اليوم العالمي للمرأة.. نساء النهضة الحسينية انموذجا
لقد كرّم الإسلام هذه المخلوقة التي قال عنها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (رفقاً بالقوارير) ،ورفع شأنها؛ وذلك بان وضع القوانين والأسس التي ترعاها وتكفل لها الحقوق الكاملة، سواء أكانت زوجة او أُم, او إبنة ، او أخت، وصانها من الهوان والابتذال, ولو نقبت في كتب الفقه لوجدت مصداق ذلك.
كما ان القرآن الكريم قد زخرت آياته بالحديث عن نساء سجلن على صفحات الإنسانية مواقف ناصعة، في سبيل إعلاء كلمة الله والدفاع عن الشرائع السماوية، وأخريات أعطين دروساً في الجهاد والفقه، رغم ما كان يكتنف عصورهن من ظلم وطغيان، فيروي لنا قصص عن نساء الأنبياء وامهاتهن وبناتهن وأزواجهن، فهذه أم موسى(عليه السلام) وهذه مريم العذراء (عليها السلام) وتلك ابنة شعيب زوجة النبي موسى (عليه السلام) ،وهذه آسية بنت مزاحم زوجة فرعون وغيرهن كثيرات .
كذلك تزخر كتب التاريخ والسيرة بسير نساء كنَّ مثالاً في النبل والكرامة والشجاعة والوفاء ،والعفة والطهارة ، والجهاد في سبيل إعلاء كلمة الحق ، فكانت على رأسهن فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين (عليها السلام)، وأمها الصديقة خديجة الكبرى (عليها السلام) أول المجاهدات بمالها وصبرها وعونها للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من اجل دين الله ، وتشهد كتب التاريخ وكتب السيرة والكتب التي تناولت واقعة الطف الأليمة التي راح ضحيتها نتيجة الغطرسة الأموية والعصبية القبلية ثلة مؤمنة من آل الرسول مع ثلة مؤمنة أخرى من الصحابة المنتجبين ، وكان على رأسهم قائد البيت الهاشمي وزعيمهم الإمام الحسين (عليه السلام) في العاشر من المحرم سنة إحدى وستين للهجرة المباركة .
أشارت هذه الكتب الى وقوع حوارات دارت بين الإمام الحسين (عليه السلام) والعديد من الشخصيات البارزة في ذلك الحين قبل رحيله من المدينة الى الكوفة -بعد ان عقد العزم على ذلك- كانت تتخوف من ذهاب الإمام الحسين الى الكوفة، وتحثه على عدم الرحيل خوفاً عليه، ولكن إصراره (عليه السلام) على هذا الأمر جعل تلك الشخصيات -لا سيما أخوه محمد بن الحنيفة- تطرح تساؤلاً مرفقاً بالرجاء عن سبب اصطحابه العيال من نساء وأطفال، فكان جوابه (عليه السلام) حينذاك : ( ان الله شاء ان يراني قتيلاً وشاء ان يراهن سبايا).
حيث كانت المرأة وما زالت إلى جانب الرجل تدافع عن الحقّ، وتقف ضدّ الظلم؛ لأنّ الله تعالى عندما أمر عباده بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يخصّص خطابه بالرجال دون النساء، بل أوكل هذه المهمّة إليهما ؛ لما لها من خطورة على الفرد والمجتمع, فواقعة الطف فيها الكثير من النساء اللواتي كان لهن الدور الكبير في نصرة النهضة المباركة للإمام الحسين (عليه السلام), ومن بين خيرة هذه النساء هي:-
اولاً. السيدة زينب (عليها السلام )
السيّدة زينب(عليها السلام)، قد جعلت من الموقف تاريخاً لم تخمده السيوف، فظلّت كلماتها ومواقفها تحاكي الضمير، وتدعو إلى الحقّ، واستطاعت بذلك أن تُقيم صروح النهضة الفكرية، وتنشر الوعي السياسي والديني، في وقت تلبّدت فيه أفكار الجماهير وتخدّرت، وخفي عليها الواقع؛ من جرّاء ما تنشره وسائل الحكم الأُموي، من أنّ الأُمويين أعلام الإسلام، وحماة الدين، وقادة المتّقين، فأفشلت مخططاتهم، وأبطلت إعلامهم الزائف بالتبليغ الهادف، فاتخذت الموقف الحاسم، وهو السير مع الإمام الحسين(عليه السلام).
