آمنت به الجارية واهتدى به الرجل الضال.. قصة الإمام المقتول بالسم في زنزانة السلطة العباسية

الإمام السابع من الأئمة الاثني عشر هو موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، والده الإمام جعفر الصادق عليه السلام وأمّه أمّ ولد يقال لها حميدة البربرية.

وكان يكنّى أبا إبراهيم وأبا الحسن وأبا علي، ويعرف بالعبد الصالح، وينعت أيضاً بالكاظم. ومن أشهر كناه أبو الحسن الأوّل وأبو الحسن الماضي. ولقّب بالكاظم لكظمه عمّا فعل به الظالمون من التنكيل والإرهاق. ويعرف بين الشيعة بـباب الحوائج.

كانت إمامة الإمام الكاظم عليه السلام كلها في زمن الخلافة العباسية فتزامنت مع جزء من ملك المنصور الدوانيقي، وابنه المهدي، وابنه الهادي، وأخيراً ملك هارون الرشيد.

وأمر المهدي في أول أيام جلوسه على كرسي الحكم، أن يُقتل الإمام عليه السلام فنقله من المدينة إلى بغداد وحبسه ومن ثم أطلق سراحه وأعاده إلى المدينة، فأقام الإمام عليه السلام بالمدينة حتى توفي المهدي والهادي، حتى قدم الرشيد إلى المدينة بعد تسلمه الخلافة وأخذ الإمام معه إلى العراق وحبسه عند السندي بن شاهك. وبعد مدة أطلق سراحه، إلى أن حبسه مرة أخرى، واستمر سجنه هذه المرة أربع سنوات وانتهت باستشهاده.

وكان هؤلاء الخلفاء كثيراً ما يطلبوا الإمام إلى مجلسهم كي يحرجوه بأسئلتهم ولكن الإمام كان يجيبهم بأجوبة صارمة.

علمهُ (ع)

عن عيسى شلقان ان الإمام الصادق (عليه السلام) قال عن ولده الكاظم (عليه السلام)،: «.... يا عيسى، إنّ ابني هذا الذي رأيت، لو سألته عمّا بين دفّتي المصحف لأجابك فيه بعلم»، وقال أيضاً: «وعنده علم الحكمة والفهم، والسخاء والمعرفة بما يحتاج إليه الناس فيما اختلفوا فيه من أمر دينهم».

ويكفي لمعرفة وفور علمه رواية العلماء عنه جميع الفنون من علوم الدين وغيرها، ممّا ملأوا به الكتب، وألّفوا المؤلّفات الكثيرة، حتّى عُرف بين الرواة بالعالِم.

قال الشيخ المفيد (قدس سره): «وقد روى الناس عن أبي الحسن موسى فأكثروا، وكان أفقه أهل زمانه».

وقد حوى(عليه السلام) علوماً جمّة، فمنها: علمه باللغات، وعلمه بالنجوم، وعلمه بالتاريخ، وعلمه بالحساب، وعلمه بالفقه والتفسير، وعلمه بالطبّ، وعلمه بالمغيّبات، وغير ذلك.

قصة الجارية مع الإمام الكاظم (ع) وكيف اهتدت

قال العامري: «إنّ هارون الرشيد أنفذ إلى موسى بن جعفر جارية خصيفةً لها جمال ووضّاءة؛ لتخدمه في السجن، فقال: قل له: ﴿ ... بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ﴾ لا حاجة لي في هذه ولا في أمثالها. قال: فاستطار هارون غضباً وقال: ارجع إليه، وقل له: ليس برضاك حبسناك، ولا برضاك أخذناك، واترك الجارية عنده وانصرف، قال: فمضى ورجع، ثُمّ قام هارون عن مجلسه، وأنفذ الخادم إليه ليستفحص عن حالها، فرآها ساجدةً لربّها، لا ترفع رأسها، تقول: قُدّوس سبحانَك سبحانَك.

