الولادات المباركة ودلالات الحرية في شهر شعبان

الباحث: صباح محسن كاظم
الصورة: حسن قاسم

موسم حصاد المسرات والأفراح بشعبان المبارك.. ولادة قناديل الحرية، والضوء الساطع بتاريخ البشرية، أئمتنا الأقداس  الحسين والعباس والسجاد وبقية الله أملنا الموعود بالخامس عشر من شعبان.. والذي تتطلع له البشرية لإنقاذها من الظلم وإقامة دولة العدل الإلهي.. فرحنا الغامر بولادة إمامنا الحسين -عليه السلام- لحجم تضحيته وأهل بيت النبي في سبيل الحرية والإصلاح. لذا نجد الأمة الإسلامية تقيم الإحتفالات بالمساجد والحسينيات وتقام المؤتمرات والندوات ومعارض الكتب وتقدم التلاوات القرآنية ومحافل الإنشاد الديني والإبتهالات والتضرع بولادة أئمتنا الأطهار، رموز الحرية بالبشرية.   

مفهوم الحرية ورموزها

الحرية الإنعتاق من عبودية الطاغوت نحو خالق الوجود وواجبه وموجده، طوال تاريخ البشرية تبحث عن حريتها المُصادرة من الطغاة والمستبدين والمنحرفين لذا وقف الأنبياء والرسل للتصدي للباطل، وتوّج  الإصلاح وطلب الحرية  سيد شباب أهل الجنة إمامنا الحسين -عليه السلام- من خلال تلك التضحية الباسلة الخالدة بطف كربلاء.. 

الإسلام والحرية

ثمة تساؤل ومقولات هل الحرية وجدت بالفكر الغربي أم جذورها إسلامية؟ وللجواب عن ماهية الحرية أولاً: حرية الاختيار في العقيدة، وحرية الانسان بالايمان، والمساواة.. والعدالة.. وعدم التمايز العنصري، والطائفي، والقومي، بالطبع سبق الاسلام الغرب بمفهوم الحرية من خلال القرآن الكريم (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِين) (الكافرون 6): فحرية الانسان غير مقيدة وله الاختيار فيما يشاء فالجاحد غير المؤمن بوجود خالق للكون، والمتهتك بالفساد والرذيلة شأنه هو، أما اعتقادي كمسلم ولي ديني الذي آمنت به من خلال الأطروحة القرآنية التي جسدها الرسول الاعظم حبيبنا محمد-صلى الله عليه وآله- وإتبعها أئمتنا الأقداس فقد ارتضيته شريعة كاملة للحياة بكل أبعادها، وقد ارتضاه ربي ديناً كآخر الأديان المقدسة ،و هو سبيل السعادة.. والتقوى.. والورع.. والكرامة.. والفوز والفلاح في الدنيا والآخرة، نعتقد بمقولاته الفكرية.. والعقائدية.. والفلسفية في رؤيته للكون والوجود.

وهناك نقطة جوهرية في الوجود وهو ثنائية الخير والشر والحق والباطل وطريق الصلاح وطريق الافساد.. والانسان حر فيما يختار من طريق وغير مسير ولا مجبر على إتخاذ مسالك الشر والعدوان والقتل والعنف بل طريق الهداية التي أرسى قيمها القرآن الكريم (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) سورة الحجرات.

وكذلك في نص قرآني آخر (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ النحل:( 125).. فتسويق مفاهيم الحرية ليس بالسيف أو بالاغتيال أو الاعتداء والاجتياح بل بالقيم الهادفة والحوار والدعوة إلى الحق ونبذ التعنت والتكبر والغرور والاعراض عن الحق..

