلام؟
ــ بالتأكيد هنالك دوافع لتشويه صورة الإسلام والمسلمين تنضوي تحت العوامل التالية:
اولاً: الإبقاء على الشعوب المسلمة فاقدة لهويتها وان تعيش حالة الضياع الفكري لتقييد وربط هذه الشعوب وحصرها بالقيم الغربية البعيدة عن القيم الإسلامية وليس بعيدا عنكم الصرعة الأخيرة وهي الدعوة الى الشاذين بقيم تملى على الحكومات الإسلامية باعتناقها او الترويج لها في المجتمعات المسلمة.
ثانيا: هو إقبال الغربيين على اعتناق الإسلام بكثافة مما أثار الهلع عند الحكومات الغربية، طبعا اعتناقهم للإسلام جاء بتلقائية واقتناع وهذا دفع الحكومات الغربية الى التخوف من احتمال تناقص أتباع المسيحية لمصلحة الإسلام.
ثالثا: الغربيون يعترفون مع شيء من الحيرة والدهشة أن هناك ما يخيف في الإسلام كدين كاسح له قابلية الانتشار بسرعة مذهلة مما أدى بالحكومات الغربية الى أن تتخوف نتيجة التوسع الديموغرافي وهو تزايد أعداد العرب والمسلمين في البلدان الغربية مما أدى الى دخول نخبة من هؤلاء تحت قبة البرلمانات الغربية ومن اللافت للنظر والداعي للاستغراب أن بقية الأديان في العالم وهم كثر في المجتمعات الأوروبية والأمريكية و لكن هذه المجتمعات لا تلقى ما يلقاه المسلمون من إقصاء وتخويف وتشويه لعقيدتهم .
ــ وكيف تقيمون تصدي المسلمين لحملات الكراهية والتطرف في بعض البلدان ؟
ــ من الواجب العمل على تصحيح الصورة ليبقى الإسلام قائما ولابد أن تقوم الجاليات الإسلامية بواجبها الشرعي على مستوى الأفراد وعلى مستوى المنظمات والمؤسسات على تحسين صورة الإسلام والمسلمين ذلك من خلال تقديم الفكر الإسلامي الرائد وعقد المؤتمرات واللقاءات الحوارية والتبادل الثقافي السليم ومقاطعة الفكر السلبي لتحصين الشخصية المسلمة ومحاربة هذه الأفكار الشاذة بمختلف الأساليب .
إقبال الغربيين على اعتناق الإسلام بكثافة أثار الهلع عند الحكومات الغربية
ــ هل ما تزال الإسلاموفوبيا رائجة في المجتمعات الغربية؟
ــ هناك عقدة الخوف والهلع لدى الغربيين بشكل عام من انتشار الإسلام ونفوذ قوته الدينية والثقافية والبشرية داخل المجتمعات والدول الغربية وهذه العقدة اصطلح عليها إعلاميا "إسلاموفوبيا" اي الخوف والهلع من الإسلام، هذه اللفظة انتشرت بفعل ما تم ترسيبه وإشاعته من قلق مرضي وخوف نفسي لا شعوري لدى الغرب من الإسلام وكل ما يتصل به وغالبا ما ينتشر هذا المصطلح أكثر عندما يحتد العداء الغربي للإسلام ويظهر من خلال القيام بحملات تشويهية لصورة الإسلام والمسلمين خصوصا عبر الإعلام الغربي وبكل مكوناته وهذا المصطلح جامع لعمليات التشويه المشحونة بالدسائس والأكاذيب ضد الإسلام.
