أين يسكن الإمام المهديّ المنتظر(عجل الله تعالى فرجه الشريف؟

اعداد: عبد الرحمن اللامي
 
من الأسئلة الكثيرة التي تُثار حول الإمام الثاني عشر المهديّ المنتظر (عجّل الله فرجه): أين محلّ سكناه؟ وما علاقة السرداب ـ الذي يردّد الكثير من إخواننا السنّة ـ بمحلّ ولادته وسكناه؟ وهل أنّ ما ورد من أسماء الأماكن في دعاء الندبة (.. بَلْ اَيُّ اَرْض تُقِلُّكَ اَوْ ثَرى، اَبِرَضْوى اَوْ غَيْرِها اَمْ ذي طُوى..) علاقة بمحلّ سكناه.
كلّ هذا وغيره نضعه بين يدي علَمَيْن جليليْن من أفاضل علمائنا الكرام لكي يفصّلا القول ويخرجا بالنتيجة:
إذ يقول آية الله السيد علي الحسيني الميلاني في كتابه (اعرف الحقّ تعرف أهله):
أين يعيش؟ 
وهذا من جملة الأسئلة في قضيّة الإمام وغيبته.
ولكنْ، أين يعيش الخضر؟ وأين يعيش غير الخضر مَن يعتقد المسلمون ببقائه في هذا العالم بحسب الروايات؟
وقد ورد في بعض كتبنا أن للإمام عليه السلام مكاناً يسمّى بالجزيرة الخضراء، وظاهر كلام جماعة من أكابر علمائنا التصديق بالخبر، واللّه العالم.
وأمّا ما يهرّج به ابن تيميّة في كلامه من أنّا نعتقد بكون الامام عليه اسلام غائباً في السّرداب بمدينة سامرّاء... وكذا ابن خلدون المغربي إذ يقول:
«يزعمون أنّ الثاني عشر من أئمتهم ـ وهو محمّد بن الحسن العسكري ويلقبونه بالمهدي ـ دخل في سرداب بدارهم بالحلّة وتغيّب حين اعتقل مع أمّه وغاب هناك، وهو يخرج آخر الزمان فيملأ الأرض عدلاً، يشيرون بذلك إلى الحديث الواقع في كتاب الترمذي في المهدي، وهم إلى الآن ينتظرونه ويسمونه المنتظر لذلك، ويقفون في كلّ ليلة بعد صلاة المغرب بباب هذا السرداب وقد قدموا مركباً فيهتفون باسمه ويدعونه للخروج حتى تشتبك النجوم ثم ينفضون ويرجئون الأمر إلى الليلة الآتية، وهم على ذلك لهذا العهد...»(مقدمة ابن خلدون: 352).
فمن الأكاذيب والافتراءات على هذه الطائفة المظلومة، حتى لقد نظم بعض النواصب في الموضوع قصيدةً استهلّها بقوله:
أما آن للسرداب أن يلد الذي... .
وليتهم ذكروا حديثاً أو قولاً لأحد علماء الطائفة يؤيّدون به شيئاً من تلك المزاعم والتهم!
لكنّ أعلام الطائفة ـ قديماً وحديثاً ـ ينفون تلك النسب النفي القاطع، وإليك بعض كلماتهم:
قال الشيخ الإربلي: «والذين يقولون بوجوده، لا يقولون إنه في سرداب، بل يقولون إنه موجود يحلّ ويرتحل ويطوف في الأرض...»(كشف الغمة في معرفة الأئمة 3 / 283).
وقال الشيخ النوري الطبرسي: «نحن كلّما راجعنا وتفحّصنا، لم نجد لما ذكروه أثراً، بل ليس في الأحاديث ذكر للسرداب أصلاً»(كشف الأستار عن وجه الامام الغائب عن الأبصار: 212).
وقال السيّد الصّدر: «وأما بعض ما يقوله في هذا الباب بعض عوام الشيعة ونسبه إلينا كثير من خواص أهل السنة، فلا أعرف له مدركاً ولم أجد له مستنداً»(المهدي: 155).
وقال الشيخ الأميني:
«وفرية السرداب أشنع وإن سبقه إليها غيره من مؤلفي أهل السنة لكنه زاد في الطمور نغمات، بضم الحمير إلى الخيول وادعائه اطراد العادة في كلّ ليلة واتصالها منذ أكثر من ألف عام. والشيعة لا ترى أن غيبة الامام في السرداب ولا هم غيبوه فيه ولا أنه يظهر منه، وإنما اعتقادهم المدعوم بأحاديثهم أنه يظهر بمكة المعظمة تجاه البيت، ولم يقل أحد في السرداب: إنه مغيب ذلك النور، وإنما هو سرداب دار الأئمة بسامراء، وإن من المطرد إيجاد السراديب في الدور وقاية من قايظ الحرّ، وإنما اكتسب هذا السرداب بخصوصه الشرف الباذخ لانتسابه إلى أئمة الدين وأنه كان مبوأً لثلاثة منهم كبقية مساكن هذه الدار المباركة، وهذا هو الشأن في بيوت الأئمة عليهم السلام ومشرفهم النبي الأعظم في أي حاضرة كانت، فقد أذن اللّه أن ترفع ويذكر فيها اسمه.