الامام الحسين والحرية

إن صرخة الطف المدوية بطلب الحرية والاصلاح ستبقى نبراساً للأمم والشعوب في طلب التحرر والانعتاق من ربقة العبودية فالخطاب السوسيولوجي لزعيم الثورة السيد الزكي الطهر الطاهر المطهر أبا الشهداء وسيد الثوار- وهو إمام معصوم مفترض الطاعة مع عدو فاسق مجاهر بالعهر والرذيلة - إعتمد على ثيمة الحرية في شعاره (إن لم يكن لكم دين فكونوا أحرارا في دنياكم). ففلسفة الثورة الحسينية ومثلها وقيمها وأهدافها طلب الحرية والكرامة الانسانية المفقودة من خلال تولي الطغاة والذين همهم إستعباد الانسان وسلب وسحق آدميته بالامتثال لإمرة الحاكم المستبد..الفاسد..القاتل فالتكليف الشرعي هو أن ينهض الامام الحسين -عليه السلام- ولو كلف اراقة دمه الطهور من أجل الدين والاصلاح فهو إبن الرسالة ووريث نبيها محمد-صلى الله عليه وآله- وعلي بن ابي طالب -عليه السلام- امام المتقين الذي يرفض الجور والظلم واقام حكومة العدل ونصير الحرومين والمستضعفين، من هنا خرج سيد الاحرار والثوار الامام الحسين -عليه السلام- ليجسد من خلال التضحية والايثار بالنفس والاهل والاصحاب مبادئ الحرية المضمخة بأريج الشهادة في سبيل الله وكلمته العليا ودحر الباطل من خلال تعرية رموزه ودعاته الذين إستحوذ على قلوبهم الشيطان ليطوح بهم في سقر وليصبحوا لعنة في التاريخ ونقطة سوداء في الانسانية ،فيما جسدت مثل سيد الاحرار و شهداء كربلاء المثل المحتذى والعِبرة والعَبرة لكل حر وأبي، ولعلها دفعت بالتعجيل بالثورات ضد الامويين في الكوفة و العراق كثورة المختار وسلمان بن صرد الخزاعي و التوابين وثورات العلويين كثورة زيد بن علي وإشتعلت الارض تحت أقدام البغاة من بني أمية في ومرو وخراسان وباقي أصقاع العالم الاسلامي ..

العزم على الشهادة في سبيل الحرية

المنظومة الفكرية العقائدية(القرآن والسنة النبوية والامامة) التي يستمد منها إمامنا الذبيح حركته ونهضته وجهاده توحي إلى كل الانسانية انه يخطو نحو الشمس طالباً بحقوق الانسان، ومصمما على نيل تلك الحقوق بالتضحية بالغالي والنفيس والجود بالنفس لتحريك الامة ضد الطغاة.. فعن الإمام الحسين سيد الاحرار (عليه السلام) التي تؤكد أنَّه كان على علمٍ واطلاع بمصيره ومصير أهل بيته وصحبه وبالنتيجة المأساوية التي سترفع شكواها الى خالق السماوات والارض.

فقد ورد على لسان الحسين (عليه السلام) خلال مسيرته نحو كربلاء ونهضته المقدسة في مواضع من أن الامر ومايؤل اليه مصيره سيكون ا لشهادة .. والتعرض الى السبي .. والعطش.. والاهوال.. هو وأهل بيته وأطفاله وعياله.

كقوله (عليه السلام) في كتابه لبني هاشم لما توجه إلى العراق: (بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي إلى بني هاشم: أما بعد فانَّه من لحق بيَّ استشهد، ومن تخلف عني لم يبلغ الفتح والسلام).

وقوله (عليه السلام): لما عزم على الخروج من مكة قاصدا الكوفة قبل أن ينكشف له أي شيء عن أهل الكوفة، وكانت الكتب والرسائل تتوارد عليه منهم بالمئات، وأكَّدها سفيره وابن عمه مسلم بن عقيل (عليه السلام): (...خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف، وخير لي مصرع أنا لاقيه كأنَّي بأوصالي يتقطَّعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء، فيملأنَّ مني أكراشا جوفا، وأجربة سغبا لا محيص عن يوم خط بالقلم..).

وقوله لأخيه محمد بن الحنفية (أتاني رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعدما فارقتك فقال: يا حسين اخرج فإنَّ الله قد شاء أن يراك قتيلا...).

وقوله (عليه السلام) لعبد الله بن جعفر بن أبي طالب: (...إنّي رأيت رؤيا، ورأيت فيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمرني بأمرٍ أنا ماضٍ له، ولست بمخبرٍ بها أحداً حتى ألاقي عملي).

