في رحاب الأسوة الزهرائية.. المرأة في ساحة الإصلاح والتغيير.. النماذج والأدوار
الباحثة: زينب عبد الرحيم
لا يمكن المرور على المناسبات المرتبطة بذكرى السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام ـ حيث عشنا ذكرى ولادتها قبل أيام ـ دون استنهاض الكثير من الأسئلة التي وإن تكررت في منطوقها إلا أن أجوبتها تتعدد مع التطورات الاجتماعية والثقافية، وفي مقدمتها السؤال عن أدوار المرأة والواجبات التي يمكن أن تنهض بها من أجل الإصلاح أو التغيير.
القفزات الواسعة التي شهدها عالمنا خلال العقود القليلة الماضية، تستوجب طرح مفاهيم ومواقف متجددة، ولا أدّعي أنني بهذه المقالة يمكنني تقديم أجوبة شافية، ولكنني أسعى إلى إثارة نقاط وتصورات من أجل أن تكون بمثابة محاور أمام الباحثين والمختصين لتطوير الإجابة عليها عبر الوسائل الاجتماعية والإعلامية.
ولعلّ هذه التطورات أعطت مساحة أكبر أمام المرأة من أجل تنويع وتوسيع أدوارها، على نحو شكّل بنظر العديد من الباحثين علامة مميزة تستحق التنظير والتأطير حول طبيعة مشاركة المرأة المسلمة في التحديات الراهنة إيجابا وسلبا.
ولا شكّ أن التاريخ سجّل صفحات كبيرة لحضور المرأة في مختلف الميادين وفي عهود مختلفة ـ وذلك منذ صدر الإسلام وحتى تاريخنا المعاصر ـ ما يدحض أي محاولة للترويج بأن الإسلام حدّ من أدوار المرأة وتأثيرها، ليس هذا فحسب، بل يؤكد العلماء والمفكرون المسلمون أهمية دور المرأة من جهة، وتشجيعها على تعزيزه وتبيين معالمه على هدى ورؤية بما يخدم بناء المجتمع.
وسنعرض في هذه المقالة مشاهد لحضور المرأة المسلمة وأدوارها كما سنحاول في مقالة تالية أن نطرق أهم وأبرز شؤون المرأة وهومها المعاصرة، ضمن رؤية تحليلية لمجمل هذه المحاور والعناوين.
1. الدور الاجتماعي والتربوي
ربما أن طرح الموضوع الاجتماعي والتربوي كأولوية يزعج الكثير من النساء، لان المرأة المعاصرة ترفض أن توضع في قالب البيت والاعمال المنزلية فقط، ولتوضيح ذلك نشير إلى ما يلي:
أولا: إن التحدي الاجتماعي والتربوي في عالمنا المعاصر هو التحدي الاول والأساس ـ حسب تقديرنا ـ فإذا كان ينظر في الماضي إلى السياسة أو الأجهزة الحكومية كمؤثر أبرز في المجتمع، فإن بعض المؤسسات أو وسائل التواصل الاجتماعي وما شابه صارت في تأثيرها الاجتماعي والتربوي أكبر من الحكومات، وإذا عجزت الجيوش وأجهزة المخابرات في الماضي عن اختراق حدود البلدان وخصوصياتها فإن وسائل التواصل عبرت بمرونة ونعومة هذه الحدود، وكأن الإجراءات الحكومية صارت عاجزة عن إيقاف تأثيرها، ومن هنا باتت التحديات الاجتماعية والتربوية التي تنعكس منها هي التحدي الأبرز في حياتنا الراهنة، وصار دور الأسرة التربوي والاجتماعي هو الدور الأهم على الإطلاق.
ثانيا: على ضوء النقطة الماضية فإن هذا الدور بات لا يقتصر على المرأة لوحدها، وإنما يحتاج إلى شراكة وثيقة مع الرجل وتوزيع وانسجام وتوزيع أدوار دقيق من أجل الوصول إلى النتائج والأهداف التي تتمثل في حماية الأسرة وبالتالي حماية المجتمع.
ثالثا: وفي ظل النقطتين السابقتين يمكننا تشخيص أن من أبرز المخاطر التي أصابت المجتمعات الآن تتمثل في التفكيك الأسري والذي بات رقما مهولا، فعلى سبيل المثال فإن نسب الطلاق في معظم المجتمعات أو جميعها شهدت ارتفاعات قياسية مرعبة، كما أن ظواهر التفكك والانشقاقات والجرائم الأسرية صارت أرقاما مخيفة.
