اعجاز مجتمع النمل في القرآن الكريم

القرآن الكريم أوضح بشكل مباشر عن حياة اغلب الكائنات الحيّة، وهنا فَصل لنا عن حياة واحدة من أصغر المخلوقات ألا وهي النملة، وجميعنا نقرأ الآية القرآنية ((حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ)).

الأهمية التي أعطاها الله  تعالى للنمل من خلال تسمية سورة كاملة من القرآن الكريم باسمها، ولنا ان نتمعن فيها معاجز كثيرة منها:

1ـ الحس القيادي/ يمكن تلمّس ذلك من خلال الأمر الصادر من تلك النملة لباقي النمل بالإيعاز والدخول  إلى مساكنهم خوفاً من جيش سليمان عليه السلام ، فراحت تحذر وتنذر من معها فالخطر قادم ، وكلمة  ادخلوا  دليل أمر من  قيادي على الجماعة فالقيادة الفطرية التي فطرها الله بهذه المخلوقات لها دورس عظيمة تفسر عظمة الخالق.

2ـ الحياة الاجتماعية/ يُبين لنا القرآن الكريم على أن النمل يبني بيوتاً خاصة تحت الأرض تعيش فيها النمل على شكل تجمعات وليس أفراد ، كما يدل على المسؤولية الجماعية إذ إن الخطر لا يدهم فرداً منهم دون آخر بل الخطر يشمل الجميع، فالفرد فيهم يعمل من أجل الكل.

3ـ السهر من اجل الجميع (الخفارة )/ هنا نلاحظ أن النملة كانت تراقب وصول جيش سليمان عليه السلام فالخفارة أو الحراسة وعند رؤيتها لجيش سليمان هرعت تؤدي واجبها للكل، ويا ليت من يتصدى للمسؤولية من بني البشر أن يحذو حذو النمل في السهر على رعاية مصالح رعيته وأمن شعبه.

4ـ رسالة سامية / في هذه الآية رسالة رائعة لبني البشر توصي بمسألة غاية في الأهمية وهي أن المجتمع إذا أراد التقدم والحفاظ والاستقرار يجب أن تعم فيه روح المسؤولية، إذ تجد أن لكل فرد من هذه التشكيلات عمله المختص به ولا يظهر عمله إلا بشكل جماعي تضامني يخص ويهم المجتمع ككل.

5ـ لغة خاصة للتفاهم/ يظهر من خلال الآية أن للنمل لغة خاصة للتفاهم والتواصل فيما بينهم ، فيذكر أحد العلماء إنه امتحن نملة ليقف على طريقة تفاهمها مع باقي النمل وذلك بوضع ذبابة ولصقها على فلينة بدبوس وألقاها في طريق النملة ، فما أن عثرت عليها النملة حتى أخذت تعالجها بفمها لمدة تزيد عن 20 دقيقة ولما عجزت عادت أدراجها إلى مسكنها وبعد ثواني خرجت النملة تتقدم عدداً من النمل حتى أوصلتهم لتلك الذبابة فوقع عليها النمل يمزقها وعاد النمل إلى مسكنه وكل فرد يحمل جزء من الذبابة ، فالنملة عندما رجعت أول الأمر لم يكن معها جزء من الذبابة حتى يعرف باقي النمل ذلك إنما كانت هناك إشارات ولغات ابلغت بها تلك النملة  لمجتمعها التى تعيش معهم فهم لديهم لغة التخاطب الخاصة.

6ـ القيادة للأنثى/ ويتضح ذلك من كلمة ( قالت ) ذكر القرآن الكريم كلمة نملة  بلفظ المؤنث: ﴿ قَالَتْ نَمْلَةٌ ﴾، فقد ثبت علمياً أن النملة الأنثى العقيمة هي التي تقوم بأعباء المملكة من جمع الطعام، ورعاية الصغار، والدفاع عن المملكة، وتخرج من الخلية للعمل, أما النمل الذكور فلا يظهر إلاَّ وقت التلقيح ولا دور له البتة إلاَّ في تلقيح الملكات، ومن خلال السياق القرآني يتضح لنا مطابقة المنظور العلمي للوحي الإلهي، وأن تلكم النملة هي الراعية لهذا الجمع الكبير من النمل.