وقوله لأم سلمة:(... يا أماه والله إنَي لمقتول، وإنَي لا أفرّ من القدر والمقدور، والقضاء المحتوم، والأمر الواجب من الله تعالى، فقالت: واعجباه فأين تذهب وأنت مقتول؟! فقال: يا أمّه إن لم أذهب اليوم ذهبت غداً، وإن لم أذهب غداً لذهبت بعد غد، وما من الموت ـ والله يا أمّه ـ بدّ، وإنّي لأعرف اليوم والموضع الذي أقتل فيه، والساعة التي أقتل فيها، والحفرة التي أدفن فيها كما أعرفك وأنظر إليها كما أنظر إليك...)

يذكر د. النجدي في الشهادة والاشهاد 2 في فضل آل البيت وعصمتهم وسدادهم ومناقبهم وكراماتهم (...فلهذا الاخلاص استحقوا ذلك ولإيمانهم ويقينهم وأخلاقهم استحقوا هذه الكرامات واستحقوا أن يحصي الله تعالى فيهم كل شيء قال تعالى وكل شيء أحصيناه في إمام مبين) عملية إحصاء وعد، كيف يتم هذا الإحصاء وما علاقة ذلك بالشهادة والشهداء؟ الجواب على ذلك أن الشهيد الذي يؤدي الشهادة أمام الله تعالى لابد أن يكون مطلعاً على كل صغيرة وكبيرة سوف يشهد بها، وإلا كيف يتمكن من أداء الشهادة، وهذا يعني أن لديه عملية إحصاء، وملية الاحصاء والشهادة لهما إرتباط بالعلم اللدني أي العلم الحضوري العلم الذي لا يأتي كسباً وتحصيلاً وإنما هو من قبل الباري تبارك وتعالى مثل علم الخضر (عليه السلام) الذي علمه الله تعالى من لدنه علماً، هذا العلم الذي لدى أهل البيت عليهم السلام بتعليم الله يجعلهم يطلعون على حقائق الامور...).

الحرية تُنال بالتضحية

الحرية تؤخذ بالتضحية والصبر على المكاره ولا تمنح كهبة دون أي ثمن.. فيذكر صاحب كتاب الحدائق الوردية 3- (ولما اضطر عليه السلام إلى محاربة القوم وعبأ عمر بن سعد أصحابه لمحاربة الحسين عليه السلام، ورتبهم مراتبهم، وأقام الرايات في مواضعها، وعبأ أصحاب الميمنة والميسرة، وقال لأصحاب القلب، اثبتوا...) وقائد النهضة الحسينية يواجه الساعات الصعبة والحرجة ومكاره الدهر وعادياته اللئيمة التي ترفع الظالم لمكان لا يستحقه !..

فقد خطب الامام الحسين فيهم (تباً لكم أيتها الجماعة وترحاً، أفحين استصرختمونا ولهين متحيّرين، فأصرخناكم موجزين مستعدّين، سللتم علينا سيفاً في رقابنا! وحششتم علينا نار الفتن، جناها عدوكم وعدونا، فأصبحتم إلباً على أوليائكم، ويداً عليهم لأعدائكم....) إن هؤلاء الاوغاد الذين اضرموا الحرب على آل البيت وسفكوا الدماء الطاهرة هم احفاد أؤلئك الذين قاتلوا ببدر واحد والاحزاب والذين شنوا الحروب والوقائع ضد رسول الله -صلى الله عليه وآله(قوله تعالى: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً)...لبئس ما فعلوا ليصبحوا لعنة في أحشاء التاريخ الى يوم يبعثون ليغلوا بالاصفاد في محكمة العدل الالهية...

في تجارب الشعوب والحضارات الانسانية أمثلة كثيرة في التضحية من أجل الاستقلال والحرية، فقد خاضت الشعوب كفاحاً مريراً منذ الغزو البرتغالي والهولندي والفرنسي والبريطاني والامركي.. مستلهمة الدرس الحسيني ونهضة سيد الاحرار فكما قالها: غاندي وهوشيمنه والامام الخميني وحسن نصر الله ان كل ما لدينا من عاشوراء، ومن الحسين تعلمنا.. فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا...

