حقوق الطفل وحماية الطفولة من الانحراف

د. أماني فارس أبو مرّة

الطفولة هي الأرضية الخصبة لمستقبل كل أمة، لذلك لا بدّ من تركيز الاهتمام عليها، والسعي إلى الحفاظ على حقوقها، بل من الواجب علينا الحفاظ عليها وصونها لأنّه في صونها وحمايتها صون للأمم وللمبادئ وللحياة، ولأنّه وكما أشار فؤاد البهي السيد المتخصص في علم النفس ، في كتابه (الأسس النفسية للنمو من الطفولة إلى الشيخوخة) أنّ "الدعائم الجوهرية لحياة الإنسان تقوم على خواص الطفولة المبكرة".

إن الحديث عن حقوق الطفل هو الحديث عن حقوق الإنسان بشكل عام لما له من صلة وثيقة ببناء الإنسان وشخصيته. وتكمن أهميته في الكثير من الجوانب، أولها أن حقوق الطفل ليست واضحة تماما عند الكثير من الناس، ولأهمية بناء أجيال متسلّحة بالعلم والأخلاق، ولقلة الاهتمام بهذا الموضوع الذي يخصّ فلذّات الأكباد وحياتهم وعيشهم، كما تكمن أهميته أيضًا  في ظل الظروف الراهنة التي همّشت الطفولة، وسلبت حقوق الطفل في كثير من البلدان، حتى سلبته أبسط حقوقه في العيش سواء قبل ولادته أو بعدها، وفي ظلّ ما يشهده واقعنا المعاصر من انتهاك لحقوق الطفل على مختلف الأصعدة.

إذا أردنا الاطلاع على حقوق الطفل من منظور عالمي نجد أن ّ اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة قد نصّت على الكثير من الحقوق التي تساهم في العيش الحر والكريم للأطفال ومن هذه الحقوق أنّ لكلّ طفل الحق في أن تكون له هوية خاصة به، سجل رسمي يبين مَن هُم ويتضمن أسمائهم وجنسياتهم وعائلتهم ولا يجوز لأي أحد أن يحرم الأطفال من هويتهم، وإذا حُرموا منها يجب على الحكومات مساعدتهم كي يستعيدوها بسرعة.

كما ويحق للأطفال التعبير عن آرائهم ومشاعرهم بحرية بخصوص القضايا التي تؤثر عليهم. وينبغي على البالغين الاستماع إليهم، والتعامل مع آرائهم بجدية، وعلى الحكومات أن تحمي الأطفال من كل أشكال الاستغلال (كالاستغلال الجنسي) وحمايتهم من العنف والاختطاف والبيع ونقلهم إلى بلدان أخرى لاستغلالهم، ولهم الحق أيضًا في استخدام لغتهم وثقافتهم وممارسة دينهم، حتى لو كانت مختلفة عن أغلبية الناس في البلد الذي يعيشون فيه.

ومن أهم حقوقه الحصول على التعليم وعلى الأكل والملابس وعلى الرعاية الصحية والمأوى وحماية الأطفال اللاجئين والأطفال ذوي الإعاقات الخاصة، حتى الأطفال الذين يتم تبنّيهم وهذا واجب على كافة الجهات المعنية بحقوق الطفل، والأهم تطبيق هذه الحقوق على أرض الواقع، وشرحها وتعريف الكبار والصغار على بنودها بغية أن يعرف الجميع حقوق الأطفال.

ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ هناك بعض التحفظات من قبل بعض الدول العربية على مواد وردت في اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل نذكر منها حرية العقيدة، ويكمن السبب في أن المادة تتعارض مع الدين الإسلامي. ومن هذه الدول (العراق، سوريا، الأردن، الجزائر، الإمارات، عمان).

وفي موضوع الحق في الجنسية، أبدت الامارات والكويت تحفظهما على هذه المادة، والسبب أن في الدولتين من أهالي البادية ما يطلق عليهم اسم (البدون) ترفض حكومة البلدين إعطائهم الجنسية.

