الشاهدة على قتل أهلها .. الصابرة على الأسر والظلم .. سيرة حياة امرأة كونية

هل يمكن ان تصبر امرأة تترك دارها الى بلد الى آخر برفقة أهلها بما فيهم الأطفال والنساء وهي تعلم تمام العلم ان القتل بانتظار أخوتها وبنيها وبني اخوانها وانصارهم وهم عطاشى، وبانتظارها السبي المفجع على يد سلطان جائر يتلذذ بالدم وله جيش متوحش مفرغ تماما من الإنسانية؟

ان مجرد التفكير بهذا الأمر مفزع ومخيف، ولا تقوى على تحمل هذه الأهوال والمصائب الا من كانت على قدر من العظمة والإيمان والتسليم، وكانت معدة اعداداً إلهيا.

ان هذه المرأة العظيمة هي زينب بنت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، أمّها السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام).

وفي معنى كلمة زينب أقوال، أهمها: اسم شجر حَسَنُ المَنْظَر، طَيِّبُ الرائحة. وقد ورد أيضا أن أصلها زين أب.

ورد في بعض المصادر المعاصرة أنه لمّا ولدت جاءت بها أمّها الزهراء عليها السلام إلى أمير المؤمنين عليه السلام، وقالت له: سمّ هذه المولودة، فقال ما كنت لأسبق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان في سفر له، ولمّا جاء النبي صلی الله عليه وآله وسلم سأله أمير المؤمنين أن یسمّیها، فقال: ما كنت لأسبق ربّي، فهبط جبرائيل يقرأ على النبي السلام من الله الجليل، وقال له: سمّ هذه المولودة (زينب)؛ فقد اختار الله لها هذا الاسم.

ألقابها

لقّبت السيدة زينب عليها السلام بعدّة ألقاب تكشف عن عظيم شخصيتها، منها: عقيلة بني هاشم، والعالمة غير المعلَّمة، والعارفة، والموثّقة، والفاضلة، والكاملة، وعابدة آل علي، والمعصومة الصغرى، وأمينة اللّه، ونائبة الزهراء، ونائبة الحسين، وعقيلة النساء، وشريكة الشهداء، والبليغة، والفصيحة، وشريكة الحسين وأم المصائب.

علمها

تلقّت علمها، من أمّها فاطمة الزهراء عليها السلام، وقد طوت عمراً من الدهر مع الإمامين السبطين (عليهما السلام).

ويشهد بذلك وبتبحرها في آيات القرآن الكريم خطبها وكلماتها في الكوفة وفي مجلس عبيد الله بن زياد وفي قصر يزيد بن معاوية في الشام، مضافاً إلى الأحاديث التي روتها عن أبيها أمير المؤمنين عليه السلام وأمّها فاطمة الزهراء (ع). وكانت (عليها السلام) تعقد مجالس التفسير وبيان معاني القرآن للنساء في الكوفة إبّان حكم أبيها.

روى عنها الحديث كل من عبدالله بن عباس، ومحمد بن عمرو، وعطاء بن السائب وفاطمة بنت الحسين وغيرهم. وروت هي عن المعصومين (ع) وفي موضوعات مختلفة منها: منزلة ومكانة الشيعة ومحبي آل محمد، قضية فدك، حقوق الجار، البعثة وغيرها.

بل كانت على معرفة بالوقائع والأحداث التي جرت عليها في المستقبل، وقد أخبرها بذلك أبوها أمير المؤمنين عليه السلام.

عفافها

وردت في بعض المصادر التي تعرضت لحياة السيدة زينب عليها السلام نماذج من عفافها وحجابها، فكانت إذا أرادت الخروج لزيارة قبر جدّها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج معها أبوها الإمام أمير المؤمنين (ع) وأخواها الحسنان، الحسن (عليه السلام) عن يمينها والحسين (عليه السلام) عن شمالها، ويبادر الإمام أمير المؤمنين عليه السلام إلى إخماد ضوء القناديل التي على المرقد المعظّم، فسأله الإمام الحسن عليه السلام عن ذلك، فقال له: «أخشى أن ينظر أحد إلى شخص أختك الحوراء».

 

وحدّث يحيى المازني قال: «كنت في جوار أمير المؤمنين (عليه السلام) في المدينة مدّة مديدة، وبالقرب من البيت الذي تسكنه زينب ابنته، فلا والله ما رأيت لها شخصاً، ولا سمعت لها صوتاً».

