هجرة الأدمغة العربية وانعكاساتها السلبية على المجتمع

اعداد: إبراهيم العويني

- تمثل هجرة العقول العربية استنزافًا لشريحة مؤثرة وفاعلة ولها دور بارز في المجتمع العربي

تعود هجرة الأدمغة العربية إلى عدة أسباب، منها أسباب سياسية متعلقة بغياب الاستقرار والصراعات الدامية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، بالإضافة إلى عدم تهيئة بيئة مناسبة تشجع على النجاح في الداخل. فضلاً عن عدم وجود ملاذ آمن يحمي هذه الكفاءات من العنف واستهداف حرية الإبداع، بعدما أصبحت حياة كثير من هؤلاء معرضة للخطر، سواء بسبب آرائهم أو معتقداتهم السياسية، أو بسبب حالات الفوضى الأمنية.

وتلخص تقارير الجامعة العربية واليونيسكو الأسباب والدوافع الأساسية لهجرة العقول العربية، في عجز الدول العربية والنامية، على استيعاب أصحاب الكفاءات، الذين يجدون أنفسهم عاطلين عن العمل، إضافة إلى ضعف الدخل المادي المخصص لهم، وفقدان الارتباط بين أنظمة التعليم ومشاريع التنمية والتطوير.

فوائد ومخاطر

يكشف تقرير صادر عن البنك الدولي أن الهجرة العالمية انتشلت الملايين من الناس من براثن الفقر وعززت النمو الاقتصادي، غير أن بلدان المقصد تخاطر بفقدان قدرتها على المنافسة عالميا على المواهب، وترك فجوات كبيرة في أسواق العمل بعدم تنفيذ سياسات تتعامل مع قوى سوق العمل وعدم إدارة التوترات الاقتصادية قصيرة المدى.

ويرصد التقرير الذي يحمل عنوان "الانتقال من أجل الرخاء: الهجرة العالمية والعمل" أسباب الهجرة، فيشير إلى أن الفوارق الكبيرة والمستمرة في الأجور في جميع أنحاء العالم تمثل الدافع الرئيسي للهجرة الاقتصادية من البلدان منخفضة الدخل إلى البلدان مرتفعة الدخل. مشيرا إلى أن كثيرا من المهاجرين تمكنوا من مضاعفة أجورهم ثلاث مرات عندما ينتقلون إلى بلد جديد، مما يساعد ملايين المهاجرين وأقاربهم في بلدانهم الأصلية على الإفلات من براثن الفقر. وغالبا ما تستفيد بلدان المقصد، حيث يقوم المهاجرون بأدوار مهمة، من تطوير أحدث التكنولوجيات في وادي السيليكون إلى بناء ناطحات السحاب في الشرق الأوسط.

وﺗﺗرﮐز ﺗدﻓﻘﺎت اﻟﮭﺟرة ﺑدرﺟﺔ ﮐﺑﯾرة حسب المكان والمهنة. ففي الوقت الحالي، تجذب أكبر 10 بلدان مقصد 60 في المائة من نحو 250 مليون مهاجر على الصعيد العالمي. ويعيش في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وأستراليا ثلثا المهاجرين ممن حصلوا على التعليم الجامعي. وفي أعلى قمة المواهب، توجد في الولايات المتحدة نسبة مذهلة تبلغ 85 في المائة من جميع الفائزين بجائزة نوبل للعلوم.

تجريف العقل العربي

وتعاني الدول العربية أزمة معرفية تجسّدت في نزيف هجرة كفاءاتها وأدمغتها نحو الغرب. أظهرت بعض الدراسات التي قامت بها جامعة الدول العربية ومنظمة اليونيسكو والبنك الدولي أن العالم العربي يساهم في ثُلث هِجرة الكفاءات من البلدان النامية، وأن 50 في المائة من الأطباء، و23 في المائة من المُهندسين، و15 في المائة من مجموع الكفاءات العربية يهاجرون إلى أوروبا والولايات المُتحِدة وكندا، مما يفرز تبعات سلبية على مستقبل التنمية العربية، ويعد من بين أكبر عمليات تجريف العقول في العالم.