فقال هارون: سحرها والله موسى بن جعفر بسحره، عليّ بها، فأُتي بها وهي ترعد شاخصةً نحو السماء بصرها، فقال: ما شأنك؟

قالت: شأني الشأن البديع، إنّي كنت عنده واقفةً وهو قائم يصلّي ليله ونهاره، فلمّا انصرف عن صلاته بوجهه وهو يسبّح الله ويقدّسه، قلت: يا سيّدي هل لك حاجةٌ أُعطيكها؟ قال: وما حاجتي إليك؟ قلت: إنّي أُدخلت عليك لحوائجك، قال: فما بال هؤلاء؟ قالت: فالتفتُّ فإذا روضة مزهرة لا أبلغ آخرها من أوّلها بنظري ولا أوّلها من آخرها، فيها مجالس مفروشة بالوشي والديباج، وعليها وصفاء ووصائِف لم أرَ مثل وجوههم حُسْناً، ولا مثل لباسهم لباساً، عليهم الحرير الأخضر والأكاليل والدرّ والياقوت، وفي أيديهم الأباريق والمناديل، ومن كلِّ الطعام، فخررت ساجدةً حتى أقامني هذا الخادم، فرأيت نفسي حيث كنت.

قال: فقال هارون: يا خبيثة لعلّك سجدت فنمت، فرأيت هذا في منامك؟ قالت: لا والله يا سيّدي إلاّ قبل سجودي رأيت فسجدت من أجل ذلك، فقال الرشيد: اقبض هذه الخبيثة إليك، فلا يسمع هذا منها أحد، فأقبلت في الصلاة، فإذا قيل لها في ذلك؟ قالت: هكذا رأيت العبد الصالح ، فسئلت عن قولها؟ قالت: إنّي لمّا عاينت من الأمر نادتني الجواري يا فلانة ابعدي عن العبد الصالح حتى ندخل عليه، فنحن له دونكِ. فما زالت كذلكَ حتّى ماتت، وذلك قبل موت موسى بأيّام يسيرة»

بِشر الحافي.. وحكاية الهداية

كان في بغداد رجلٌ معروفٌ يُقال له بشر، وكان ممّن يشار إليه بالبنان. وحدث يوماً أن كان الإمام الكاظم عليه السلام مارّاً من أمام بيت بشر، فاتفق أن فتحت جارية باب الدار لإلقاء بعض الفضلات "قمامة" وحين رمت بها في الطريق سألها الإمام عليه السلام قائلاً: يا جارية! هل صاحب هذا الدار حرٌّ أم عبدٌ؟!

فأجابته الجارية وهي مستغربة من سؤاله هذا وبشر رجل معروف بين الناس وقالت: بل هو حرّ.

فقال الإمام عليه السلام: "صدقت لو كان عبداً لخاف من مولاه".

الإمام عليه السلام قال هذه الكلمة وانصرف، فعادت الجارية إلى الدار وكان بشر جالساً إلى مائدة الخمر، فسألها: ما الذي أبطأك؟

فروَتْ له ما دار بينها وبين الإمام عليه السلام، وسمع ما نقلتهُ من قول الإمام عليه السلام: "صدقت، لو كان عبداً لخاف من مولاه" فهزّه هزّاً عنيفاً أيقظه من غفلته، وأيقظه من نومة الغفلة عن الله، ثمّ سأل بشر الجارية عن الوجهة التي توجَّه إليها الإمام، فأخبرته فانطلق يعدو خلفه، حتى أنّه نسي أن ينتعل حذاءه. في الطريق كان يحدث نفسه بأنّ هذا الرجل هو الإمام موسى بن جعفر عليه السلام، وفعلاً ذهب إلى منزل الإمام، فتاب على يده واعتذر وبكى ثمّ هوى على يدي وقدمي الإمام يقبّلها.

استشهد الإمام عليه السلام في الخامس والعشرين من شهر رجب سنة 183 هـ في بغداد في سجن السندي بن شاهك الذي أمر بوضع جنازة الإمام عليه السلام على الجسر ببغداد ونودي عليه - تمويها على قتله - هذا إمام الرافضة فاعرفوه، فإنّه موسى بن جعفر عليه السلام وقد مات حتف أنفه، ألا فانظروا إليه. فحفّ به الناس، وجعلوا ينظرون إليه.

ذهب مشهور المؤرخين إلى أنّه أستشهد مسموماً في حبس هارون على يد يحيى بن خالد أو السندي بن شاهك.

المصادر: مواقع إلكترونية ومراجع تاريخية

اعداد: فضل الشريفي