الحوار لأجل رؤية كونيّة دينية
د. علي موسى الموسوي
يراهن المجتمع الدولي على المشترك الإنساني بين كل الديانات والمعتقدات لأجل تكريس قيم التعايش والسلم. لهذا نحتاج لحوار بناء يرسخ الأخلاق الإنسانية الحسنة التي نادت بها كل الديانات السماوية وتوحدت بها مع المعتقدات الوضعية، بل وحتى التيارات الفكرية.
ولا مجال لتنزيل هذا المبتغى الإنساني النبيل إلا بفقه التسامح كي نستطيع الخروج من أزمة الإختلاف. هذا الأخير الذي أخرج بفعل الفهم المتشدد من طبيعته الخيرة؛ باعتباره سنة الله في الأرض وتجسيد لرحمته، ليصبح وسيلة لإذكاء الصراعات والكراهية ورفض الآخر.
ارتبطت سنة الإختلاف بسنة التعارف، يقول سبحانه وتعالى (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) .صدق الله العظيم.
الإختلاف والتعارف إذن، رؤية ربانية للكون، لخلقه، لطبيعة العلاقة مع المختلف، وركيزة أساسية في مشروع"الصلاح" الذي أراده الله للكون. فالتقوى معيار الصلاح. والتقوى تهم الإنسان بغض النظر عن الإنتماءات العقدية(أن الأرض يرثها عبادي الصالحون).
لهذا الحوار مطلب رباني، إنه "إكسير" البناء الإنساني-الحضاري، ووسيلتنا لاستيعاب اختلافاتنا،واستيعاب أن رحمة الله التي أودعها الإنسان. ومن هنا ضرورة العمل على تحفيز الوعي بحرية المعتقد، حيث الفرد يختار عن قناعة وجدانية وعقلية، كيف يتمثل علاقته بخالقه، وكيف ينزل القيم الإنسانية الخيرة، بعيدا عن الوصاية الدينية التي حاربتها كل الديانات والمعتقدات. فالدين تحرر من سلطة الخلق وإتصال بالخالق. ولا حق للآخر علي سوى إحترام وتقدير التكريم الذي وهبه الله سبحانه وتعالى. وهو تكريم يمنحه حق العيش بكرامة وحرية.
الدين رحمة (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين). فكيف للدين أو المعتقد أن يصبح مدعاة للتناحر والإقصاء والحروب؟
إن "العالمين" في القرآن الكريم تحيلنا على "الكلمة السواء" التي تعتبر منهاجا ربانيا مناهضا لكل أسباب التفرقة والتنافر(قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا و بينكم).والكلمة السواء، دين الله القائم على مكارم الأخلاق، وعلى التسامح والإحسان.
الكلمة السواء الوحدة المنبثقة من تعدد الملل و النحل التي التقت عند منظومة أخلاقية كونية قوامها الحب والسلم والتعايش واحترام حقوق الآخرين. قيم كفيلة بدفع الإنسانية نحو سلم دائم، خاصة بعد فشل حروب الهيمنة والإقصاء.
والحوار أولاً وأخيراً، وسيلتنا لبلوغ جوهر الأديان الذي هو الإنسانية التي توحدنا. ففي نهاية الأمر أن تكون متديناً معناه أن تكون إنساناً.