وليت هؤلاء المتقوّلين في أمر السرداب اتفقوا على رأي واحد في الاُكذوبة حتى لا تلوح عليها لوائح الافتعال فتفضحهم، فلا يقول ابن بطوطة في رحلته 2 ص 198: إن هذا السرداب المنوّه به في الحلة، ولا يقول القرماني في أخبار الدول: إنه في بغداد، ولا يقول الآخرون: إنه بسامراء. ويأتي القصيمي من بعدهم فلا يدري أين هو، ليطلق لفظ السرداب ليستر سوأته... فعلم أنه لا دليل لما ذكر السويدي وغيره، ولا مستند لهم في هذه النسبة لا في حديث من الأحاديث، ولا في كلام لواحد من العلماء، وناهيك بهؤلاء النافين أئمة نياقد، وأعلاماً محيطين بالأخبار والآثار»(الغدير في الكتاب والسنّة والأدب 3 / 308).
قلت:
بل الأمر بالعكس، فقد أرسل كثير من علماء أهل السنّة هذا الأمر إرسال المسلّم كقاضي القضاة ابن خلّكان(وفيات الأعيان 1 / 372) والحافظ الكنجي، وجعل يدافع عن ذلك ويؤكّده ببعض الشواهد(البيان في أخبار صاحب الزمان).
هذا، ولا ينافي ما تقدّم عن علمائنا احترامنا للسّرداب الموجود بمدينة سامراء بجوار مرقد الإمامين العسكريّين، فهو بقعة متبرّكة يقصدها المؤمنون لكونه مسكن أهل البيت الطاهرين عليهم السلام.
 
ويقول الشيخ محمد جواد الطبسي في كتابه (الإمام المهدي المصلح العالمي المنتظر):
سكن الإمام عليه ‌السلام من حين وُلد إلى اليوم وحين الظهور في أماكن خاصّة، وإليك ما وصل إلينا حول سكنه بحسب الفترات الزمنيّة التي عاش فيها:
١ـ الفترة التي قبل غيبته:
لا شكّ أنّ الحجّة القائم المهدي (عليه ‌السلام) وُلد في مدينة سامراء، ولقد بقي هناك إلى يوم استشهاد والده الكريم الإمام الحسن العسكري عليه ‌السلام. وقد رأته حكيمة عمّة الإمام العسكري في نفس الدار التي وُلد فيها، ورآه أحمد بن إسحاق (بشارة الإسلام: ١٦٧) وغيره (كتاب الغيبة: ١٦٥) هناك، ورآه أيضاً أبو الأديان وجعفر الكذّاب في نفس الدار بعد استشهاد الإمام العسكري عليه ‌السلام، حيث صلّى على والده الكريم.
وإنّ طلب الإمام عليه ‌السلام من والدته المعروفة بالجدّة أن تذهب به إلى المدينة بسنة قبل وفاته عليه ‌السلام.
٢ـ فترة الغيبة الصغرى:
لم نعثر في رواياتنا على سكن معروف بعينه للإمام المهدي (عجّل الله فرجه) في هذه الفترة، أي الغيبة الصغرى، التي استمرّت حوالي ٧٤ سنة، رغم وجود بيت والده الكريم الإمام العسكري عليه ‌السلام في سامراء.
فالإمام المهدي وإن شوهد في الدار ولكن لم يدلّ أي دليل على أنّه كان ساكناً بها. روى الشيخ الطوسي عن جماعة، عن جعفر بن محمّد بن قولويه وغيره، عن محمّد بن يعقوب الكليني، عن عليّ بن قيس، عن بعض جلاوزة السواد، قال: (شهدت نسيماً آنفاً بسرّ مَن رأى وقد كسر باب الدار، فخرج إليه وبيده طبرزين، فقال: ما تصنع في داري؟ قال نسيم: إنّ جعفراً زعم أنّ أباك مضى ولا ولد له، فإن كانت دارك فقد انصرفت عنك، فخرج عن الدار) (كتاب الغيبة: ١٦١). 
