المدرسة في الدول العربية بين الواقع والتحديات

البروفيسور علي عبد فتوني / لبنان

يقع على المدرسة العبء الأكبر في بناء المجتمع ونموه ، فهي أبرز المؤسسات التي تتفاعل مع فلسفته واتجاهاته ومشكلاته ،  فتؤثر فيه ويؤثر فيها ، وهي أداته في نشر الوعي بين الأهلين ، وتحدد لهم الأنماط والشعارات الجديدة وتمرسهم عليها ، علاوة على إكسابهم مهارات تعينهم على النهوض بأنفسهم ، وصناعة بيئتهم ، وبناء وطنهم . والمدرسة الحديثة تهدف الى تحرير شخصية التلامذة ، وتنمية إبداعهم وتمكينهم من لعب الدور الذي ينتظرهم في التقدم بوطنهم ، وكل ذلك عن طريق تعليمهم كيف يتعلمون ، وكيف يفيدون من العلم الحديث والتقنية الحديثة العلمية في التغلب على مشكلاتهم  .

على الرغم من كل ما تقدم ، نجد أن مسألة التعليم في معظم الدول العربية لم تأخذ حقها في السياسات العامة لدى الحكومات ، بالرغم من إقدام بعض الحكومات على محاولات الإصلاح لكنها تبقى إصلاحات ضعيفة ولا تمس جوهر الخلل في المنظومة التربوية ، وهذا يعود في معظم الأحيان الى قلة الموارد المادية ، وإهمال المسؤولين ، وصعوبة الأحوال الاقتصادية للفرد ، بالإضافة الى حاجة قطاع التعليم بشكل دائم الى تطوير ورفع كفاءته ، لكي يتمكن من مواكبة العصر ومواجهة التحديات .

وقد حددت منظمة اليونسكو مشكلة التعليم في الدول العربية من خلال برنامج التعليم في العالم ، وأوضحت أن مشكلات التعليم تختلف من دولة لأخرى ، وتتمثل تلك الفروق بالإصلاحات ، والإمكانيات التي أصبحت إحدى دعائم التعليم في الوقت الحالي ، والتي تعتبر عبئاً على الميزانية والموازنة العامة لدى معظم الدول العربية .

على ضوء ما تقدم ، على الحكومات العربية أن تدعم المدرسة لكي تقوم بواجبها ، وتسعى الى أن تهيء لتلامذتها الظروف والمجالات التي تلائمهم ، وأن تعينهم على تفهم القيم الجديدة للمجتمع والإيمان بها والسلوك في حدودها. وأن تعمل المدرسة على دفعهم  للتجاوب مع التطورات الاجتماعية والاقتصادية التي يمر بها المجتمع ، وتشجعهم على قبول فكرة التطوير الاجتماعي ، وأن تساعدهم على إتقان المهارات الفنية اللازمة لتحقيق التطور القومي في مختلف ميادين العمل ، وفي قطاعات الإنتاج والخدمات. وبذلك تساعد المدرسة على نموهم المتكامل الذي يمكنهم من ان يختطوا طريقهم في الحياة العملية ، وتؤهلهم لمواصلة الدراسة في مراحل التعليم الجامعي والدراسات العليا.

ولكي تحقق المدرسة العربية فعاليتها في بناء المجتمع بتلك الأهداف والمفاهيم والأساليب يجب أن تكون جزءاً لا يتجزأ من المجتمع لأنها وليدته ، وترتبط رسالتها بمطالبه ، وتعبر رسائلها عن أساليبه ، وتسير مناهجها وفق حاجاته ، وتشترك وتسهم في كل عملية تنهض به ، سواء أكان ذلك للمجتمع المحلي ، أو المجتمع الإنساني العام .

والجدير ذكره ، أن مهمة المدرسة لا تقتصر على تربية الناشئة ، بل تمتد خدماتها من ميادين التربية الى أن تكون أيضاً مؤسسة اجتماعية ، ومركزاً لتربية وتعليم الكبار في شتى المجالات الثقافية والصحية والاجتماعية .

ومن هذه الزاوية يمكن الحديث عن الإدارة في ميدان التربية والتعليم ، حيث تطور مفهومها تطوراً سريعاً ومعتمداً في ذلك على تطور مفاهيم الإدارة في ميدان الصناعة وإدارة الأعمال ، والميدان العام أي الإدارة العامة . وتقوم الإدارة المدرسية الحديثة على أصول علمية ، وعلى مدير المدرسة أن يكون على وعي بهذه الأصول حتى يستطيع أن يحقق الدور القيادي الذي يجب أن يلعبه بالنسبة لمدرسته بدرجة عالية من الكفاءة ، بالتنسيق مع  المدرسين والإداريين تنسيقا" من شأنه أن يؤدي التعاون التام لمصلحة التلامذة ، لأن أسوأ صورة تصاب بها المدرسة عندما يعتبر المدير أنه  الوحيد الذي يشعر بأداء الواجب ، ولولا أنه يحث المدرسين ويراقبهم ما أدوا واجبهم .

