المسلمون في فرنسا.. جالية مليونيّة تواجه تحديات الاندماج والهوية

منذ عقود عديدة تحاول جاليات مسلمة منتشرة في دول الغرب أن تأخذ دورها بعملية الاندماج الاجتماعي البنّاء والتأثير الايجابي الذي يسلط الضوء على مفاهيم الإسلام السمحاء الداعية للخير والمحبة والموعظة الحسنة والبعيدة كل البعد عمّا تحاول نشره طوائف تدعي الإسلام مثل الوهابية والسلفية من مفاهيم التطرف والتشدد والقتل والتدمير..

نحاول في سلسلة من حلقات متتابعة تسليط الضوء على جزء من تفاصيل ومراحل هامة مرت بها الجاليات المسلمة في فرنسا وبريطانيا والسويد وهولندا وأمريكا وغيرها على مدى القرون الماضية وحتى وقتنا الحاضر، ونتناول في هذه الحلقة (المسلمون في فرنسا):

يعتبر الإسلام الدين الثاني في فرنسا، ويفوق عدد أتباعه الخمسة ملايين، بنسبة 8% أو تزيد. وهذه الأرقام ليست رسمية أو حكومية، فقانون الإعلام والحريات يمنع تعداد المواطنين حسب انتمائهم العرقي أو الديني أو الفلسفي. وطبيعة هذه الأرقام لا تتجاوز كونها استقراءات علماء الاجتماع واستطلاعات مختصّة للرأي.

وفرنسا دولة لا دينية منذ عام 1905، لا تعترف بالأديان ولا تعاديها بنفس الوقت، فدستورها ينص في مادته الثانية أنها «جمهورية علمانية، لكنها تحترم كل الأديان».

نظريًا وقانونيًا يُعامل الإسلام في فرنسا كما تُعامل جميع الأديان بما في ذلك الكاثوليكية التي كانت فرنسا تعتبر ابنتها البكر قبل الثورة الفرنسية. وهذا ما تنص عليه قوانين كثيرة أما في الواقع المعاش فيختلف الأمر قليلاً أو كثيراً حسب تعاقب السياسات، وتقلب الأحداث المتعلقة بالإسلام محليًا أو عالميًا.

وصول الإسلام إلى فرنسا:

استوطن المسلمون فرنسا في مرحلتين اثنتين عبر التاريخ، إحداهما تتعلق بالهجرة، والأخرى بتهجير مسلمي الأندلس الجارة. وتمتدّ المرحلة الأولى من القرن الثامن إلى القرن الخامس عشر الميلادي. أما المرحلة الثانية فتبدأ من الحرب العالمية الأولى في مطلع القرن العشرين وإلى يومنا هذا.

الإسلام اليوم:

أصبح الإسلام منذ ستينيات القرن العشرين، الدين الثاني في فرنسا، ويُرتّب الإسلام حسب الأهمية مباشرة بعد الكاثوليكية، وقبل البروتستنتية واليهودية. وينتشر المسلمون في مدن فرنسا وفي ريفها على السواء.

تمثيل الإسلام:

عدد الجمعيات والهيئات التي تمثل الإسلام في فرنسا كثير وأبرزها:

•المعهد الإسلامي ومسجد باريس الكبير الذي دشن في 1926 والمساجد الإقليمية التابعة له، وقد اعتُبِرت هذه المؤسسة لعدة عقود الممثل الفعلي للإسلام في فرنسا، لكن بعد ضعف إشعاعها، منذ بداية التسعينيات، وظهور هيئات إسلامية أخرى تنافسها، أصبح المعهد الإسلامي ومسجد باريس يشخص الإسلام "المعتدل".

• الفيدرالية الوطنية لمسلمي فرنسا وقد تأسست سنة 1985م برعاية رابطة العالم الإسلامي التي اعتمدت في إيجادها وتسييرها على فرنسيين معتنقين للإسلام. ثم تغيّر مع مرور الزمن أعضاء مجلس إدارة الفيدرالية، فاستقلت عن الرابطة لتقترب من الحكومة المغربية، وتضم حاليًا أكثر من 150 جمعية.

