عهد الإمام الحسن (عليه السلام) ـ البيعة العامة

 

الفصل الثالث

الحلقة الأولى

عاد الإمام الحسن (عليه السلام) وأهل بيته (عليهم السلام) وأصحابه من تشييع أمير المؤمنين (عليه السلام) من قبره الطاهر، فخرج ابن عباس إلى الناس وقال: (إن أمير المؤمنين توفي، وقد ترك لكم خلفاً، فإن أحببتم خرج إليكم، وإن كرهتم فلا أحد على أحد) فبكى الناس وقالوا: بل يخرج إلينا.

فخرج الإمام الحسن (عليه السلام) وقد لبس ثوب السواد وصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: (لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأولون، ولا يدركه الآخرون، ولقد كان يجاهد مع رسول الله صلّى الله عليه وآله فيقيه بنفسه، ولقد كان يوجّهه برايته، فيكتنفه جبرائيل عن يمينه، وميكائيل عن يساره، فلا يرجع حتى يفتح الله عليه؛ ولقد توفي في الليلة التي قبض فيها موسى بن عمران (عليه السلام)، ورفع فيها عيسى بن مريم (عليه السلام)، وأنزل القرآن، وما خلف صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم من عطائه، أراد أن يبتاع بها خادماً لأهله). أيها الناس: من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن علي وأنا ابن النبي، وأنا بن الوصي، أنا ابن البشير، أنا ابن النذير، أنا ابن الداعي إلى الله عز وجل بإذنه، وأنا ابن السراج المنير... وأنا من أهل البيت الذي كان جبرائيل ينزل إلينا ويصعد من عندنا، وأنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وأنا من أهل البيت الذين افترض الله مودتهم على كل مسلم، فقال تبارك وتعالى لنبيّه: (قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) ، (وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا) فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت..).

بعد أن انتهى الإمام (عليه السلام) من خطبته، قام عبد الله بن العباس يستحث الناس لمبايعة الإمام الحسن (عليه السلام) وقال: معاشر الناس هذا ابن نبيكم ووصي إمامكم فبايعوه) وفي الناس إلى ذلك اليوم، كثير ممن سمع نص رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، على إمامته بعد أبيه.

فقالوا: ما أحبه إلينا وأوجب حقه علينا وأحقه بالخلافة فأقبل الناس واجتمعوا على الإمام (عليه السلام) يبايعونه بالخلافة ويسلمونه زمام أمورهم...

وكان ذلك يوم الواحد والعشرين من شهر رمضان، يوم وفاة أبيه (عليه السلام) سنة أربعين للهجرة.

وهكذا وفقت الكوفة لأن تضع الثقة الإسلامية في نصابها المفروض لها، من الله عز وجل ومن العدل الاجتماعي، وبايعته ـ معها ـ البصرة والمدائن وبايعه العراق كافة، وبايعه الحجاز واليمن على يد القائد العظيم (جارية بن قدامة)، وفارس على يد عاملها (زياد بن عبيد)، وبايعه ـ إلى ذلك ـ من بقى في هذه الآفاق من فضلاء المهاجرين والأنصار، فلم يكن لشاهد أن يختار ولا لغائب أن يرد، ولم يتخلف عن بيعته ـ فيما نعلم ـ إلا معاوية ومن إليه، واتبع بقومه غير سبيل المؤمنين، وجرى مع الحسن (عليه السلام) مجراه مع أبيه بالأمس. وتخلف أفراد آخرون عرفوا بعد ذلك بالقعّاد.

المصدر: كتاب (الإمام الحسن... القائد والأسوة) للشيخ حسين سليمان سليمان