عطاء الاخوّة بين العباس والحسين عليهما السلام

لعل من أهم الروابط الاسرية هي العلاقات الحميمية بين الأخوة في الاسرة الواحدة وترتفع، وتسمو، وترتقي هذه العلاقة كلما كانت مبنية على أسس إسلامية ملؤها الايمان الرسالي بالأهداف السامية التي يحملها الأخوة معاً، ولطالما تصادمت المآرب الدنيوية من البواكير الاولى للتأريخ في الصراع بين الأخوة بوجود ثناية الشر والخير في النفس البشرية بدءاً من قابيل وقتله لأخيه هابيل حينما سولت له نفسه الامارة بالسوء للإعتداء على أخيه، وعند إخوة النبي يوسف (عليه السلام) حينما دفعتهم الغيرة من قربه إلى أبيه وما يحظى من حب خاص أدى لتسَول لهم أنفسهم الغدر به والادعاء بالافتراء بأكله من الذئب و رميه بغياهب الجب، وهناك عشرات من الحالات الانسانية بمر العصور والازمنة لقتل الولد لوالده أو الشقيق لشقيقه في العصور الاموية الدموية، والعباسية المنفلتة، والمعاصرة الغادرة بدافع الوصول الى كرسي الحكم، أو الاستحواذ على المال إلخ... أما الأخوة الأيمانية المثالية في التضحية من أجل المباديء ..والقيم.. والمثل العليا.. هي ما قدمه الامام العباس (عليه السلام) من تفانٍ وفداءٍ وتضحية ٍ وعطاءٍ وجودٍ أمسى وأصبح محط إعجاب جميع البشرية في التضحية المقدسة لساقي العطاشى، والكفيل، وصاحب الراية، وحامل القربة، والاخ المواسي لأخيه الذي قدم للبشرية دروساً في الإقدام ..والمبدئية.. والاصرار.. أمام قلوب طبع عليها الشيطان، طمعاً بنيل مغانم زائلة، واستحوذ على ضمائرهم الخاوية تزلفاً للماكر يزيد ودهاقنة الرذيلة ابن زياد ومن عشعش في مخيلته سوء الاختيار الخاطئ لفسطاط الظلم والانضواء تحت راية الشر لعمر بن سعد وشمر بن ذي الجوشن وحرملة ومن سار بركبهم.

وأي متأمل لهذا الضرغام سيرجح الصفات الوراثية المستمدة من يعسوب الدين وقائد الغر المحجلين ومولى المؤمنين النموذج الانساني الامام علي بن أبي طالب(عليه السلام) ومن أخواله الفرسان ليغدو الاسد الهمام في الدفاع عن الحق الذي إدخره وتمثله وذاب فيه ليصبح عنوان تضحية ورمز من رموز الشهادة فالصفات التي جُبل عليها ساقي الماء، البسالة في الفداء، بالوقوف بوجه الذئاب الضارية التي لم تشبع غريزتها الا بتقطيع أوصال الاجساد الطاهرة المطهرة لتلقى ربها بجنان الخلد ،وبحب عشاق الحرية والفضيلة الذين يلهجون بذكرهم آناء الليل وأطراف النهار على مدى التأريخ ولتصبح نبراساً يستضاء بها لكل طالب للحرية من كل الاديان، والعقائد، والاجناس، فهذا لعمري هو الفوز الالهي الذي حققه الكفيل، وساقي العطاشى، وسادن الماء..، فشهداء الطف يقفون على منصة التأريخ لتعليم الانسانية طلب الحرية بالدماء الزاكيات التي أريج ضوع عطر الشهادة ينساب منها كالياسمين والمسك للإنسانية لتسير على منهجهم.. وهديهم.. ومبادئهم.. فلسفة خلودهم هو لبقاء الاسلام المحمدي الاصيل حياً وإلا لعاث بنو أميه خراباً وإيغالاً بسفك الدماء، فكانت مقدمات لثورات أخر هدت البيت الاموي وزعزعت أركانه كثورة التوابين وثأر المختار وسلمان بن صرد الخزاعي، وثورة زيد بن علي، وثورات العلويون المتكررة حتى رفع العباسيون راياتهم للإطاحة بخصومهم (يالثارات آل محمد) شتان بين نقيضين من هو طامع ومن هو مضحٍ، ومن طالب دنيا وحطامها ،ومن طالب خلود سرمدي، وبين فاسق وفاسد وشرير وبين من هو مؤمن وبّر ونبيل...صراع الحق انتصر بالدم على السيف وتلك الامثال للإنسانية جمعاء (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون)169 ال عمران.