ــ من المؤكد أن بعض قوانين المجتمع الغربي تتعارض مع تعاليم الإسلام، فكيف تعاملت الأسرة المسلمة مع ذلك ؟
ــ هناك أساليب مختلفة منها: تحصين أفراد الأسرة بالقيم الإسلامية وبالعقيدة منهجا وسلوكا وبناء أسرة اجتماعية أوسع من الأسرة من خلال اللقاءات المستمرة في المراكز الإسلامية يعني أن تلتقي الأسر المختلفة لإيجاد جو اجتماعي لتنشئة الأطفال والمراهقين في مجتمع إسلامي وان يكون هذا المجتمع الإسلامي الكبير محصن بالثقافة الإسلامية والعقيدة الحقة، ومن الأساليب المهمة الأخرى هو تذكير النشء الجديد بأن هويته عربية وان انتمائه إسلامي بالعقيدة لكنه يعيش على ارض الغرب يعني لا بأس أن يكون عراقي الأصل بريطاني الجنسية، عراقي الأصل هولندي الجنسية، وهكذا الجاليات المسلمة الأخرى من شرق آسيا وغيرها كل يعمل على شاكلته لتلتقي بهدف واحد، ومن الأمثلة على تعزيز الانتماء هو الاهتمام باللغة وذلك بأن تكون هناك مدارس موازية تكميلية لتعليم الأطفال اللغة العربية بالنسبة للجاليات العربية لما لها من أهمية فتعليمهم اللغة العربية يكرس انتمائهم للهوية العربية والإسلامية ويتم من خلال تعليمهم التربية القرآنية والإسلامية.
و الأمر الآخر الذي يساهم في حماية الجاليات الإسلامية هو ملاحقة أي قرار حكومي أو قانون يجحف حق الإنسان المسلم ويقيد حريته كمسلم وذلك يتم بأتباع أساليب التي وضعتها نفس الحكومات الغربية وهناك طرق مثل لقاء النائب الذي يمثل هذه المنطقة وتقديم الشكوى له ليرفعها بدوره الى البرلمان وإذا كان هناك ضغط يمثل أكثر من 100,000 إنسان تطرح هذه المسألة للبرلمان للمناقشة، كما يمكن الاحتجاج بطرق متعددة تمارس في الوسط الغربي مثلا الاعتصامات أو المظاهرات أو الاعتراض على أي قانون يضر بحقوق الجاليات من خلال رفع استبيان وهكذا الاستبيان اذا وصل الى 250,000 تقريبا ينظر بالنتيجة بعين التمحيص والتدقيق وإعادة النظر، علاوة على عقد ندوات ويدعى لها مفكرون لغرض التمديد والشجب ومناقشة تلك الأمور السلبية التي تتعارض والقيم الإسلامية ونشرها فيما بعد كل ذلك يؤدي الى أحداث ضغط على أصحاب القرار ويؤدي الى إعادة النظر أو التخفيف أو أبطال القرار المجحف".
ــ وكيف ترون دور المدارس الإسلامية في تربية الأبناء تربية إسلامية صحيحة؟
ــ هناك نوعان من المدارس: مدرسة تكميلية يأتي دورها مكملاً للمدارس الحكومية أي أن الطلبة يذهبون الى المدارس الحكومية ويومي العطلة (السبت والأحد) تعمل الجاليات الإسلامية على جمع التلاميذ والطلبة المسلمين في مدرسة حكومية تكميلية تدرسهم اللغة العربية إذا كانوا عربا، والدروس هي رسم اللغة العربية والتربية الإسلامية والقرآنية لتحصين الأولاد وتعليمهم والتأكيد على انتمائهم الإسلامي، وهناك مدارس وهي قليلة جداً مدارس تسمى مدارس إسلامية يعني تعمل كالمدارس الحكومية بنفس المناهج ويضاف لها ضمن المدرسة تعليم اللغة العربية والتربية القرآنية والإسلامية، بالتأكيد كلا المدرستين هما لتحصين الشخصية ودفعها لنبذ الممارسات الخاطئة والابتعاد عن العادات السلبية والسيئة مثل إبعادهم عن المخدرات أو التدخين أو حتى تحصينهم من القيم الغربية المنافية للأخلاق.