• جماعة الدعوة والتبليغ، وأصل مذهبهم من الهند، وهم دعاة متجولون زاهدون لا يخوضون في السياسة ولا يتدخلون في النقاش الاجتماعي. وينقسمون إلى جمعيتين أساسيتين، وقد تفرّغوا لإعادة أسلمة من "ابتعدَ عن الإسلام". ويمتلكون العديد من المساجد والمصليات في كبرى المدن الفرنسية خاصّة.

• جمعيتان كبريان لتمثيل الأتراك، إحداهما تشرف عليها السفارة التركية والأخرى معارضة.

• تكوّنت أخيرًا جمعية «الفاياكا» لتجمع المساجد والمصليات التابعة للأفارقة والقمريين والوافدين من جزر المحيط الهندي بصفة عامة.

•جمعية تمثل أتباع المذهب الإسماعيلي.

الوضع التعليمي:

توجد الكثير من المدارس الابتدائية والكتاتيب الملحقة بالمساجد إلا أنها لا تمنح للفائزين فيها شهادات معترف بها رسميًا. وفتحت مؤخرًا بعض الثانويات الإسلامية بكبرى المدن بفرنسا. كما فتحت معاهد للدراسات العليا كالمعاهد الأوروبية للدراسات الإنسانية والتي تأسست عام 1992م ويضم قسم أصول الدين وقسم الشريعة الإسلامية. وتحتوي على 12 غرفة ومكتبة، وقاعتين للمطالعة وتسع قاعات للفصول.

حقوق المسلمين في فرنسا:

أكثر من ثلاثة ملايين مسلم يحمل الجنسية الفرنسية ويتمتعون، على الأقل قانونيًا، بكامل حقوقهم، وعليهم من الواجبات ما على كل الفرنسيين. فمن المسلمين الوزراء والمستشارون وأعضاء مجلس الشيوخ وإن لم يبلغ عددهم نسبة تواجدهم الحقيقي.

التحديات:

-الداخلية:

1. فرز الأشخاص والجهات التي تروّج للتطرف والتشدد، وعزلهم عن المجتمع كي يتبين أن هذه النماذج إنما هي طارئة على الإسلام الذي يدعو للسلم والخير والتسامح.

2. الخلافات بين الجمعيات والجماعات المسلمة.

3. الجهل عند الشباب بوسطية الإسلام وقيمه السمحة مما يدفعهم إلى الذوبان أو إلى التعصّب.

4. تعليم أطفال المسلمين على أسس متينة.

5. المقابر الإسلامية الموجودة غير كافية.

6. قضية الزواج المتعدد والذي يعتبر غير قانوني في فرنسا.

-الخارجية:

1. التصوير الإعلامي السلبي للإسلام والمسلمين.

2. عداوة اليمين المتطرف للعرب والمسلمين، خصوصًا الجبهة الوطنية.

3. منع الطالبات المسلمات من ارتداء الحجاب في المدارس.

4. إقامة اشد العقوبات على المهاجرين غير الشرعيين المسلمين الذين يصلون فرنسا.

6. صعوبة إقامة الشعائر الإسلامية.

7. بسبب الحركات الإرهابية المدّعية للإسلام في فرنسا وفي العالم، يخلط الرأي العام الفرنسي المسلمين بتهمة الإرهاب.

المتطلبات:

1. تشييد المدارس الإسلامية النظامية المعترف بها رسمياً.

2. إقامة المقابر الإسلامية في المدن الكبرى.

3. حل مشاكل الطعام الحلال في مناطق التجمع الإسلامي.

4. نشر الثقافة الإسلامية وتنمية الوعي الديني القائم على أساس السلم والعدل والتسامح.

5. المحافظة على الهوية الإسلامية.

6. حل الخلافات بين الهيئات الإسلامية.

7. حل الخلافات بين الطوائف المسلمة.

8. كشف العناصر التي تدعي الإسلام والجمعيات المزيفة والوقوف بوجه الجهات أو الأشخاص الذين يروجون لأفكار التطرف والتشدد والإرهاب.

9. إقامة المخيمات وعقد الندوات والمؤتمرات والمهرجانات.

المصدر: مواقع إلكترونية