وقال الامام جعفر الصادق (عليه السلام) (إن العباس بن علي (عليه السلام) كفلقة قمر، إذا ركب رجلاه يخطان في الأرض خطا، وقد كان جميلاً كالقمر الزاهر والبدر الطالع بتمامه، وقد أكد جماله الإمام المهدي (عجل الله فرجه وسهل مخرجه) في زيارة الناحية: (السلام على أبي الفضل العباس بن أمير المؤمنين، المواسي أخاه بنفسه الآخذ لغده من أمسه، الفادي له الوافي الساعي إليه بمائه المقطوعة يداه لعن الله قاتليه يزيد بن الرقاد وحكيم بن الطفيل الطائي.

وقال الامام جعفر الصادق بحقه ايضاً: كان عمنا العباس نافذ البصيرة صلب الايمان جاهد مع أخيه الحسين -عليه السلام-وأبلى بلاءً حسناً ومضى شهيداً.. إن التأريخ الجهادي لسادن الماء، وقمر العشيرة، وقطيع الكفين، منذ صباه لملازمته مع أخيه الامام الحسن المجتبى (عليه السلام) ومن أروع الدروس التي تعلمها أبو الفضل العباس -عليه السلام- من أخيه السبط هي الكيفية في التعامل مع طغاة العصر أمثال معاوية ،وكيفية تعامل القائد مع الفتن، وقد كان ابو الفضل العباس -عليه السلام- قائداً في جيش الامام الحسن -عليه السلام- الذي جهز لقتال معاوية وجيشه المارقين، وظل طيلة حياته ملازماً له كظله حتى شهادته مسموماً... وسمي ((سبع القنطرة)) في حرب النهروان حينما أبت جدارته وبسالته وفروسيته في حراسة الجسر الذي أوكله وأناط مهمة حمايته له من قبل أمير المؤمنين وسيد الموحدين الامام علي-عليه السلام- وقد نجح قمر العشيرة وسبع القنطرة بمهمته، فلم يدع الخوارج ليعبروا عليه بل صمد امامهم بصارمه، فقد نافح وكافح مع ابيه الخوارج الذين أخبر عنهم نبينا المصطفى محمد-صلى الله عليه وآله وسلم- وما يؤول من أمرهم وانهم يخرجون من الدين كما تخرج الرمية من السهم، فبعد أن صلى أمير المؤمنين -عليه السلام- صلاة الظهر وأمرهم بالمسير إليهم وهم دون القنطرة، ثم حمل عليهم بأصحابه حملة رجل واحد، وذلك بع أن أتم الامام علي -عليه السلام- الحجة عليهم واستتابهم مما جنوه من قتل عبد الله بن خباب وبقر بطن زوجته وإخراج طفلها وقتله!! فرجع منهم ثمانية آلاف وبقي أربعة آلاف لم يتوبوا، وقالوا له لنقتلنك كما قتلناه!!.

