العنف المدرسي.. حكايات موجعة يرويها الواقع

- التعنيف يعد من المفاهيم الهادمة للمجتمعات

- مختص: مشاهدة سلوكيات العنف يشجع الطالب على محاكاته واستسهاله

في صباح كل يوم باستثناء أيام العطل يصطحب (ق.م)  ابنه أحمد، (6 سنوات) من البيت الى المدرسة وهو يمسك بيده الرقيقة، وما ان يودعه باب المدرسة حتى يبقى يرافقه بنظراته الى ان يتوارى عن عينيه، وفي داخله تدب هواجس  الخشية والقلق على ابنه من ان يتعرض الى الضرب او المضايقة من أحد التلاميذ الذين يفوقونه عمرا وحجماً، ولطالما شكى أحمد الى والده من اعتداءات التلاميذ وسخريتهم منه. 

وتمتد خشية والد أحمد لتصل الى الكادر التربوي لوجود بعض الاستاذة  الذين لا يتورعون عن استخدام العصا الغليظة والضرب بعنف.

ولم تكن خشية والد أحمد مقتصرة عليه بل أصبح العنف المدرسيّ شأناً مهمّاً على الصعيد الدوليّ في تسعينيات القرن الماضي.

الطالب أحمد مهدي يتحدث عن تعرضه للعنف قائلا "بسبب تقصيري في الواجب كسر المدرس يدي اليسرى وتسبب بدخولي المستشفى لمدة ثلاثة ايام ومنذ ذلك اليوم لا ارغب بدراسة مادة الرياضيات بسبب هذا المدرس، ويصف مهدي "العنف بانه ظاهرة لا تليق بالتعليم ولا المعلم ".

حسين اركان، طالب، يروي قصة تعنيفه من قبل زملائه بالقول "حينما انتقلت من مدرسة الى مدرسة اخرى قام الكثير من الطلبة بالتنمر عليّ و كانت تلك المدة عصيبة علي إذ استمرت المضايقات قرابة سنة او اكثر الى  أن قررت ترك الدراسة وابلغت والدي فقام بشرح الحالة الى المدير فاستدعى اولياء امورهم واخبرهم عن تصرفات ابنائهم فابلغهم المدير بعدم التقرب الي وتم نقلي الى شعبة ثانية".

المعلم مهدي التميمي يذكر أن "العنف امراً مرفوض من النواح الدينية والقانونية والاجتماعية، لافتا الى  أن "الضرب يستخدمه البعض من  الاساتذة  للطلبة المقصرين والكسولين ومع كل المبررات الغير مقنعة يبقى العنف غير مقبول من الكل على حد رأيه".

ونوه قائلا "يوجد هناك طرق قانونية كثيرة للتخلص من هكذا حالات وليس من الصعب اتباع تلك الطرق اما في الوقت الحالي فأرى ان كثرة حالات التعنيف من قبل الاساتذة سببه  ان الطالب المقصر والمتهاون لا يجد المتابعة من  قبل الاهل ولا يقبل الاهالي أن تعاقبه المدرسة فيولد طالب متمادي غير مبالي بالدراسة ولا يكترث للمدرس ".

لماذا يحدث العنف المدرسي؟

  المشرف التربوي خالد جبار تحدث عن أسباب العنف المدرسي قائلا " تتعدّد الأسباب التي تؤدّي إلى حدوث ظاهرة العنف المدرسيّ أو تزيد من احتمالية حدوثها، وتتضمّن الاضطرابات النفسيّة لدى الطالب، مثل: الاكتئاب، والقلق، والتوتّر، ومشاهدة الطلاب لسلوكيات عنيفة في المنزل أو في الشوارع أو حتّى في ألعاب الفيديو أو الأفلام ممّا يُشجّعهم على محاكاة العنف واستسهاله".

ولفت الى ان "السبب الرئيس في العنف المدرسي هو الطرق المتبعة في التعيينات من قبل وزارة التربية مما ادى الى  ازدياد عدد المعلمين من دون وجود لجان مختصة بفحص السلوك لدى المقبلين على التعيين , والشاب الذي ينشأ على العنف والقسوة والكراهية سيستمر في هذا النهج حتى وان اصبح معلما او موظفا في أي مؤسسة, ويتّفق  الكثير من الخبراء على أنّ سهولة وصول الطالب إلى الأسلحة بمختلف أنواعها تُسهّل عليه استخدامها ضدّ الأشخاص أو الأشياء التي لا يُحبّها أو تُسبّب له الأذى".