وتشير الإحصاءات إلى أن ثلاث دول غربية غنية وهي الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا تصطاد 75 في المائة من المهاجرين العرب، بل أكثر من ذلك قامت بعض الدول الغربية بمنح جنسياتها للعقول العربية المهاجرة كي تنسب إبداعاتها لها بالكامل. حيث يهاجر سنويا 100 ألف من العلماء والمهندسين والأطباء والخبراء كل عام من ثمانية أقطار عربية هي سوريا ولبنان والعراق والأردن ومصر وتونس والمغرب والجزائر.

30 مليون مهاجر

أورد تقرير أخير للبنك الدولي، أن عدد المهاجرين في العالم العربي بلغ حتى عام 2013 قرابة 30 مليون مهاجر، وهناك ازدياد طفيف في هذا العدد، سواء باتجاه دول الخليج أو أوروبا وأميركا وكندا وأستراليا، حيث يهاجر منهم 31.5 في المائة لدول الخليج، فيما يهاجر 23 في المائة للغرب بسبب قيود السفر والهجرة الحالية للغرب، والباقي لدول أخرى مختلفة آسيوية وأفريقية ولاتينية.

وأوضح التقرير أن ما يقارب 20 مليون مهاجر من الشرق الأوسط يعيشون حول العالم، أي إن 5 في المائة من مجموع سكان العالم العربي قد هاجروا من الشرق الأوسط، أغلبهم من مصر والمغرب، الدولتين اللتين يهاجر منهما أكبر عدد من المواطنين إلى دول أُخرى حول العالم، وتليهما الأراضي الفلسطينية المحتلة، فالعراق، والجزائر، واليمن، وسوريا، والأردن ولبنان.

وبحسب تقرير البنك الدولي والجامعة العربية، ينتقل ما يقارب 40 في المائة من مهاجري الشرق الأوسط إلى دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، ويهاجر 23 في المائة منهم إلى دول متقدمة أُخرى، و31.5 في المائة يهاجرون إلى دول داخل الشرق الأوسط، و1 في المائة فقط من المهاجرين ينتقلون إلى دول نامية أُخرى في العالم. وأن 54 في المائة من الطلاب العرب، الذين يدرسون في الخارج، لا يعودون إلى بلدانهم، ويُشكِل الأطباء العرب في بريطانيا 34 في المائة من مجموع الأطباء فيها.

براءات الاختراع

وتشير التقارير إلى انخفاض نصيب الدول العربية من براءات الاختراعات التكنولوجية على مستوى العالم، فيما بلغ نصيب أوروبا من هذه البراءات 47.4 وأميركا الشمالية 33.4 في المائة واليابان والدول الصناعية الجديدة 16.6 في المائة. وعندما أجرت اليونيسكو إحصاء للأربعين دولة الأكثر تقدما في العالم في التعليم الأساسي لم يكن من بين هذه الدول دولة عربية واحدة إلا الكويت، وجاء ضمن هذه الأربعين دولة كوريا الجنوبية واليابان وسنغافورة وأوروبا كلها والولايات المتحدة الأميركية.

أسباب الهجرة

توضح الدراسة أن الولايات المتحدة عادة ما تستضيف نصف جميع المهاجرين ذوي المهارات العالية المتوجهين لبلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وثلث المهاجرين ذوي المهارات العالية حول العالم.

وأرجعت الدراسة أسباب الارتفاع الضخم في عدد المهاجرين ذوي المهارات العالية إلى بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى زيادة الجهود لجذب المواهب من قبل صانعي القرار الذين يستثمرون في رأس المال البشري، والآثار غير المباشرة الإيجابية الناتجة عن تجمع المهارات، وانخفاض تكاليف النقل والاتصالات، وزيادة سعي الشباب وراء التعليم الأجنبي. لكن التقرير أكد أن هجرة ذوي المهارات العالية غالبا ما تكون مثيرة للجدل.