ومن جانب آخر، تناولت الديانات السماوية حقوق الطفل، وسعت إلى ترسخيها، فاهتم الإسلام بحقوق الطفل قبل ولادته وبعد ولادته، كما حثّت الشريعة الإسلامية على الاهتمام به  وتكريمه، والأمثلة على اهتمام الإسلام بالطفل وحقوقه كثيرة نذكر منها قوله تعالى في حق الطفل في النفقة: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) فيجب على الأب الإنفاق على الأطفال؛ وذلك لأنه كان السبب في ولادتهم، ونذكر قولًا  للرسول الكريم (ص) يدل على عدل الوالدين في التربية، وهو (بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدّث أصحابه إذا جاء صبي حتى انتهى إلى أبيه في ناحية القوم، فمسح رأسه وأقعده على فخذه اليمنى، قال فلبثتُ قليلا، فجاءت ابنة لنفس الرجل حتى انتهت إليه فمسح رأسها وأقعدها في الأرض، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهلا على فخذك الأخرى؟ فحملها على فخذه الأخرى، فقال صلى الله عليه وسلم الآن عدَلت).

وهناك دول تحت ذريعة حماية الطفل وحقوقه تقوم بترسيخ أفكارها وقوانينها لأهداف مناقضة تمامًا لحقوق الطفل، على سبيل المثال ما حدث  في السويد حيث تقوم (السوسيال) وهي مؤسسة سويدية راسخة  في السويد بسحب الأطفال من عوائلهم في حال ثبت أنه يتم ضربهم ومعاملتهم معاملة سيئة، حيث بلغ عدد حالات سحب الأطفال من أسرهم خلال عام 2019 في جميع السويد 7900 حالة، منها 4800 حالة لأطفال من أصول سويدية، و3100 حالة لأطفال من أصول مهاجرة.

وهذه الخطوة التي تلجأ إليها (السوسيال) بهدف حماية الطفل وحقوقه تسبب انحرافاً لدى بعض الأطفال عند بلوغهم مرحلة الشباب، كما أنّه من الممكن أن يفقدوا حقهم في العيش، كقصة الفتاة التي قتلتها زميلتها في مركز لرعاية (السوسيال) في ترولهتان وأسمها (دنيا فيصل حسن) صومالية الجنسية، والتي لم تعرف عائلتها حتى سبب سحبها منهم! ثم انتهى بها الأمر إلى انطفاء حياتها!

وصرّح أوفه سفيدين، الذي الّف كتابًا في عام 2013 يحمل عنوان: «الإتجار المربح بالبشر في البلديات» وهو كان نائبًا في البرلمان السويدي عن حزب الوسط، ويحمل شهادة الماجستير في هندسة الطيران، وشهادة الدكتوراه في العلوم الإجتماعية من جامعة لينشوبينغ جنوب السويد، وعملَ سابقًا كمسؤول عن قسم توقعات الطاقة في شركة فولفو، والرئيس التنفيذي لمجموعة المصالح الإقتصادية الأوروبية، ورئيسًا للمكتب الدولي للسلام.

يقول سفيدين في الصفحة السابعة من كتابه: «بدعم من المحاكم الإدارية، تسمح مصلحة الخدمات الإجتماعية لخدمة النقل البوليسية باختطاف الأطفال مباشرة من المدرسة، وبدون علم الوالدين، ويوضعون في منزل تحقيق أو منزل رعاية بعيدًا عن منزل الطفل.. ومع الضمير الواسع للوالدين بالتبني، ودون إذن الوالدين البيولوجيين، يمكن فيما بعد استخدام الطفل المختطف كعامل غير مدفوع الأجر في مزرعة، أو يتم تبنيه بعيدًا، أو يتم بيعه لمدمني الجنس، أو لمشتهي الأطفال من الأثرياء، أو يتم استخدامهم كأرانب تجارب في صناعة المستحضرات الصيدلانية. الأطفال التوائم هم أكثر جاذبية وربحية لهم».

ولا بد من القول أنّه لكل أمة قيمًا ومبادئًا تختلف عن غيرها من الأمم فيجب احترامها وعدم تجاوزها بحجة حقوق الطفل، فكما يُقال تنتهي حريتي عندما تبدأ حرية الآخرين، فلا يحق لأي دولة أن تقرّ قوانينًا تناسب مجتمعاتها وتدسّها او تفرضها في مجتمعات أمم أخرى لا تناسبها ولا تتقبلها وتتعارض مع دينها و طبيعة حياتها بذريعة حماية الطفل وحقوقه، كما ومن الضروري أن يكون أحد أهم المبادئ الأساسية عند اتخاذ أي قرار  جعل مصلحة الطفل دائمًا أولوية لما فيها من تأثير على نفسيته وحياته.