إنّ موقفها(عليها السلام)هذا، والسير مع أخيها، هو أبرز مظاهر التبليغ، فقد استطاعت أن توصل رسالة للمرأة المسلمة، مفادها: أنّ الوقوف ضدّ الظلم لا يختصّ بالرجال فقط، بل المرأة مسؤولة أمام الله عن ذلك أيضاً. واستطاعت(عليها السلام)أيضاً أن تدافع عن الإمام السجاد(عليه السلام) واستمرار إمامته، وبالتالي التمهيد لدولة الإمام المهدي(عجل الله فرجه الشريف). هذا من جهة، ومن جهة أُخرى استطاعت(عليها السلام)أن تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر بشتّى الطرق، غير مبالية ببطش الحكم الأُموي الظالم.
ثانياً. دلهم بنت عمرو الكوفية
ورد اسمها هذا في بعض المصادر التاريخية، وورد في البعض الآخر باسم ( ديلم بنت عمرو) السيّدة دلهم كانت تتصف بصفات عظيمة أهّلتها لأن يكون لها تأثير شخصي على محيطها، وبخاصّة زوجها زهير بن القين البجلي، إذ كانت هي المحفّز الأساسي له على نيله لمرتبة الشهادة مع الإمام الحسين(عليه السلام) في واقعة الطف.
ثالثاً : أم وهب النصرانية
أم وهب بن حباب الكلبي ، وقيل أم وهب بن عبد الله بن حباب الكلبي ، المرأة التي آمنت وضحت، قد كانت وابنها وهب على الديانة النصرانية ، ولم يعرفا عن الإسلام ما يجعلهما يفكران بجد في التحول عن معتقدهما، ولكن الصدفة لعبت دوراً بذلك ، فقد صدف ان نزلا في مكان سبقهم الإمام الحسين اليه، فوقعت هيبة الإمام الحسين في نفسه وامه مأخذاً عظيماً، فدخل نور الهداية قلبهما بعد ان تحدثا للإمام الحسين (عليه السلام)، وبعد ان علما انه نهض لإحقاق الحق وإزهاق الباطل ،قررا الالتحاق به ، فلما وقعت واقعة الطف كان دور الأم دوراً مشرفاً، فقد وقفت موقف الأم التي تشجع ولدها على القتال لتقدمه شهيداً بعد أيام من إسلامها بين يدي ابن صاحب الرسالة، ولم تكتف بذلك بل وبعد استشهاده أخذت بيدها عمود الخيمة ، وأخذت تدافع عن الحسين وآله (عليه السلام)، فلما شاهدها الإمام سارع الى إرجاعها الى الخيمة معلماً اياها ان الجهاد قد وجب على الرجال دون النساء ووعدها بالجنة وضمن لها ذلك ، أي انها ضمنت الجنة بعد ثلاثة عشر يوماً فقط من اسلامها، فضربت بذلك مثلاً للنساء المواليات الصابرات المؤمنات اللاتي حضرن في كربلاء عازمة على المواساة، غير راضية الا بقتل فلذة كبدها وقرة عينها ولدها وهب بين يدي إمامه (عليه السلام)، علماً أن هناك امرأة أخرى تكنى بأم وهب وهي : أم وهب بنت عبد، اسمها قمر، او قمري زوجة عبد الله بن عمير الشهيد بأرض الطف يوم عاشوراء.
هذه نبذة مختصرة للاحتفاء باليوم العالمي للمرأة, فواقعة الطف الأليمة ابرزت لنا نخبة نسوية يقتدى بهن وغيرهن كثيرات في الدين الإسلامي منذ زمن الرسول الأكرم (محمد صلى الله عليه وآله وسلم ) ووصولاً إلى آل بيت النبوة الأطهار, والى يومنا هذا فهناك نساء كان لهن الدور الكبير في الدفاع عن الوطن والمقدسات اثناء صدور فتوى الجهاد الكفائي التي اصدرها سماحة المرجع الأعلى السيد علي السيستاني( دام ظله )
اعداد / عباس نجم