دورها في نهضة كربلاء

كان للسيّدة زينب(عليها السلام) دور بطولي وأساسي في نهضة كربلاء التي تُعتبر من أهمّ الأحداث التي عصفت بالأُمّة الإسلامية بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وكان دورها لا يقلّ عن دور أخيها الإمام الحسين  (عليه السلام) وأصحابه صعوبةً وتأثيراً في نصرة الدين، وأنّها قادت مسيرة الثورة بعد استشهاد أخيها، وكان لها دور إعلامي، أوضحت من خلاله للعالم حقيقة الثورة وأبعادها وأهدافها.

كما أنّ لمواقف السيّدة زينب(عليها السلام) في كربلاء وخطاباتها في المرحلة التي تلتها الأثر الكبير في حفظ الثورة الحسينية وحمايتها، وإيصال صوتها إلى مختلف أرجاء العالم الإسلامي الذي استفاق على صوت السيّدة زينب(عليها السلام)، وهي تحاول إيقاظه من سباته العميق، وأبرز هذه المواقف كانت في أرض كربلاء، ثمّ الكوفة، وفي مجلس ابن زياد، وفي قصر يزيد بن معاوية في الشام إلى حين رجوعها إلى المدينة.

ولقد سُمّيت(عليها السلام) بأُمّ المصائب، وحقّ لها أن تُسمّى بذلك، فقد شاهدت مصيبة رحلة جدّها النبي المختار(صلى الله عليه واله)، وأُمّها الشهيدة المظلومة سيّدة النساء(عليها السلام)، ومصيبة قتل المولى حيدر الكرّار(عليه السلام)، ومحنة مسموميّة أخيها الحسن المجتبى(عليه السلام)، والمصيبة العظمى لسيّد الشهداء(عليه السلام)، حيث شاطرته من مبتدئها إلى منتهاها مع استشهاد ولديها عون ومحمد، وأكملت الرحلة بالمسير إلى الكوفة ومنها إلى الشام، كما وكان لزينب(عليها السلام) في وقعة كربلاء المكان المرموق، والمهمّة المقدّسة، والمسؤولية العظيمة، في جميع الحالات وفي المواطن كلّها، حيث كانت تراقب أحوال أخيها الحسين(عليه السلام) ساعة ساعة، وتُخاطبه وتسأله عن كلّ حادث، وهي التي كانت تُدبّر أمر العيال والأطفال، وتقوم في ذلك مقام العصبة من الرجال، وكانت تعتني بالإمام زين العابدين(عليه السلام) وتدافع عنه في مواطن متعددة، كما أنّها التي خاطبت ابن زياد وألقمته حجراً حتّى التجأ إلى طريق العنف، وكانت ملاذاً لفاطمة الصغرى حين التجأت إليها وأخذت بثياب عمّتها، حين قال الشامي ليزيد: هَب لي هذه الجارية، فكانت لهم الركن الشديد. والذي يلفت النظر ـ في المقام ـ أنّها(عليها السلام) كانت متزوّجة وزوجها حيّ آنذاك، لكنّها اختارت المسير مع أخيها الحسين(عليه السلام)، وآثرته على البقاء مع زوجها مع علمها بما يجري عليها من محن ومصائب.

ونجد في هذا الصدد أيضاً بأنّ هذه البطلة قد قدّمت دروساً عظيمةً في الشجاعة والتضحية، ما زالت آثارها متبقّية في نفوس النساء المسلمات عامّة والنساء العراقيات خاصّة؛ إذ إنّها قد نفضت عن أكتافها غبار الجولة الأُولى، ووقفت على الجسد الشريف معلنة حرباً من نوع آخر، تقودها هي بذاتها رغم كلّ الآلام التي جرت عليها؛ لتدكّ حصون الظالمين، وتدمّر جميع ما أحرزوه من انتصارات حسب ظنّهم، وتحوّل الهزيمة إلى نصـر، وتُلحق الهزيمة والعار بمَن حسب نفسه أنّه منتصر، فملأت بيوتهم مأساة وحزناً.

التحقت السيدة الجليلة زينب الكبرى (عليها السلام) بالرفيق الأعلى بعد واقعة كربلاء بسنة، في 15 رجب، سنة 62 هـ.

المصادر: ويكي شيعة ومؤسسة وارث الانبياء

اعداد: فضل الشريفي