كل هذه النقاط الآنفة تؤشر على الأهمية القصوى للدور الاجتماعي والتربوي، وكما أشرنا فإنه دور مشترك بين الرجل والمرأة، ولكن المرأة بطبيعتها لديها القدرة الأوفر من أجل تحقيق هذا الدور، بالطبع بعد تلقي الثقافة والأساليب الصحيحة لإدارته.
إن التشكيك بقدرة المرأة المسلمة في دخول ميادين العمل الاجتماعي أصبح بلا جدوى، بعدما استطاعت أن تعطي دورا متميزا، لا يوصف بأنه دور مساعد أو مساند، وإنما دور أساس، حيث لا يقتصر الدور التربوي على الأسرة، وإنما من خلال دور المرأة المعلّمة في المدرسة أو دورها في المؤسسات والمنظمات المعنية بالتربية والمجتمع.
أما الدور التربوي للمرأة داخل الأسرة، فإنه يشكل واحدا من أهم وأخطر الأدوار في بناء جيل ومجتمع قادر على مواصلة مسيرة التطور البشري والإصلاح الإنساني، ولعّل من الأخطاء الكبيرة والخطيرة هو التقليل من أهمية التربية واعتبار أن المرأة التي تتفرغ لتربية أطفالها هي امرأة غير منتجة، فيما تجمع الدراسات الحديثة على أن مسالة التربية هي من أصعب وأخطر التحديات التي يواجهها المجتمع، ومن الجهل الكبير اعتبارها مهمّة سهلة، فالتربية المنتجة والصحيحة لا تقتصر على اعداد الطعام والواجبات المنزلية وإن كانت هذه وسائل من أجل تحقيق ترابط الأسرة إذا استخدمتها المرأة بذكاء وحب، بل هي من القضايا التي تحتاج إلى إعداد كبير، والمرأة بما أودعها الله، تمتلك أفضل المؤهلات لقيادة هذه المهمة الاجتماعية العظيمة.
2. الدور الإعلامي والثقافي والإبداعي
اثبتت التجارب العملية قدرة بالغة للمرأة في الحضور الإعلامي والثقافي، كما لا يشكُّ بإمكانيتها في تقديم أنواع الفنون الإبداعية الجمالية، ولعلّ هذه القدرات لدى المرأة هي جزء من مَلَكاتها الشعورية والذوقية.
لا شكّ أن من الخطوات المهمّة نحو ارتقاء المرأة في مجال التغيير هو اكتسابها الخبرة والكفاءة العلمية والحصيلة الثقافية التي تمكّنها من أداء أدوارها، وهذا الدور يكمل ويترابط مع الدور الاجتماعي والتربوي بشكل وثيق.
3. الدور السياسي
لا تزال مسألة المشاركة السياسية للمرأة محور جدل لدى بعض القراءات الدينية، فيما حسم علماء المسلمين القضية في التأكيد على حق المرأة في المشاركة السياسية، بل اعتبروا أن هذه المشاركة هي واجب اجتماعي على المرأة، كما على الرجل، وذلك أن للمرأة خصائصها في هذا المجال.
كذلك فإن مسألة حق الترشيح والتصويت للمرأة في الانتخابات مرّت بالعديد من المراحل قبل أن تعتبر الآن حقّا مسلّما، ومن الطبيعي فإن المشاركة السياسية للمرأة المسلمة لا بدّ أن تفتح أمامها الطريق من أجل الوصول إلى السلطات، وأن تمارس دورا رقابيا في الساحة السياسية، وأن تساهم في بناء البلاد، وممارسة هذا الدور لا تتقاطع مع حفظ العفاف الإسلامي للمرأة، ولا تقلل من شأنها ورفعة منزلها.
4. الدور الوظيفي
لطالما كان محور العمل للمرأة من المحاور المثيرة للجدل، فبعض التيارات الفكرية المتشددة وصل بها الأمر إلى تحريم العمل على المرأة، فيما لا تزال الكثير من المجتمعات تنظر لهذه المسألة بعين الحذر، فيما أن المفاهيم الإسلامية صريحة في التأكيد على حق المرأة في ممارسة عملها ولكن ضمن الحدود التي لا تنتهك المصالح الأخرى، في محافظة المرأة على عفافها من أجل صيانة وسلامة المجتمع، كما أن على المرأة أن تشخص مدى الصلاح في العمل أو الوظيفة وأن لا تتقاطع مع سائر أدوارها وحسب الأهمية والقدرة وهو أمر يرجع تقديره للمرأة ذاتها، فمن المهم أن تسير حركة المجتمع في سياق متوازن بين الحقوق والواجبات، وهذا أمر تجب رعايته في جميع المجالات، وسواء للمرأة أو الرجل.