القشلة: منارة عاصمة العراق الثقافية والحضارية

بُنيت القشلة في النصف الثاني من القرن 18 في زمن والي بغداد التركي، نامق باشا، لتؤسّس عهداً جديداً من الإدارة والتنظيم والحياة العصرية التي بدأت تتلمّسها مدينة بغداد وأهلها في ذلك الحين.

  • اصل التسمية  

إن كلمة قشلة تركية الاصل مشتقة من كلمة قشلاغ بمعنى أشتى أو (المشتى)، وصارت تطلق على منام الجنود أو المأوى, وتسمى بالحصن أو القلعة  فهي بمثابة ثكنة عسكرية ، تضاف إلى مكاتب وإدارات الحكومة، وأحيانا تضم منزل الوالي وكبار الموظفين وهي تشابه في وظيفتها قلعة (القصبة) الأندلسية والتي استخدمت في شمال أفريقيا وعادة ما يستخدم فيها الطراز المعماري المحلي بعد إجراء تغييرات تضمن الجانب الدفاعي باعتبارها ثكنة عسكرية يستوجب حمايتها من كل الأخطار أو هجمات الأعداء.

  • التصميم المعماري للقشلة

وهي بناية مستطيلة الشكل بثلاثة أضلاع، مفتوحة باتجاه النهر, وتشير بعض المصادر أنها كانت ذات شكل مستطيل مثل بقية القلاع والثكنات العثمانية، لكن حدث أن سقط الضلع الغربي المجاور للنهر بسبب الفيضان  فأصبح فناؤها مكشوفاً على النهر مباشرة  وتم تعويض ذلك ببناء طابق علوي وبرج عالٍ وساعة كبيرة. 

وتمتد البناية على مساحة واسعة وبأبعاد 250م * 50م  وتتوسطها ساحة داخلية غُرست فيها أشجار ونباتات، حتى تصل إلى ضفة النهر حيث تتصل بالمسناة  وهي مبنية بالآجر (الطابوق) والجص, حيث يجري استخدام المواد الانشائية المتوفرة في البيئة المحيطة, فتارة تبنى بالآجر، وتارة بالحجر, كما يستخدم الجص أو النورة كمواد تربط بين أجزاء الجدار, ويجري تزيينها بزينة بسيطة تتناسب والصرامة العسكرية عدا بعض المكاتب أو المنازل أو المسجد, كما تتضمن القشلة أبراجاً مرتفعة للمراقبة والرصد المستمر وتجهز أسوارها أو جدرانها العالية بفتحات ضيقة يمكن من خلالها توجيه السلاح ضد المهاجمين.

يجري اختيار القشلة في موقع طبيعي استراتيجي حيث يتحتم تأمين دفاعها في كل الأحوال, لذلك تم اختيار بعض القشلات على تلال أو مرتفعات, أما في بغداد فكانت تتوسط المدينة وعلى جانب النهر، حيث تتوفر لها عدة منافذ ومخارج.

وقام العثمانيون بتشييد قشلة لهم في أغلب المدن التي خضعت لسلطتهم إذ كانت تدار أمور البلدة والمنطقة كلها من خلال القشلة, ولذلك تركوا العديد من القشلات في عدة مدن ودول نذكر منها "ديوان الحكم" أيّام العثمانيين  ويشمل "مجمع السراي" الذي يضمّ عدداً من الأبنية في المنطقة المحيطة بديوان الحكم, فهذا المبنى وما يحيط به من مبانٍ قديمة يمثّل حقبة مهمّة من تاريخ العراق القديم.

عباس نجم