العزة الفردية

 

السيد منير الخباز

أن المؤمن الحقيقي ينبغي له أن يتحلى بصفة العزة، وإن عزة الفرد المؤمن لا تعدو عن مظاهر ثلاثة هي:

1/العزة الإيمانية .

2/العزة الفخرية .

3/العزة السلوكية.

 

المظهر الأول : العزة الإيمانية.

 و معناها أن لا تذل إيمانك أمام السلطان،  ولكن كيف يتسنى ذلك؟ خصوصا مع ما موجود من أشخاص يتعاملون مع السلاطين بلغة الانبطاح وديدنهم لغة الاستجداء،  وإن التعامل مع السلطان خاصة بلغتي الاستجداء والانبطاح إنما هو إذلالٌ لصفة الإيمان، في حين أن هناك هناك من يتعامل مع السلطان بلغة الحوار،  وليس أي حوار إنما الحوار المؤدب المقتضي لجلب الحقوق سواء الخاصة أو العامة وهذا النوع من التعامل مظهر من مظاهر العزة.

وهناك الكثير من الأحاديث الشريفة التي تشير إلى كلا النوعين من التعامل،  فها هو الإمام الكاظم (عليه السلام) يمدح علي ابن يقطين لأنه استخدم لغة الحوار ، فيقول له :(يا علي إن لله مع السلطان أولياء يدفع بهم عن أولياءه)، ويقول (عليه السلام) عمن يتعامل مع السلطان بلغة الاستجداء:( لئن أُسقَطُ من حالِقٍ(أي من مكان شاهق) فأتَقَطّعُ قطعة قطعة أحبُّ إليَّ مِنْ أنْ أطأ إليهم بساطا أو أتولى لهم عملا) ويقصد بذلك السلاطين .

 وتجلت العزة الإيمانية في موقف للإمام الصادق (عليه السلام) مع المنصور العباسي، حيث أن المنصور العباسي عمل كسائر الخلفاء السابقين له سواء الخلفاء الأمويين أو العباسيين إذ كانوا في كل سنة حينما يتوجهون إلى الحج لكسب سمعة إعلامية فيتعمدون المرور عن طريق المدينة المنورة، فإذا دخلوا المدينة خرج إليهم أعيانها ووجهاؤها ليستقبلوه ويرحبون به، ولكن المنصور العباسي حينما افتقد الإمام الصادق (عليه السلام) الذي لم يخرج ولم يستقبل ولم يرحب،  ما كان منه إلا أن كتب إليه: (يا جعفر لم لا تخشانا كما يخشانا الناس) فأجابه الإمام الصادق:( ليس لنا من الدنيا ما نخافك عليه) فليس لنا عمارات أو عقارات نخاف أن تأخذها فنأتي لنسلم عليك (وليس لك من الآخرة ما نرجوه منك) فأنت لا تملك الآخرة حتى نأتيك و نسألك أو نتوجه إليك بالدعاء والتضرع كي تمن بها أو بشيء منها علينا،  فلماذا نأتيك ؟ فكتب إليه المنصور : (تصحبنا لتنصحنا) فأجابه الإمام الصادق:(من أراد الآخرة لا يصحبك ومن أراد الدنيا لا ينصحك) وهذا من أروع مظاهر العزة المتمثل في الاستقلال وفي الصلابة، وقد كان الإمام الصادق (عليه السلام) مثالا ناصعا في ذلك وقدم من خلال هذه المحاورة وغيرها نموذجا فذا من نماذج عزة المؤمن المتعلق العارف بالله حقا.

 المظهر الثاني : العزة الفخرية.

ولنضرب لذلك مثلا: فيقول بعض أبنائنا عندما يذهبون إلى الغرب ما مفاده (أنا لا أستطيع أن أعيش في أمريكا أو أوربا دون أن أصافح المرأة الأجنبية،  وهناك الكثير من الحلات التي يلزم عندها إلى إجراء تلك المصافحة،  وكذلك إذا دعيت إلى مائدة فيها خمر لا أستطيع أن لا اجلس،  لأنني حينها اعد منبوذاً وشاذاً وقد يأخذون عني فكرة بأني معقد أو انطوائي أو متخلف أو غيرها من الصفات المشابهة وعندها أكون مضطرا إلى المجارة).

