-

تحقيق: أمير الموسوي ــ تحرير: فضل الشريفي

- يتوجب خلق خطاباً اسلامياً يحاكي القلب والعقل بأدوات جاذبة ويدفع الشبهات عن المجتمع.

- الامام علي (ع) تبنى الخطاب الإنساني ولم يكن خطابه عرقياً او قومياً او طبقياً.

- باحث: الخطاب الإسلامي يدعو الى التسامح وحرية الأديان والعدالة.

هل الخطاب الإسلامي خطاباً إنسانياً عالمياً؟ وهل نجحت النخب الإسلامية في بلورة هذه الحقيقة (اي عالمية الإسلام)؟ ومن هي الشخصيات التي انتجت خطاباً إسلامياً ويمكن الركون اليها والتمسك بعراها والسير على نهجها؟ وما العراقيل التي تواجه صناعة الخطاب الإسلامي العالمي؟ وما المميز في هذا الخطاب؟

جملة محاور وتساؤلات يطرحها مركز الإعلام الدولي على المختصين والباحثين عبر التحقيق التالي.

مفهوم الخطاب

يذكر الخطيب السيد فراس الموسوي، ان "للخطاب الإسلامي مفهومان، المفهوم الأول: أصيل، ثابت، بسيط غير مركب، عرفته العرب، وورد في القرآن الكريم، وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وفي المعاجم اللغوية الأولى، أما المفهوم الثاني، فإنه معاصر، وذو طبيعة تركيبية يتعدى بها الدلالة اللغوية إلى المدارك الفلسفية، والأبعاد السياسية، والمرامي الإعلامية وهو ما يهمنا الآن، وردت في القرآن الكريم مشتقات خطب تسع مرات، وورد لفظ خطاب ثلاث مرات، والذي يعنينا منها ما يناسب المقام هو قوله تعالى: ﴿ وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ ﴾".

مقومات الخطاب الاسلامي

وبشأن مقومات الخطاب الإسلامي قال معاون عميد كلية العلوم الإسلامية الدكتور محمد الطائي "أن مقومات الخطاب الإسلامي واضحة ويمكن أن نختزلها  بالاتي: ان الخطاب الإسلامي ينبغي ان يكون متكئا ومنطلقا من القرآن الكريم باعتبار القرآن هو الخطاب الجامع بين أمر السماء وأمر النبي (ص) وهو خطاب الله  عن طريق جبرائيل (ع) الى النبي (ص) والى المسلمين بل الى الانسانية جمعاء وخطاب القرآن الكريم يتضمن بين طياته جملة من المواصفات التي يتصف بها كتاب الله عز وجل فهو يدعو الى الوحدة والتسامح وحرية الأديان والعدالة".

 وأردف الدكتور الطائي قائلا "يمكن ان نقول ان الخطاب يتضمن محاور مهمة هي العدالة والإنسانية والحرية، واتصور ان الخطاب الإسلامي بصورة عامة و الخطاب القرآني بنحو خاص متضمن المعاني الثلاثة التي ذكرتها، فالخطاب الإنساني الذي يتضمنه القرآن يدعو الى حرية الاديان ويدعو الى نشر العدالة بين الناس وبالتالي انها اهم المعطيات التي يمكن ان تنطلق للمسلمين جميعا ولسائر الإنسانية".

ما مهددات الخطاب الإسلامي؟ وكيف نعالجها؟

الدكتور حمزة مرتضى من الجامعة اللبنانية يذهب الى ان "المعوقات قد تكون داخلية وقد تكون خارجية، متابعاً قوله "المعوقات الداخلية متمثلة بالتربية الوالدية فمثلا قد نقدم كأرباب أسر شيئا نظريا عن التربية ولكن تعاطينا العملي قد يكون معاكس لما طرحناه نظرياً وبالتالي يكون معوق اساسي في بناء وغرس الناشئة والشباب والاطفال، وتوجد مجموعة تحديات خارجية لا أثر للخطاب الإسلامي فيها ومنها ما يسمى بالحرب النفسية وتفريغ القيم الإسلامية المحمدية كنموذج الحجاب والحياء وغيرها بواسطة مواقع التواصل الاجتماعي فاصبح الإنسان حاملا للقيم ولكن مفرغ منها فهي تحدي ومعوق خارجي تؤثر علينا وتبرمجنا من دون ان نشعر من خلال العقل الباطن".

 واستطرد الدكتور مرتضى قائلا " ذكرنا ان المسؤولية الوالدية مهمة جدا وتتمثل بالتربية الصحيحة من خلال القدوة والمحاكاة والاقتداء و مسؤولية وسائل الإعلام ومسؤولية الطلبة والمرشدين والمشايخ محورية ويستوجب أن يقدموا خطابا جديدا يحاكي القلب والعقل بأدوات واساليب جاذبة ويقدم البديل لدفع أي شبهة متعلقة بالمجتمع".

محاولات لسيطرة الثقافات البديلة على الثقافة الإسلامية

التدريسية في كلية العلوم الإسلامية في جامعة كربلاء الدكتورة بشرى حنون محسن تلفت الى أن "الحراك الآن حراك عالمي والاتجاه نحو التواصل الاجتماعي وسيطرة الثقافات البديلة على الثقافة الإسلامية، مشيرة الى ان "اتساع الفجوة بين الخطاب الإسلامي الذي من المفترض ان يكون فاعلا في المجتمع العربي وبين الخطابات المؤدلجة التي تعمل ضد الإسلام، فالخطابات المؤدلجة لها باع طويل بالإعلام وماكنتها الإعلامية قوية ومؤثرة وفاعلة".