أشكال العنف المدرسي

1-العنف الجسدي في المدارس: في العنف الجسدي يتم استخدام القوة الجسدية لضرب التلميذ أو يتم استخدام أداة لتنفيذ العقاب وإلحاق الضرر في جسده، ويعتبر العنف الجسدي من أكثر أشكال العنف انتشاراً وهناك أمثلة كثيرة على العنف الجسدي الضرب بالأيدي أو الأدوات، اللطم، الرفس أو الركل بالأرجل، الدفع، الخنق، الحرق أو الكي بالنار.

2- العنف النفسي ضد الأطفال في المدارس: يتمثّل العنف النفسي كل الإساءات اللفظية التي يستخدمها المعلم في حق الطلاب مثل السخرية والاستهزاء، قمع حرية الرأي وفرض الآراء بالقوة، توجيه الكلمات البذيئة للطلاب وطردهم من الحصة الدراسية وإشعاره بأنه أقل شأناً من زملاءه، كل هذه الأمور تنطوي تحت العنف النفسي.

3- العنف التواصلي: في مجتمعاتنا العربي يسود طرق التدريس التقليدية هذه الطرق التقليدية تمنع التلميذ من التواصل والحوار مع معلميه، وهذا ما يمنع التلميذ من التعبير عن آرائه وأفكاره كل هذا ينطوي تحت العنف التواصلي، هذا الشكل من أشكال العنف لا يد للمعلم بها لأنّه يتبع النظم المتبعة في المؤسسة التعليمية ولا يمكنه أن يغيرها بإرادته.

4- التحرش الجنسي في المدرسة: للأسف أصبح التحرش الجنسي في المدارس منتشراً جداً ويتمثل التحرش الجنسي في كشف الأعضاء التناسلية، إزالة الملابس، لمس الأعضاء التناسلية، التلصص على التلميذ أثناء خلع ملابسه، تعريضه لصور جنسية وأفلام إباحية، الاغتصاب، اجباره على لفظ كلمات جنسية.

ما الآثار التي يتركها العنف المدرسي على الطالب؟

يرى الباحث في الشأن الاجتماعي عباس رزاق العبادي ان "للعنف أثار سلبية وخيمة وأضرار اجتماعية تنعكس على في سلوكيات الطلبة ومن الإضرار الاجتماعية عدم قدرة الطالب على تكوين علاقات اجتماعيّة أو عاطفيّة مع الآخرين بشكلٍ طبيعي، وانخفاض قدرته على التمتّع بالمشاعر الإيجابيّة، والنفور من التقارب الجسديّ والعاطفيّ, وأما في السلوك الشخصي للطالب تؤدي إلى عدم التركيز بالدروس والى المبالاة والعصبية الزائدة أو القيام بسلوكيات ضارة كالتدخين والمخدرات حيث تؤدي بالطالب إلى الهاوية, وفي الدرجة الأساسية يعتمد العنف على علاقة الوالدين بالأبناء ومدى التفاهم فيما بينهم فالعلاقة المبنية على المحبة والاحترام تولد إنسان واعي لا يمت للعنف ولا التعنيف بصلة أما الحرمان العاطفي والتفرقة  بين الأولاد له الدور الأكبر في العنف داخل أو خارج المدرسة مما يولد إنسان مهمل يتعامل مع الآخرين بالكراهية والحقد".

وتابع العبادي حديثة قائلا " أما من الجانب العلمي يؤثر التعنيف على الطلبة بشكل كبير مسببا التهرب من الدراسة والغياب المتكرر وعدم المشاركة في الأنشطة المدرسية وكل هذا يؤدي إلى هبوط المستوى العلمي أو قد يتجه الطالب إلى ترك المدرسة فالتعنيف على حد ذاته يعتبر من المفاهيم الهادمة للمجتمعات".

كيف نتصدى لظاهرة العنف المدرسي ؟

يطرح المختصون جملة من الحلول لمعالجة العنف المدرسي 

1- العمل على الجانب الوقائي بحيث يتم مكافحة العوامل المسببة للعنف والتي من أهمها :

- نشر ثقافة التسامح ونبذ العنف .

- نشر ثقافة حقوق الإنسان وليكن شعارنا التعلم لحقوق الإنسان وليس تعليم حقوق الإنسان.