وهذا نوع من الذلة التي تقابلها (العزة الفخرية) التي تعني فيما تعنيه أن تعتز بمبادئك وقيمك وأخلاقك وتعاليم دينك،  خصوصا وإن المجتمع الغربي يدعي أنه يعظم الإنسان المبدئي الذي يقدس مبادئه ويحترم قيم مجتمعه وهذه نقطة يمكن للمؤمن الاستفادة منها في هذا الصدد، لان المجتمع الغربي يرى أن الإنسان المبدئي هو الإنسان الذي يمتلك شخصية مستقلة وذات قرار وذات إرادة،  ولذلك هو محترم عندهم، وإذا ما اصطدم بنوع من الامتعاض والاستهجان فعليه – إن كان متحليا حقا بمظاهر العزة- أن يجاهد ويجتهد في بيان وإيصال مبادئه إلى أولئك الممتعضين، مستذكرا على الدوام ما ورد عن الإمام الحسن الزكي( سلام الله عليه) بقوله: من أراد عزاً بلا عشيرة وهيبة بلا سلطان فليخرج من ذل معصية الله إلى عز طاعته.

المظهر الثالث:العزة السلوكية.

ولنتمثل لها بإنشاء السؤال التالي: كيف يكون المؤمن منا عزيزاً في سلوكه؟

إن العزة السلوكية بأبسط صورها تعني أن لا تدخل في شيء تعتذر منه، ومن الاحاديث الشريفة الدالة على هذا المعنى ما رواه سماعة أبن مهران عن الإمام الصادق عليه السلام بقوله:"إن الله فوض إلى المؤمن أموره كلها ولم يفوض إليه أن يذل نفسه".

وهنا يرد التساؤل البديهي والمهم، وهو: لماذا لم يفوض الله للمؤمن إذلال نفسه، أسوة ببقية الأمور؟!

وهنا ينبغي التعريج قليلا على مسألة مهمة هي أن عدم التفويض الوارد في الحديث لا يحمل معنى الإجبار، إنما يحمل معنى الرضا والسماح بمعنى أن الله تعالى لا يرضى ولا يسمح لك أيها المؤمن إذلال نفسك.

 والعلة وراء هي أن الإيمان ليس حقاً من حقوقك الشخصية حتى يمكنك أن تتنازل عنه متى تشاء وكيف تشاء،  إنما هو في حقيقته حق الله تعالى ولذلك لم يفوض للمؤمن أن يذل نفسه، إنما يريد من عبده المؤمن أن يكون أشد من زبر الحديد، لأن الحديد إذا دخل النار لان، أما المؤمن الحقيقي المعتز بإيمانه فانه لو قتل ثم نشر ثم قتل لم يتغير قلبه .

ومن أمثلة العزة السلوكية ما جاء في رواية المفضل ابن عمر عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنه قال:"لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه،  قلت : بماذا يذل نفسه ؟،  قال : أن يدخل فيما يعتذر منه" أي يدخل في أشياء ثم يضطر إلى أن يعتذر منها ويختلق مبررات،  فالمؤمن لا يدخل مجالس الفسوق إلا بغرض هدايتها والتأثير فيها،  والمؤمن لا يجلس مجالس البطالين إلا بغرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما في دعاء أبي حمزة :( أم رأيتني آلف مجالس البطالين فبيني وبينهم خليتني) فالمؤمن لا يدخل مواطن التهم ولا يدخل في علاقات مريبة تجعل منه موضع غيبة وغمز ولمز ثم يلجأ إلى الاعتذار عن ذلك أو عما اقترف،  أنما المؤمن  من يحتفظ بإيمانه بموضع العزة والمنعة والصلابة.