ونوهت التدريسية محسن الى ان "الخطاب الإسلامي يفترض ان يتعاطى مع المجتمع ومع الجيل بطريقة مغايرة عن الطرح القديم الكلاسيكي، متممة حديثها " نحتاج الى طرق اكثر حداثة يخاطب بها العقول التي بدت تستقطب من قبل الثقافات البديلة لا بمعنى ان نخرج من دائرة الخطاب الاسلامي، بل طريقة طرح الخطاب الإسلامي يجب ان تتغير لأن الجيل الآن لم يعد يحتمل الخطابات الكلاسيكية في الطرح، في الخطاب نحتاج الى جيل اكثر وعي بالخطاب يستقبله الجيل الصاعد اي نحتاج الى فئة عمرية هي التي تطرح الخطاب وتتناسب مع الفئة العمرية التي تستقبل هذا الخطاب".

وواصلت التدريسية حديثها عن أسلوب الخطاب بالقول" الموضوعات التي تطرح هي شبه موضوعات مستهلكة ومكررة فنلاحظ انهم يؤكدون  على موضوعات ويكررونها بنفس الطريقة، الجيل الآن لم يعد مستعدا الى سماع محاضرات طويلة جداً ولا مستعدا ان يسمع نفس الحدث او القضية بطريقة واحدة، الجيل الحالي اصبح مهيأ أن يستلم الايقاع السريع الذي تعمل عليه مواقع التواصل الاجتماعي وبدأت تستقطب العقول بطريقة الطرح السريع واعتماد آلية تتصف ببساطة الطرح ".

نماذج عالمية في الخطاب الإسلامي

الخطيب الشيخ عقيل الطرفي تحدث عن نماذج عالمية في الخطاب الإسلامي قائلاً ان " الرسول الاكرم محمد (ص) وأهل بيته (ع) يعدون من النماذج العالمية التي مثلت الإسلام تمثيلاً حقيقياً سواء في الخطاب الإسلامي او في غيره من القضايا الحيوية الأخرى، فمثلا يمكن للباحث والمتلقي الاطلاع على سيرة أمير المؤمنين (ع) في كيفيه التعامل مع الرافضين له وهو رئيس الدولة بالمفهوم الحديث المعاصر فانظر كيف تعامل مع الخوارج الذين كفروه واباحوا دمه وهو المتمكن منهم آنذاك فلم يمارس معهم الاضطهاد او الاعتقال بل كان خطابه لهم وكما ذكر الطبري في تاريخه: (.... ان لكم عندنا ثلاثا ما صحبتمونا:  لا نمنعكم مساجد الله ان تذكروا فيه اسمه، ولا نمنعكم الفيء من مال المسلمين ما دامت ايديكم مع ايدينا، ولا نقاتلكم حتّى تبدؤنا...)". 

وأضاف الشيخ الطرفي "من الأمثلة على الخطابات الإسلامية الاصيلة ما نجده في تعامل أمير المؤمنين ع مع الأحداث في زمانه، ففي عهد أمير المؤمنين (ع )الى مالك الاشتر  يوصيه بـ ( واشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم فانهم صنفان: اما أخ لكم في الدين او نظير لك في الخلق)  فلم يحصر الإمام الرحمة والمحبة واللطف ضمن الدائرة الإسلامية وانما اعطاها مساحة بحيث تستوعب الإنسانية جميعا فكان في خطابه ينظر الى الإنسان بما هو إنسان ولم يكن خطاباً عرقياً او قومياً او طبقياً".

خطاب متكامل يتسم بالعالمية

وبصدد مرتكزات الخطاب الاسلامي العالمية تحدث الشيخ علي القرعاوي قائلا "اذا اردنا أن ننطلق من الآية القرآنية (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا) اي النبي (ص) رسولاً لجميع الناس وبالتالي نجد ان خطابه (ص) خطابا عالمياً ومن هنا يريد ان يبين القرآن الكريم بأن الخطاب الإسلامي هو خطاب عالمي وهو حياة للناس في اي مكان واي زمان بل لا حاجة للناس بطيب حياتهم الى ازيد من أن يأتمروا  بذلك الخطاب الإسلامي المعتدل ويسيروا عليه اي وأن يأتمروا  بأوامر النبي وينتهوا بنواهيه".

 وأوضح الخطيب القرعاوي ان "الإسلام دين الله تعالى انزله لهداية البشر كافة فهو ليس خاصاً بمكان دون مكان او بشعب دون شعب وبالتالي  ان الخطاب الإسلامي هو خطاب لا بد ان يتسم بالعالمية لان الله عز وجل يريده هكذا ويتضح من ذلك  ان الإسلام هو القانون العالمي الوحيد الذي يصلح لحكم الحياة الإنسانية ".

وتابع القرعاوي حديثه عن مرتكزات الخطاب الإسلامي العالمية "الخطاب الإسلامي من الله عز وجل والمخاطب هو مخلوق  لله عز وجل وبالتالي ذلك الخالق هو ادرى بالقانون الذي يصلح للذي صنعه،  وهذا ما يقول بهِ العقل، يقول بأن الصانع هو اعرف بجزئيات ما صنع  ويتضح ان القانون الذي يوضع لذلك المصنوع هو قانون متكامل، قد يكون هناك ضعف  في فهم الخطاب او انتشاره بسبب عدم تركيز الإعلام عليه ومع كل ذلك هناك خطاب إسلامي عالمي منتشر في كل ارجاءِ المعمورة".