ويبدو أنّه كان يسكن في العراق وإن لم يثبت ذلك أيضاً: لأنّ نوّابه الأربعة كانوا على اتّصال دائم معه، وحيث أنّهم كانوا يسكنون في العراق، وعلى الخصوص مدينة بغداد، ومن استلامهم لرسائل النّاس وحملها إلى الإمام، والحصول على أجوبتها يمكن الحدس بأنّ سكنه كان في مكان بحيث يسهل على نوّابه اللقاء به، فلهذا كان مكانه معروفاً لدى النوّاب الأربعة فقط لا غير.
فعن إسحاق بن عمّار، قال: (سمعت أبا عبدالله جعفر بن محمّد عليهما‌ السلام يقول: للقائم غيبتان، احداهما طويلة والأخرى قصيرة، فالأولى يعلم بمكانه فيها خاصّة من شيعته، والأخرى لا يعلم بمكانه فيها إلّا خاصّة مواليه في دينه) (بحار الأنوار: ٥٢ / ١٥٥).
٣ ـ فترة الغيبة الكبرى:
وأمّا سكن الإمام (عجّل الله فرجه) في فترة الغيبة فغير معلوم أيضاً؛ لأنّ الاهتداء إلى مكانه ينافي الغيبة، وقد قال الإمام الصادق عليه ‌السلام في الحديث المتقدّم: «للقائم غيبتان.. ».
وأشار الإمام المهدي إلى علّة خفاء سكناه لإبراهيم بن مهزيار في لقاء كان معه: (إنّ أبي عهد إليَّ أن لا اُوطّن من الأرض إلّا أخفاها وأقصاها، إسراراً لأمري، وتحصيناً لمحلّي، لمكائد أهل الضلال والمَرَدَة من أحداث الاُمم الضوالّ، فنبذني إلى عالية الرمال، وجُبْتُ صرائم الأرض) (كمال الدين: ٢ / ٤٤٥).
فالإمام عليه ‌السلام وإن كان سكناه على هذه الكرة الأرضيّة، ولكن لا يعرف أحد مكانه ولا يهتدي إليها إلّا الذي يلي خدمته، كما يقول الإمام الصادق عليه ‌السلام أنّه: «.. لا يطلع على موضعه أحد من ولده ولا غيره إلّا المولى الذي يلي أمره» (بحار الأنوار: ٥٢ / ١٥٣).
نعم، اُشير في بعض الروايات المرويّة عن الباقر والصادق إلى بعض الأمكنة داخل المدينة وخارجها، كطيبة أو جبل رضوى أو جبل طوى وغير ذلك، ولكن لم يثبت ذلك فهي كما يلي: 
أـ طيبة (المدينة المنوّرة):
روي عن الباقر عليه ‌السلام أنه قال لأبي بصير: «لا بدّ لصاحب هذا الأمر من عزلة، ولا بدّ في عزلته من قوّة، وما بثلاثين من وحشة، ونِعم المنزل طيبة» (بحار الأنوار: ٥٢ / ١٥٣).
ويستفاد من هذا الحديث أنّ الإمام المهدي يتواجد في أغلب الأوقات في المدينة المنّورة، لكن في أيّ نقطة فهو غير معلوم أبداً، فمن الممكن أنّه يدور في البلدان ومن جملتها طيبة من دون اختيار مكان ثابت له لئلا يهتدوا إلى مكانه.
ب ـ جبل رضوى:
وقيل: إنّه يسكن في رضوى، وهو جبل مطلّ على الروحاء (بين مكّة والمدينة على نحو أربعين ميلاً من المدينة)، كما أشار إليه الإمام الصادق عليه ‌السلام، فعن عبدالأعلى مولى آل سام، قال: «خرجت مع أبي عبدالله عليه ‌السلام، فلمّا نزل الروحاء نظر إلى جبلها مطلّاً عليها، فقال لي: ترى هذا الجبل؟ هذا جبل يدعى رضوى من جبال فارس أحبّنا فنقله الله إلينا، أما إنّ فيه كلّ شجر مطعم، ونعم أمانَ للخائف (مرّتين) أما إنّ لصاحب هذا الأمر فيه غيبتين واحدة قصيرة، والاُخرى طويلة» (كتاب الغيبة: ١٠٣).
ج ـ ذي طوى:
وقيل أيضاً: يسكن المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه) أيّام غيبته في ذي طوى، وهذا ممّا أشار إليه الباقر عليه ‌السلام، وقال: «يكون لصاحب هذا الأمر غيبة في بعض هذه الشعاب، ثمّ أومأ بيده إلى ناحية ذي طوى حتّى إذا كان قبل خروجه بليلتين انتهي المولى الذي يكون بين يديه حتّى يلقى بعض أصحابه، فيقول: كم أنتم هاهنا؟ فيقولون: نحو من أربعين رجلاً. فيقول: كيف أنتم لو قد رأيتم صاحبكم. فيقولون: والله لو يأوي بنا الجبال لأويناها معه...» (تفسير العيّاشي: ٢ / ٥٦).
