سيرة خاتم الانبياء ــ التنشئة والتربية

 

وُلِدَ محمّد (صلى الله عليه وآله) وعاش طفولته الطاهرة برعاية جدّه عبدالمطّلب. وكانت عادة قريش، إذا وَلَدَ لهم مولود بحثوا عن مرضعة، فكان أوّل لبن تناوله من المرضعات بعد رضاع أُمّه هو لبن ثويبة مولاة (جارية مملوكة) عمّه أبي لهب، ثمّ راح جدّه يبحث عن المرضعات، ويجدّ في إرساله إلى البادية ليتربّى في أحضانها لينشأ فصيح اللِّسان، قويّ المِراس.

وكانت المرضعات كلّما سمعنَ أنّه يتيم أعرضنَ عن رضاعه، ولم يقبلْنَ به، فقد كنّ يرغبن في المال الوافر والعطاء. وشاء الله أن تكون المربية التي تحظى بشرف احتضانه ورعايته هي (حليمة بنت أبي ذؤيب السعدي) زوجة الحارث بن عبدالعُزّى بن رفاعة السعدي.

تسلّمه الحارث من جدِّه عبدالمطّلب، وسلّمه إلى حليمة السعدية لينشأ في حضنها، ويدرج بين أبنائها: عبدالله بن الحارث، وأنيسة بنت الحارث، وحذافة بنت الحارث التي عرفت باسم (الشيماء)، هذه الشيماء التي كانت تحنو على رسول الله (صلى الله عليه وآله) في طفولته وتحتضنه وتعتني به اعتناء المربِّية والحاضنة الرّؤوفة به.

وحين بلغ محمّد الرابعة (وقيل الخامسة أو السادسة) من عمره، عادت به حليمة إلى أُمّه وجدّه، صبياً لا كالصبيان، وناشئاً لا كالناشئة؛ فقد نشأ وعاش طفولته في كنف تلك المربية الحنون، ثمّ في رعاية أُمّه وجدّه.

عاش لا كما يعيش الصغار من أصحابه وأترابه، عاش ورعاية الله تحوطه، ولطف المربِّي يغمر جوانب حياته وهو يُعدُّ ويُربّى، إعداداً وتربية إلهية خاصّة، لذلك كان يقول (صلى الله عليه وآله): "أدّبني ربِّي فأحسنَ تَأديبي". 

لقد وُلِدَ ونشأ وشبّ مطهّراً مبرّأً من الذنوب والمعاصي وعادات الجاهلية وعقائدها وسلكوها، وعُرِفَ عنه النفور من الأوثان، والتأمّل في ملكوت السماوات والأرض، ثمّ الخَلْوَة والانفراد والتعبّد في مرحلة الشباب.

وهذا الصبيّ اليتيم، كانت حياته مليئة بالمعاناة والفقد والفراق، فحين أبصر نور مكّة لم يبصر أباه عبدالله، الذي توفِّي في سفره ولم يرجع، وحين غدا صبيّاً يمرح في ظلال أُمّه الحنون شاء الله سبحانه أن يعوِّضه عن حنان الأمومة، حنانه ورعايته الفريدة، عندما توفّيت آمنة وهو لم يتجاوز السادسة من عمره الشريف.

فَقَدَ أُمّه، عندما كان يصحبها في سفر إلى المدينة المنوّرة لزيارة أخواله بني عدي ابن النجار ليتعرّف عليهم، فقد مرضت وتوفيت في طريق العودة إلى مكّة في قرية تُدعى (الأبواء) بين مكّة والمدينة، فاحتضنته (أُمّ أيمن، بركة الحبشية) الخادمة التي صحبتهم في رحلة الوداع هذه، وداع أُمّه الحبيبة آمنة، وسلّمته إلى جدّه عبدالمطّلب، ليفيض عليه العناية والرعاية والكفالة الحسنة، ولم يفارقه حتى حال الموت بينهما، والنّبيّ لم يتجاوز الثامنة من عمره، فكفله عمّه أبو طالب الذي رافقه في صباه وشبابه، وفي دعوته ومحنته وصراعه من أجل الحقّ ونشر دعوة الإسلام، وتثبيت معالم الشريعة.

نما وترعرع محمّد (صلى الله عليه وآله) في بيت عمّه أبي طالب، حتّى كبر وبلغ الخامسة والعشرين من عمره المبارك فتزوّج خديجة.

وكانت فاطمة بنت أسد زوجة أبي طالب (أُمّ الإمام عليّ) تفيض عليه من حبِّها وحنانها ما عوّضه فقد أُمّه آمنة.

 وقد عبّر عن ذلك، يوم وفاتها، بقوله (صلى الله عليه وآله): "اليوم ماتت أمِّي، إنّها كانت أمِّي إن كانت لتُجيعُ صبيانَها وتُشْبِعُني، وتُشعِثُهُم وتُدهِنني، وكانت أُمِّي".

المصدر: كتاب محمد رسول الله / مؤسسة البلاغ