على الرغم من بعض الردود حول تاء التأنيث في النمل لاشتمالها على المعنيين التذكير والتأنيث مثل الحمامة والشاة وقال بذلك الزمخشري والآلوسي لكن هناك من عارضهم مثل البغوي في تفسيره  إذ قال :ودليل على أنها أنثى لم تقل: ادخلن، لأنه لما جعل لهم قولاً كالآدميين .

7ـ بلاغة الإيجاز في الآية كما عبر عنه أحد الباحثين بقوله" الإيجاز فنلاحظ فيما جمعت هذه النملة في قولها من أجناس الكلام فقد جمعت النداء، والكناية، والتنبيه، والتسمية، والأمر، والنص، والتحذير، والتخصيص، والتعميم، والإشارة، والعذر. فالنداء (يا)، والكناية (أيُّ)، والتنبيه (ها)، والتسمية (النمل)، والأمر (ادخلوا)، والنص (مساكنكم)، والتحذير (لا يحطمنكم)، والتخصيص (سليمان)، والتعميم (جنوده)، والإشارة (هم)، والعذر (لا يشعرون)، فأدَّت هذه النملة بذلك خمسة حقوق: حق الله تعالى، وحق رسوله، وحقها، وحق رعيتها، وحق الجنود، فأما حق الله تعالى فإنها استُرعيت على النمل، فقامت بحقهم, وأما حق سليمان عليه السلام فقد نبَّهته على النمل. وأما حقها فهو إسقاطها حق الله تعالى عن الجنود في نصحهم. وأما حق الرعية فهو نصحها لهم؛ ليدخلوا مساكنهم. وأما حق الجنود فهو إعلامها إياهم، وجميع الخلق، أن من استرعاه الله تعالى رعيَّة، وجب عليه حفظها، والذبّ عنها، وهو داخل في الحديث المشهور: «كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته»

8- الإعجاز في كلمة ( يحطمنكم )  إذ أُشير في أحد البحوث العلمية ما نصّه "في زمن نزول القرآن الكريم لم يكن لأحد قدرة على دراسة تركيب جسم النملة أو معرفة أي معلومات عنه، ولكن بعد دراسات كثيرة تأكد العلماء أن للنمل هيكلاً عظمياً خارجياً صلباً جداً يسمى exoskeleton ولذلك فإن النملة لدى تعرضها لأي ضغط فإنها تتحطم، ولذلك قال تعالى على لسان النملة: ﴿لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ﴾، وبالتالي فإن كلمة ﴿يَحْطِمَنَّكُمْ﴾ والتي تعني التكسر دقيقة جداً من الناحية العلمية, وتشير دراسات جديدة أيضاً إلى أن جسم النمل يتركب معظمه من كمية كبيرة من السليكون الذي يدخل في صناعة الزجاج، والتحطيم هو أنسب الأوصاف للفعل الدالّ على التكسير والتهشيم والشدة, ويقول أحد العلماء جاءت العبارة ﴿لَا يَحْطِمَنَّكُمْ﴾ هنا للدلالة على طبيعة جسم النملة المفصلية  التي تحتاج إلى تحطيم، حيث يتكون جسمها الخارجي من مادة صلبة كالزجاج.

9ـ وهناك إشارات لغوية وشكلية تفاهمية عند النمل كلغة الجسد عند الإنسان.

الله تعالى ضرب لنا مثلاً لمجتمع متكامل متكاتف على بساطته لا يملك ما يملكه البشر من قوة وعقل ومكانة وأدراك حتى قال تعالى (( وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)) فلابد من التعاون والتكاتف بين أبناء الوطن الواحد من اجل إنتاج ما يجب إنتاجه فالله خلقنا من نفس واحدة وجعلنا شعوب وقبائل فالقوة والاستقرار والتقدم لا يأتي من فراغ بل من تكاتف الجميع لنأخذ عبرة من مجتمع النمل التي تعتبر من أصغر المخلوقات الحية.

إعداد: عباس نجم