فحمل الامام -عليه السلام- واختلطوا، فلم يكن إلا ساعة حتى قتلوا بأجمعهم، ولم يفلت منهم إلا تسعة أنفس، فرجلان هربا إلى خراسان والى أرض سجستان وبهما نسلهما، ورجلان صارا إلى بلاد الجزيرة إلى موضع يسمى السن، ورجلان صارا الى بلاد عمان وفيها نسلهما إلى الان ورجلان صارا الى بلاد اليمن، ورجل آخر هرب إلى البر ثم بعد ذلك دخل الكوفة وهو عبد الرحمن بن ملجم المرادي -لعنه الله- قاتل الامام علي بن ابي طالب -عليه السلام- كما انه لم يقتل من أصحاب الامام -عليه السلام- الا تسعة، فكان كما أ خبر به أمير المؤمنين -عليه السلام- تماماً دون زيادة أو نقصان.. وفي معركة (صفين) إشترك مع أبيه أمير المؤمنين -عليه السلام- وقد أبدى بطولة استثنائيةً فريدةً حينما قارع الابطال، فقد تمكن معاوية وجيشه من نهر الفرات ليمنعوا جيش الامام علي بن أبي طالب-عليه السلام- فأزاحهم ابو الفضل بعدما إنتدب الامام -عليه السلام- الامام الحسين سيد الشهداء وسيد شباب أهل الجنة -عليه السلام- فحمل مع مجموعة من الفرسان وكان يعضده أخوه أبو الفضل العباس -عليه السلام- حتى حرروا المشرعة والفرات وأزاحوا جيش معاوية عن الماء الذي حرموا المسلمين المؤمنين منه، ومن مواقفه أبي الفضل-عليه السلام-الشجاعة في صفين، خروجه مبارزاً بين الصفّين، وعلى وجهه نقاب، فهابه الناس وخافوا منه، فأنتدب معاوية له أبا الشعثاء الذي أنف من الخروج إليه وقال:

إن أهل الشام يعدونني بألف فارس فلا يليق بي أن أخرج إليه، ولكن سوف أبعث له أحد أولادي، وكانوا سبعة، وكلما خرج إليه واحد منهم قتله، حتى أتى عليهم جميعاً، فغضب أبو الشعثاء غضباً شديداً وامتلأ على هذا الشاب غيظاً وحنقاً وقال: لأخرجن إليه ولأثكلن بقتله والديه، ثم خرج يشتد نحوه حتى إذا اقترب منه حمل عليه، فابتدره أبو الفضل العباس (عليه السلام) بضربة قاضية أتت عليه وألحقته بأولاده السبعة، عندها خافه جيش معاوية وهابوه ولم يجرأ أحدّ منهم بعد ذلك على مقارعته وقتاله، ولا على مبارزته ومنازلته، مما اضطره للرجوع الى الخلف... وقد توج جهاده في سبيل الله وعلى هدى رسول الله وعلى خطى وصي رسول الله أمير المؤمنين في واقعة كربلاء، فبالطفوف تجلت وأفصحت عن قدرات المجاهد الحقيقية، بعد أن فرق الجمع الحارس للمشرعة لمنع الحسين وعياله من الماء، فلم يهب ذلك الجمع الذي ذكره المؤرخون أربعة آلاف فارس، غاص في أوساطهم ونزل بعد أن صاروا سماطين، وغرف من الماء أراد أن يشرب تذكر عطش الحسين وعياله والوصية التي أوصاه بها سيد الوصيين الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام)، نفض الماء من يده وملأ القربة بعد أن ارتجز قائلاً:

يا نفس من بعد الحسين هوني

وبعده لا كنتي أو تكوني

وبعده لا كنت أو تكوني

هذا الحسين وارد المنون

وتشربين باردا المعين

والله ما هذا فعال ديني

ولا فعال إمام صادق اليقين

إن الدلالات التي تشي وتفصح عن المروءة والحلم والفروسية والنبل التي جسدها سادن الماء أصبحت مثار إعجاب.. وإلهام، الشعراء، والادباء، والكتاب وقد استلهمت في الفن التشكيلي، والفن المسرحي.. وفي المؤتمر التأسيسي الاول لمسرحة الشعائر الحسينية في كربلاء المقدسة المنعقد في 2009/11/13 تناول العديد من الاكاديميين والباحثين ضرورة تقديم الاعمال المسرحية في التعزية والتشابيه بالنظر الى بطولة العباس-عليه السلام- أو موقف زينب -عليها السلام- أو أصحاب الحسين -عليه السلام- كالحر وكل الشهداء، ان استلهام الدروس الفكرية وتوظيف الطقوس والمشاعر والشعائر لإبراز الأخوة الحقيقية التي كان نموذجها الفريد في التأريخ الانساني هو العباس بن علي بن ابي طالب -عليه السلام- فهي درس نموذجي بالتضحية والفداء والإباء..

