شواهدُ أمر يزيد بقــتل الامام الحـسين (عليه السلام)

 

من كتاب فاجعة الطف أبعادها. ثمراتها. توقيتها

تأليف: السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم(قدس)

من الطبيعي جدا ان يكون يزيد قد اوعز لابن زياد بقتل الامام الحسين (عليه السلام) بعد ان امتنع عن بيعته، واستجاب لطلب شيعته في الكوفة أن يأتيها، ليكون هو الخليفة والامام عليهم.

بل لا يشك المنصف في ان مثل هذه الجريمة الكبرى لا يمكن ان يقدم عليها ابن زياد لو لم يكن من ورائه يزيد دافعا له وداعما لموقفه.

ولا سيما ان ابن زياد قد سبق له قتل سفير الحسين الى الكوفة مسلم بن عقيل وهاني بن عروة (عليهما السلام)، وارسل رأسيهما الى يزيد.وكان ذلك فاتحة الرد على موقف الامام الحسين (عليه السلام) من يزيد الذي انتدب له ابن زياد، فلو لم يكن من رأي يزيد قتل الحسين(عليه السلام) لكان عليه إلفات نظر ابن زياد وتحذيره من الاندفاع بالاتجاه المذكور.

على انه قد روى غير واحد أن يزيد كتب الى ابن زياد يأمره بقتل الامام الحسين (عليه السلام) كما يأتي من الاعتراف بتحمّله تبعة قتله(عليه السلام).

وعن ابن زياد في الاعتذار عن قتل الامام الحسين (عليه السلام) أنه قال:" أمّا قتلي الحسين فإنه أشار عليّ يزيد بقتله أو قتلي، فاخترت قتله".

وهو المناسب لأمور:

الأول: حنق يزيد على الامام الحسين (صلوات الله عليه) من أيام معاوية لانه منع تزويجه بنت عبد الله بن جعفر ورفض بيعته في أيام معاوية حيث ردّ على معاوية فيمن ردّ عليه.

وكان يزيد يضيق من مداراة معاوية للإمام الحسين (عليه السلام) في  بعض المناسبات ويحمله على مجابهته وردعه، ولا يستجيب له معاوية في ذلك.

الثاني: أن يزيد كتب للوليد بن عتبة والي المدينة كتابا يخبره فيه بموت معاوية ويأمره بأخذ البيعة من الناس وقد أرفقه بكتاب صغير كأنّه أذن فأرة وفيه: " أما بعد فخذ الحسين وعبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن ابي بكر وعبد الله بن الزبير بالبيعة أخذا عنيفا ليست فيه رخصة فمن أبى عليك منهم فاضرب عنقه وابعث إلي برأسه..".

نعم ذكر بعضهم الكتاب هكذا:" أما بعد فخذ  حسينا وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير بالبيعة أخذا شديدا ليست فيه رخصة" ولو تم فهو وإن لم يصرح فيه بالقتل الا انه راجع اليه والا فكيف يكون الأخذ الشديد من عامل يزيد في مثل هذا الامر الحساس الذي يتوقف عليه استقرار حكمه وإحكام سلطانه؟!

وقد سبق نظيره ممن هم اكثر منه تعقلا من يزيد وأبعد نظرا منه. ففي أحداث السقيفة هُدد أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) بالقتل وقريب من ذلك كان الموقف من سعد بن عبادة وأخيرا قُتل. وفي أحداث الشورى أمر عمر بقتل من يخالف حكمها وهُدد أمير المؤمنين عليه السلام عند بيعة عثمان بذلك.

وروي انه لما أراد معاوية البيعة ليزيد بولاية العهد وامتنع هؤلاء النفر جمعهم في مكة وبعد ان سمع منهم ما لم يعجبه قال لهم: فإني قد أحببت ان أتقدم اليكم إنه قد أعذر من أنذر اني كنت أخطب فيكم فيقوم إلي القائم منكم فيكذّبني على رؤوس الناس فأحمل ذلك وأصفح وإني قائم بمقالة فاقسم بالله لئن ردّ أحدكم كلمة في مقامي هذا لا ترجع إليه كلمة غيرها حتى يسبقها السيف الى رأسه فلا يبقيّن رجل إلا على نفسه.

ثم جمع صاحب حرسه بحضرتهم فقال: أقم على رأس كل رجل من هؤلاء رجلين ومع كل واحد سيف فان ذهب رجل منهم يرد على كلمة بتصديق او تكذيب فليضرباه بسيفهما.

ثم خرج وخرجوا معه حتى رقى المنبر ... فقال: إن هؤلاء الرهط سادة المسلمين وخيارهم ، لا يُبتُّ أمر دونهم، ولا يقضى الا عن مشورتهم وانهم قد رضوا وبايعوا ليزيد فبايعوا على اسم الله.فبايع الناس وكانوا يتربصون بيعة هؤلاء النفر ثم ركب رواحله وانصرف الى المدينة فلقي الناس اولئك النفر فقالوا لهم زعمتم انكم لا تبايعون فلم أُرضيتم وأعطيتم وبايعتم ؟ قالوا: والله ما فعلنا فقالوا ما منعكم ان تردّوا على الرجل ؟ قالوا: كادنا وخفنا القتل.