د ـ الجزيرة الخضراء:
واعتقد البعض بأنّ سكنى الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) في جزيرة تسمّى الخضراء، وهذا القول والاعتقاد لم يرجع إلى أصل روائي، وإنّما دخل في كتبنا من القرن الثاني عشر في بعض كتب العلّامة المجلسي (رحمه ‌الله)، حيث نقل قصّة طويلة عن دخول رجل يسمّى بعليّ بن فاضل المازندراني إلى هذه الجزيرة، وما جرى له فيها. (بحار الأنوار: ٥٢ / ١٥٩).
فاعتقد البعض ـ اعتماداً علي هذه القضيّة المشكوكة ـ بأنّ سكنى الإمام المهدي في هذه الجزيرة، وجزم بعضهم على أنّ مثلث برمودا هو المكان الذي يسكن فيه الإمام المهدي، حيث طبّقوا الجزيرة على هذا المثلث من دون أي دليل وبرهان.
واستدلّ أحدهم على ما يعتقده بأنّه ما استطاعت الدول العظمى الوصول إلى هذا المكان رغم محاولاتهم في الوصول إليه وذهبت أتعابهم أدراج الرياح (الجزيرة الخضراء واقع أم خيال: نقلاً عن ناجي النجّار).
ولكن كما عرفت أنّ هذه النظريّة غير صحيحة؛ لأنّه ـ كما قلنا سابقاً ـ لا يعرف أحد سكن الإمام، ولا التقى به عليّ بن فاضل في هذا المكان حتّى يستنتج أحدهم بأن هذا المكان هو سكن الإمام عليه ‌السلام.
وثانياً: أنّ أصل القصّة مشكوكة وليس لها أصل معتبر بسبب التناقضات الموجودة فيها، فكيف تصل النوبة إلى تطبيق هذه الجزيرة على مثلث برموداً.
وثالثاً: فلو كان ملاك السكنى عند هؤلاء هو اللقاء والمشاهدة لزم عليهم أن يعينّوا مئات الدور في عشرات من الأمكنة والبقاع في شرق الأرض وغربها للإمام عليه ‌السلام، حيث رآه كثير من النّاس في هذه الفترة في أماكن مختلفة، ولا أراهم يلتزمون بهذا المعنى.
أمكان الحضور مع الاستتار:
ومع ذلك فيحضر الإمام المهدي عليه ‌السلام في كثير من الأماكن، كما عن الصادق عليه ‌السلام حيث شبّه القائم عليه ‌السلام بيوسف عليه ‌السلام فقال في حديث له: (فما تنكر هذه الاُمّة أن يكون الله يفعل بحجّته ما فعل بيوسف أن يكون صاحبكم المظلوم المجحود حقّه، صاحب هذا الأمر يتردّد بينهم ويمشي في أسواقهم ويطأ فرشهم، ولا يعرفونه حتّى يأذن الله له أن يعرّفهم نفسه، كما أذن ليوسف حتّى قال له إخوته: إنّك لأنت يوسف، قال: أنا يوسف) (الغيبة: ١٦٣).
ويحضر (عجّل الله فرجه) موسم الحجّ في كلّ سنة، قال الصادق عليه ‌السلام: «يفقد النّاس إمامهم فيشهدهم الموسم فيراهم ولا يرونه» (بحار الأنوار: ٥٢ / ١٥١).
فتلخّص ممّا تقدّم: أنّ الإمام المهدي يتواجد في كلّ مكان من دون أن يهتدي أحد لمكانه وسكناه في فترة الغيبة الكبرى.
٤ـ فترة الظهور:
أمّا في زمن الظهور سيقيم في مسجد بالقرب من الكوفة يسمّى بمسجد السهلة، وهذا هو المسجد الذي صلّى فيه عشرات الآلاف من الأنبياء.
فعن أبي بصير، عن أبي عبدالله الصادق (عليهِ السّلام) أنّه قال: «يا أبا محمّد، كأنّي أرى نزول القائم في السهلة بأهله وعياله. قلت: يكون منزله؟ قال: نعم، هو منزل إدريس عليه ‌السلام، وما بعث الله نبيّاً إلّا وقد صلّى فيه، والمقيم فيه كالمقيم في فسطاط رسول الله صلى‌الله‌عليه‌ وآله، وما من مؤمن ولا مؤمنة إلّا وقلبه يحنّ إليه، وما من يوم ولا ليلة إلّا والملائكة يأوون إلى هذا المسجد، يعبدون الله فيه.
يا أبا محمّد، أما إنّي لو كنت بالقرب منكم ما صلّيت صلاة إلّا فيه، ثمّ إذا قام قائمنا انتقم الله لرسوله ولنا أجمعين» (بحار الأنوار: ٥٢ / ٣١٧).