وينبغي أن نشير الى دور المعلم في العملية التنموية وأي إهمال أو تقصير لدوره ينعكس  إنعكاساً سلبياً مؤثراً ، وقد حان الأوان أن يعقد العزم على تقدير ذلك الدور الريادي تقديراً معنوياً ومادياً.

ويمكن القول ، أنه يتوقف على كفاءة المعلم إعداد الجيل وتربيته علمياً وسلوكياً وأخلاقياً ، فإذا أرادت الدول العربية تطبيق أنجح الطرق التربوية وأفضل الوسائل ، فإن الأساس في نجاحها أو فشلها هو المعلم ، لأنه المنفذ العملي لهذه الامور ، فإن أحسن استخدامها أعطت النتائج المرجوة ، وإن أفسدها وأساء تطبيقها كانت النتائج عكسية .

كما أن المعلم هو القدوة الحسنة والنموذج الصالح عند تلامذته ، فالتلميذ بحاجة دائمة الى النموذج أو المثال الذي يود أن يكون مستقبلاً وهذا النموذج الحي يجده في معلمه حيث يسعى الى أن يقتدي به بطريقة أو بأخرى .

ونتيجة لذلك ، يحتاج الأمر الى مواصلة العمل لتحسين نوعية المعلم وإعداده مهنياً وتربوياً ، بحيث ذا فاعلية مؤثرة في المشاركة في تنمية من حوله وما حوله .

بقي أن نؤكد على ضرورة تطوي  برامج إعداد المعلم في كافة الدول العربية ، وذلك للإرتقاء بمهنة التعليم ورفع مستواها المهني والاجتماعي في نظر المجتمع ، واحتلالها المكانة الجديرة بها بالقدر الذي ينعكس على الإقبال على هذه المهنة . ويؤثر ذلك بالإيجاب على إحساس المعلم وإكسابه الثقة بالنفس وإمكانية أن يتبوأ مركزه الاجتماعي المرموق المتناسب مع طبيعة دوره في صنع الحياة ، وهذا بلا شك مما ينعكس على حسن ادائه المهني .

وفي السياق ذاته ، نؤكد على ضرورة وجود إستراتيجية لتطوير إعداد المعلم ، وهذا يتطلب التعرف على الوضع الراهن للتعليم العربي بكل عناصره ، ومن بينها أوضاع المعلمين إعداداً وتدريباً ورعاية ، وتحديد شتى الطاقات والقوى المتاحة سواء المؤسسات أو الافراد ، والتعرف على الاوضاع العالمية في التعليم بصورة عامة .

ومن المهم أن نشير الى أهمية إعتماد خطة علمية لتعديل المناهج ، لأنها تعبر عن السياسة التي تسير على البلاد ، كما أنها إحدى الدائم الأساسية للتربية والتعليم ، ولا بد من إشراك  أكبر عدد ممكن من القطاعات التي يتألف منها المجتمع العربي ، ولكن ذلك لا يمكن أن يتم إلا من خلال تبني  سياسة يتفق فيها على المنطلقات الأساسية والمفاهيم التربوية ، ودون ذلك لا يمكن أن نصل الى برامج وطنية توحد  صورة الإنسان العربي .

ويمكن القول ، أن بعض المناهج الحالية في الدول العربية بعيدة عن حياة التلامذة ومشكلاتهم ، إذ انها تعتمد المادة والمقررات والمحتوى والمعارف أساساً لها بغض النظر عن علاقة هذه المواد بحاجات المتعلم والوطن .

وفي مطلق الأحوال ، إن المناهج المطلوبة هي التي تماشي العصر ، وتأخذ بعين الإعتبار المستجدات التربوية المتطورة ، ولا سيما في المجالين العلمي والتكنولوجي ، وتعزيز الإنتماء  والإنصهار الوطني ، والإنفتاح الثقافي .

ومن المهم أن ندرك أن التربية بمفهومها الحديث ، تطالب بإزالة الحواجز بين المدرسة والمجتمع لتساعد التلميذ على إعداد شخصيته للحياة بمرافقها المختلفة ، عن طريق البرامج المنظمة المرتبطة بالحياة بواسطة الوسائل الحياتية ذاتها ، والمدرسة يجب ألا تقتصر مهمتها على تربية الناشئة ، بل تمتد خدماتها من ميادين التربية البحتة الى ان تكون أيضاً مؤسسة إجتماعية ، ومركزاً لتعليم الكبار في شتى المجالات الإجتماعية والثقافية والصحية والوطنية والقومية ، وبذلك تصبح المدرسة في الدول العربية أداة لدى المجتمع ومركزاً لإعداد قادته وأبنائه .