كما ان ذلك هو المناسب لطلب مروان من الوليد بن عتبة ان يقتل الامام الحسين عليه السلام ان لم يبايع وتأنيبه على ترك قتله، ولعزل يزيد الوليد بن عتبة عن المدينة في شهر رمضان بعد خروج الامام الحسين عليه السلام بقليل بل صرّح في بعض المصادر ان سبب عزله امتناعه من تنفيذ امر يزيد بارغام الامام الحسين عليه السلام على البيعة.

ولما ورد ابو هرم رأى الامام الحسين صلوات الله عليه وهو في طريقه الى كربلاء فقال له: يا ابن النبي ما الذي اخرجك من المدينة؟ فقال عليه السلام ويحك يا ابا هرم شتموا عرضي فصبرت وطلبوا مالي فصبرت وطلبوا دمي فهربت وأيم الله ليقتلنّني.....

الثالث: إن الامام الحسين صلوات الله عليه لما دخل مكة واجتمع الناس اليه بلغ يزيد ذلك فكتب الى ابن عباس : أما بعد فان ابن عمك حسينا وعدو الله بن الزبير التويا ببيعتي ولحقا بمكة مرصدين الفتن معرضين انفسهما للهلكة..." وكتب اسفل الكتاب أبياتا منها قوله:

إني لأعلم أو ظنّا كعالمـــــــــــــــــه      والظن يصدق احيانا فينتظم

ان سوف يترككم ما تدعون به       قتلى تهاداكم العقبان والرخم

الرابع: ما روي من ان يزيد دسّ مع الحاج ثلاثين رجلا من شياطين بني أمية وامرهم باغتيال الامام الحسين عليه السلام

ويناسب ذلك حديث الفرزدق الشاعر قال: حججت بامي فأنا أسوق بعيرها حين دخلت الحرم في ايام الحج وذلك سنة ستين إذ لقيت الحسين بن علي خارجا من مكة معه أسيافه وتراسه... فقلت: بأبي أنت وأمي يا ابن رسول الله ما أعجلك عن الحج؟ فقال: لو لم أعجل لأخذت..." وما سبق منه انه عليه السلام كان يعتذر عن خروجه بانه يخشى أن تهتك به حرمة الحرم.

الخامس: بقاء ابن زياد عاملا ليزيد حتى مات يزيد بل قال ابن اعثم: لما قتل الحسين استوسق العراقان جميعا لعبيد الله بن زياد وأوصله يزيد بألف ألف درهم جائزة .... ثم علا أمره وارتفع قدره....".

وقال المسعودي" وكان يزيد صاحب طرب وجوارح كلاب وقرود وفهود ومنادمة على الشراب وجلس ذات يوم على شرابه عن يمينه ابن زياد وذلك بعد قتل الحسين فاقبل على ساقيه وقال:

اسقني شربة تروي مشاشي     ثم مل فاسق مثلها ابن زياد

صاحب السر والأمانة عندي    ولتسديد مغنمي وجـــهادي

السادس: طيش يزيد وعنجهيته حتى فعل بالمدينة المنورة في واقعة الحرة وفي مكة المكرمة في قتله لابن الزبير ما فعل.

السابع: طلبه من ابن زياد إرسال العائلة الكريمة الى الشام فأرسلها بذلك الوضع المزري الذي أشارت الى بعض مآسيه العقيلة زينب الكبرى بقولها في خطبتها بمجلس يزيد : أمن العدل يا ابن الطلقاء تخديرك حرائرك وإماءك وسوقك بنات رسول الله سبايا، قد هتكت ستورهن وابديت وجوههن يحدى بهن من بلد الى بلد ويستشرفهن أهل المناهل والمناقل ويتصفح وجوههن القريب والبعيد والدني والشريف" ثم تزيين الشام لاستقبالهم وقد أقيموا على درج باب المسجد حيث يقام السبي وأدخلوا على يزيد مربّطين بالحبال.

الثامن: صلب رأس الامام الحسين عليه السلام على باب القصر في دمشق ثلاثة ايام ثم التشهير به وتسييره في البلدان.

التاسع: إظهار السرور والشماتة بقتل الامام الحسين عليه السلام وانشاده الابياتالسابقة وقوله: ان هذا وايانا كما قال الحصين بن الحمام:

أبى قومنا ان ينصفونا فأنصفت     قواضب في ايماننا تقطر الدما

يفلقن هاما من رجال أعزة     علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما

العاشر: رد العقيلة زينب الكبرى على يزيد في خطبتها المشار اليها آنفا وكتاب ابن عباس له المؤكد لاشتراكه في الجريمة... الى غير ذلك مما لا يبقى معه شك في يزيد بقتل الامام الحسين عليه السلام وسروره به بعد حصوله.