وأضاف: بالنسبة للبلدان المرسلة، فإن فقدان العمال ذوي المهارات العالية يثير المخاوف، ولكن الجانب الإيجابي هو أن أولئك المهاجرين يمكن أن يكونوا بمثابة روابط مطلوبة بشدة للمصادر العالمية من المعارف ورؤوس الأموال والسلع، وسيعود بعضهم في نهاية المطاف إلى أوطانهم الأصلية بمستويات أعلى من حيث المركز الاجتماعي ورأس المال البشري.

وأشارت الدراسة إلى أن كثيرا من البلدان الأصلية لديها قدرات تعليمية وموارد مالية محدودة لتدريب العاملين أو للقيام بعملية إحلال لمن هاجروا. وأضاف أن البلدان التي شهدت معدلات هجرة مرتفعة للعمالة ذات المهارات العالية إلى مقاصد في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عام 2010 هي في العادة من البلدان الصغيرة المنخفضة الدخل والدول الجزرية.

وبحسب دراسات أخرى للجامعة العربية، يهاجر نحو مائة ألف من أرباب المهن وعلى رأسهم العلماء والمهندسون والأطباء والخبراء كل عام من ثمانية أقطار عربية هي لبنان وسوريا والعراق والأردن ومصر وتونس والمغرب والجزائر، كما أن 54 في المائة من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج لا يعودون إلى بلادهم، كما تشير هذه الدراسات إلى أن 20 في المائة من خريجي الجامعات العربية يهاجرون إلى الخارج، ونحو 60 في المائة ممن درسوا في الولايات المتحدة خلال الثلاثين عامًا الأخيرة لم يعودوا إلى بلادهم، و50 في المائة ممن درسوا في فرنسا لم يعودوا أيضًا إلى بلادهم.

وبحسب هذه الدراسات، فإن الوطن العربي يساهم بنحو 31 في المائة من الكفاءات والعقول المهاجرة من الدول النامية ككل، كما أن نحو 50 في المائة من الأطباء و23 في المائة من المهندسين و15 في المائة من العلماء من مجموع الكفاءات العربية يهاجرون إلى أوروبا والولايات المتحدة وكندا، و75 في المائة من الكفاءات العلمية العربية مهاجرة إلى ثلاث دول، تحديدًا هي بريطانيا وأميركا وكندا.

وأشارت إحصائيات أخرى إلى أن إجمالي الإنفاق على العلماء في الغرب يعادل ضعف إنتاج النفط العربي سنويًا، وأن 12 في المائة فقط من بلدان العالم تستحوذ على95 في المائة من العلماء.

تداعيات سلبية

تفرز هجرة العقول العربية إلى البلدان الغربية عدّة آثار سلبية على واقع التنمية في الوطن العربي، ولا تقتصر هذه الآثار على واقع ومستقبل التنمية الاقتصادية والاجتماعية العربية فحسب، ولكنها تمتد إلى التعليم في الوطن العربي وإمكانيات توظيف مخرجاته في بناء وتطوير قاعدة تقنية عربية، ومن أهم الانعكاسات السلبية لنزيف العقول العربية المهاجرة.

وتمثل هجرة العقول العربية استنزافًا لشريحة مؤثرة وفاعلة في المجتمع العربي، ولها دور بارز، وبالذات في المرحلة الحالية، حيث شرعت أغلب البلدان العربية وبخاصة النفطية منها بتنفيذ خطط تنموية واسعة النطاق، وهي بلا شك بأمسّ الحاجة إلى الكفاءات العلمية والأيدي العاملة المدربة القادرة على النهوض بالأعباء الملقاة على عاتقها إلى مستوى الطموح.