عظمة التعويض الإلهي

في اللحظة التي حطَّ بها الركب الحسيني رحاله في ارض كربلاء تحولت هذه المنطقة المقفرة التي لم يكن لها شأن سابقا الى ومضة خالدة الوهج بفعل بركة القرآن التي حلّت بها، فالليالي المعدودة التي قضاها الامام عليه السلام مع صحبه محاصَرين في تلك البقعة يصلّون لله ويتلون القرآن، كانت أصواتهم تشق الظلام الدامس الذي أحاط بهم من كل جانب (لهُم دوي كدوي النحل ما بين راكع وساجد وقائم وقاعد).

ورغم مرور نحو 1382 عاماً على تلك الأيام فإن نور الإمامة وبركة القرآن التي حلَّت بكربلاء حوّلتها الى نبع للثقافة القرآنية بل ان مرقد الإمام الحسين عليه السلام تحول بالفعل الى مركز اشعاع للثقافة القرآنية والمبادئ الإسلامية السمحاء.

ان هذا التلازم الأبدي بين الإمام الحسين عليه السلام والقرآن الكريم ليس بمستغرَب، اذا ما علمنا بأن هناك العديد من الصفات التي وشَّحت شخصية الإمام عليه السلام ولها تشابُه مع صفات القرآن الحكيم، فالقرآن جاء هدى للناس الى الاسلام وبيّنات من الهدى والفرقان. والحسين هدى للناس الى الايمان، وبيّنات من الهدى والفرقان بين اهل الحق والباطل، عندما عزم على محاربة الزيف والانحراف الذي طغى على امة الإسلام.

والقرآن الكريم ليلة نزوله ليلة القدر، والحسين ليلة ولادته نزل الملائكة بإذن ربهم لهذا الأمر بسلام من الله وتهنئة جاء بها جبرئيل للنبي الاكرم صلى الله عليه وآله.

والقرآن الحكيم شافع لقارئه وحافظه والعامل بهديه، والحسين عليه السلام شافع لمن يزوره وينشر مظلوميته ويحزن عليه ملتزماً نهجه وخطّه الداعي للفلاح والنجاة.

والقرآن معجزة بأسلوبه وبمعانيه وبما جاء به من البينات، والحسين معجزة برأسه وبَدنه وبدمه وترابه، ولسانه الذي لهجَ بالقرآن حتى عندما كان رأسه على سنان الرمح.

والقرآن جديد لا يبلى ولا يُمل بكثرة التكرار، والحسين مصابه يتجدد وتتعمق معانيه، ولا يُمل بكثرة الذكر والتكرار انما يتزايد محبّوه وأتباعه.

والقرآن قراءته عبادة واستماعه عبادة، والحسين رثاؤه عبادة، والاستماع لرثائه عبادة، والجلوس في مجلسه عبادة، والبكاء له عبادة، وزيارته عبادة، وتمنّي الشهادة على أهدافه عبادة.

حتى اننا إذا ما تقصّينا أوجه الشبه بين سيد الشهداء عليه السلام وجدّه المصطفى محمد صلى الله عليه وآله نجد ان الحسين هو امتداد لشخص النبي على قوله:" حسين منّي وأنا من حسين". ومعنى ذلك يصبُّ في أطر متشعبة أوّلها، أن مقام الشفاعة الكبرى الذي وهبه الله تعالى لرسوله الكريم إنما هو لأسباب عديدة منها رِضاه عزوجل بشهادة سبط النبي وريحانته الحسين عليه السلام.

صباح الطالقاني

الصورة: قاسم العميدي