في أخلاق الجبهتين

إستللت هذا العنوان من كتاب الباحث الاسلامي السيد سعيد العذاري، فهناك نوعان من الشخصيات في الصراع بين الحق والباطل فسطاط يتمثل بإنتاج القيم النبيلة التي تنم عن عظمتها المجبولة على قيم الفضيلة.. والحق.. والخير لنشر الحرية وقيم التسامح والعدالة كالإمام الحسين والعباس وزهير وبرير والحر وأبطال الطف من الشهداء الكرام، فالحسين يبكي على اعداءه انهم يدخلون النار بسبب قتاله، قبال نفوس وضيعة ودنيئة ومنحطة تمثلت بجيش يزيد وعمر بن سعد وشمر ذي الجوشن وحرملة الذين انتهكوا حرم رسول الله محمد-صلى الله عليه وآله وسلم- ومارسوا أبشع صور الظلم والاعتداء بحق أبناء المصطفى.. لقد بين القرآن الكريم في محكم آياته الافتتان في الدنيا بين نمطين من السلوك الانساني ((ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب) ال عمران 179.

يذكر العلامة الاراكي:4 (وقد كانت الفتن مريرة وكثيرة نجا منها أُناس قليلون ثبتوا على الحقّ ووفوا لله ورسوله بالعهد والميثاق وهم الذين ثبتوا على طاعة الإمامة الإلهية والوفاء لها في كلّ الظروف والأحوال وكان أبرز مصاديق هذه القلّة الوفية بالعهد أصحاب الإمام الحسين-عليه السلام- فقد ثبتوا على العهد حتّى النفس الأخير فقضوا نحبهم مضمّخين  بالدماء أعزّاء قاهرين غير مقهورين.))

يذكر السيد سعيد العذاري 5 (لقد إمتاز إعلام جبهة الامام الحسين -عليه السلام- بالصدق والصراحة والواقعية ،ولم يمارس الخداع والتضليل ولا اللف والدوران، وانما ركز على وقائع معلومة للجميع، لأن أحد أهداف الامام الحسين -عليه السلام- هو الاصلاح، ولا يتحقق الاصلاح الا بإصلاح جميع جوانب الحياة ومنها الاعلام ليكون منسجماً مع الثوابت الأخلاقية...)

إن خلود السمفونية الحسينية على مدى الدهور والايام يتأتى من وعي صاحب الثورة الثائر الشهيد بأن الزمن كفيل بنصرة الحق حتى ولو بعد حين، لتصبح نبراساً لكل الثائرين بدروب الحرية المعبدة بطريق الشهادة..  

شعبان الأفراح ومحرّم الأحزان

الإنسانية بولادة بطل الحرية الإمام الحسين سيد شباب أهل الجنة  لفرح نبينا العظيم بولادته وفرح فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمي وأمير المؤمنين ومولى الموحدين الإمام علي بن ابي طالب -عليه السلام- أما بشهادته يعم الحزن بقلوب جميع المؤمنات والمؤمنين بأرجاء العالم.. إنه الولاء المقدس لآل المصطفى.. حتى شهادة الإمام الحسين -عليه السلام- ولادة أخرى وخلود يتجدد بكبرياء التضحية.. تهنئة قلبية لجميع البشرية بالولادات الشعبانية المباركة.

المصادر:

1- القرآن الكريم

2- الشهادة والاشهاد في إمامة أهل البيت: د. حميد النجدي ص27

3- الحدائق الوردية: المؤرخ حميد بن أحمد بن محمد اليماني ص94

4-صلح الحسن وثورة الحسين من منظور السنن التاريخية في القرآن الكريم - محسن الآراكي- ص104

5-أخلاق الجبهتين في نهضة عاشوراء - سعيد العذاري ص26