- عمل ورشات ولقاءات للأمهات والآباء لبيان أساليب ووسائل التنشئة السليمة التي تركز علي منح الطفل مساحة من حرية التفكير وإبداء الرأي والتركيز على الجوانب الإيجابية في شخصية الطفل واستخدام أساليب التعزيز .

- التشخيص المبكر للأطفال الذين يقعون تحت ظروف الضغط والذين من الممكن ان يطوروا أساليب غير سوية .

- تنمية الجانب القيمي لدى التلاميذ .

- عمل ورشات للمعلمين يتم من خلالها مناقشة الخصائص الإنمائية لكل مرحلة عمرية والمطالب النفسية والاجتماعية لكل مرحلة .

- التركيز علي استخدام أساليب التعزيز بكافة أنواعها .

- استخدام مهارات التواصل الفعالة القائمة علي الجانب الإنساني والتي من أهمها حسن الاستماع والإصغاء وإظهار التعاطف والاهتمام .

- إتاحة مساحة من الوقت لجعل الطالب يمارس العديد من الأنشطة الرياضية والهوايات المختلفة .

2- الجانب العلاجي :

- استخدام أساليب تعديل السلوك والبعد عن العقاب.

- استخدام الأساليب المعرفية و العقلانية الانفعالية السلوكية في تخفيف العنف والتي من أهمها : معرفة أثر النتائج المترتبة على سلوك العنف – تعليم التلاميذ مهارة أسلوب حل المشكلات – المساندة النفسية – تعليم التلاميذ طرق ضبط الذات – توجيه الذات – تقييم الذات – تنمية المهارات الاجتماعية في التعامل – تغير المفاهيم والمعتقدات الخاطئة عند بعض التلاميذ فيما يتعلق بمفهوم الرجولة .

- الإرشاد بالرابطة الوجدانية والتي تقوم علي إظهار الاهتمام وتوظيف الإيماءات والتلميحات ولغة الجسم عموما من قبل المعلم لإظهار اهتمامه بالطالب .

- طريقة العلاج القصصي : فالقصص تساعد على التخلص من عوامل الإحباط وتعمل على تطوير القدرات الإدراكية ، ومن خلال القصص يدرك الطفل أن هناك العديد من الأطفال لهم نفس مشكلاته ، وتفجر القصص المشاعر المكبوتة عندما يدخل الطفل في تجربة قوية من خلال تماثله أو رفضه الشديد لتصرفات قامت بها شخصية من الشخصيات مما يخفف الضغط النفسي عنده .

- ضبط السلوك وتحديد عوامله وأسبابه ثم نقوم بضبطه تدريجيا حتى نصل إلي مرحلة ضبط السلوك العنيف وفي نفس الوقت إعطاء السلوك الايجابي البديل .

موقف القانون من العنف المدرسي

الحقوقي رسول كاظم ذكر  لمركز الإعلام الدولي ان "القانون وضع اطرا قانونية يمكن من خلالها تأديب الطلبة ولم يتطرق الى الضرب بشتى الظروف ومنع العنف الجسدي بأي الأشكال .

وبين الحقوقي كاظم ان "نظام المدارس ذا الرقم 30 لعام 1978، مادة 53 والساري المفعول؛ نَصَّ على أن تستخدم الهيئة التعليمية عدة أساليب في تأديب الطلبة وتوجيههم، ومنها: النصح والتوجيه الفردي، أو استدعاء ولي الأمر إلى المدرسة من أجل التداول معه في سبيل إرشاد التلميذ، لافتًا إلى أن هذه الأساليب تتطور إلى الإنذار أو التوبيخ في مرحلة لاحقة.

وواصل حديثه "إن القانون وضع هذه العقوبات وجعل تطبيقها يتم بالتدريج في سبيل تحقيق المراد منها في مرحلة معينة، ومن دون الحاجة إلى العقوبة التي تليها، حتى يتم المراد منها في إصلاح وضع التلميذ وتقويم سلوكه، مستدركًا بأن القانون واضح، وينص في مادته الثانية على “منع العقوبة البدنية بأي شكل من الأشكال منعًا باتًا”.

وأضاف كاظم "على الرغم من وجود قوانين صارمة الا إننا نرى كثرة عمليات العنف في مؤسسات تربوية ذات أهمية بالغة ومن المفترض ان تكون هكذا مؤسسات مثالا يحتذى به بالالتزام وتطبيق القانون لا العكس".

تحقيق: أمير الموسوي

تحرير: فضل الشريفي