الأسرة ودورها في مواجهة الأزمات

د. خديجة حسن علي القصير

كما لا يخفى علينا في ظل الظروف الحالية والأزمة الصحية التي تعصف بالعالم ككل جراء جائحة كورونا فإن التكيف والتعايش مع هذه الأزمة قد إختلف بإختلاف طبيعة المجتمعات التي تواجهها، فقد تعامل البعض مع الأزمة ومنذ اللحظة الأولى لإنتشار اخبار هذا الوباء بالتجاهل وعدم الاهتمام ومتابعة سير الحياة اليومية كالمعتاد، وهناك من يتعامل مع الموضوع بحذر شديد وإحتياط، ولكن النظرة المجتمعية بدأت تتغير تدريجياً خاصة بعد إزدياد الموقف خطورة وإنتشار حالات الوفيات في جميع دول العالم فإخذت الناس تفهم تدريجيا مفهوم الطوارئ وإلتزام التعليمات الوقائية .

 وللتعامل مع هذه الأزمات هناك نمطان ؛ أحدهما سليم، وهو مبني من ثلاثة ردود فعل متعاقبة وصحيّة، أمّا النمط الآخر فسلبيّ مبنيّ من نوعَيْن من ردود الفعل كليهما غير صحيّ وضارّ للأمد البعيد.

النمط الأوّل: يتمثل بإن رد الفعل عنه يكون بثلاث طرق

الأولى: طريقة الهجوم فعندما يشعر الفرد في ردّ الفعل الأول للأزمات، بطاقة كبيرة تجعله يهجم على المشكلة أو يهرب منها وهنا اقصد ان تكون بعض الأسر قد تعرّفت إلى وجود فيروس الكورونا من خلال إصابة أحد أبنائها، وعليها مواجهة هذه الإصابة بواسطة "هجوم سليم حتى تغلب المرض". وفي حين تتعرّف أسر أخرى إليه من خلال وسائل الإعلام فتعمل كلّ ما في وسعها حتى تهرب من الخطر. فيكون رد فعل الاسرة الأولى فوريا بالشكل الذي يكون في صالح بقية افراد الاسرة الاخرين، وهنا تبرز طبيعة القيادة للوالدين والتعاون والإدارة الاسرية السليمة.

الثانية: السيطرة على الضرر: يبذل الناس قصارى جهدهم للمحافظة على نمط الحياة اليوميّة. ولكن الأصحّ في فترة الطوارئ والأزمات أن يبذلوا قصارى جهدهم لترميم نتائج الأضرار ولمنع الضرر التالي. فمثلا، إذا أصابت العدوى أحد أفراد الأسرة، يجب عندها أن تصبّ جهود الأسرة في خدمة المريض وعزله ومنع العدوى عن باقي الأسرة، متكبّدة كلّ الصعوبات المرافقة لهذا الهدف. وإذا خسر الأولاد أيامًا تعليميّة، عندها يجب ضبطهم في نظام دراسة يوميّ يتابعون فيه تعليمات الدراسة عن بعد، إضافة إلى تحفيزهم على المطالعة ولعب ألعاب تربويّة فيها تطوير لمفردات لغة الأم واللغات الأخرى. بالإمكان فعل كلّ هذا بطرق تعليميّة ترفيهيّة كذلك، حيث تكون عملية مشاركة لكل افراد الاسرة لمواجهة الضرر الناتج.

الثالثة: التعافي: يحتاج الفرد، كما تحتاج الأسرة، في فترة التشافي من التوتر أثناء الأزمات أن تخلد للراحة أكثر من الفترات العادية لأنّ هذه حاجة بيولوجيّة وعاطفيّة في نفس الوقت. إذ يحتاج الأفراد لساعات نوم أكثر من المعتاد وتحتاج الأسرة للبقاء متقاربة سويًا، من دون الانشغال ببرامج "تفعيليّة"، بحيث يكون كلّ الهدف هو أن يجلس أفرادها جميعًا لساعات، يتحدثون ويشتركون في قصص وتجارب وما أشبه. مثلما يعالج النوم الجسم المريض، تعالج هذه اللقاءات الأسريّة العلاقات التي تباعدت، حتى تنجح هذه المرحلة في تحقيق أهدافها، يجب ألّا ترافقها إساءات مقصودة أو فوريّة، والتي تسبّب شعورًا بالتنمر أو بالعنف.

النمط الثاني: وهو المتمثل بالأشخاص الذين لا يواجهون الأزمات بالطريقة السليمة المقترحة أعلاه وهو يقوم على جانب سلبي ويعتمد على طريقتين: 

الأولى: التكيف: يتمثل بالتكيف مع الوضع المعتاد ولا اقصد بالتكيف الإيجابي وانما التكيف السلبي المتمثل المعايشة والسماح للتوتر بالسيطرة على ردود فعل الفرد بدل أن يديره الفرد بطريقة مدروسة. من لا يسير في مسار المراحل الثلاث السابقة، يجد نفسه وقد خارت قواه، انخفض مستوى أدائه، وبدأ يشكّ في قدراته، وفقد القدرة على النوم المتواصل، ويكون الشعور المسيطر عليه دائما هو "التوتر والأرق والقلق".

الطريقة الثانية: امتصاص الطاقات: فالفرد الذي لا ينتبه لنفسه في هذه المرحلة سوف يعاني من الاكتئاب والإنهاك التام وسيشعر معهما بفقدان الحيويّة. ليس من الضرورة أن ينهك الفرد نفسه في الأزمات ولكن من الضرورة أن يخطّط بحكمة وبطريقة سليمة .