صناعة الزي والعقال العربي.. مهنة تصارع الزمن من اجل البقاء

الاندثارات التي واجهت بعض الأزياء العربية والعالمية أثّرت بموروث الشعوب جراء التغيرات الكبيرة التي دخلت الى هذه الشعوب ومنها العربية، فالبعض تأثر في الموضات الغربية والبعض الآخر بقي محافظاً على هذا الموروث ألا وهو اللباس العربي والإسلامي،  فالعراق وتحديداً وسط وجنوب وغرب العراق، لا يزال محافظاً على هذا الموروث فهم لازالوا يرتدون هذه الأزياء، وعند دخولك إلى هذه الأسواق العربية تراها تعج بالمتبضّعين من فئة كبار السن او متوسطي الأعمار وحتى الشباب.

ان هذه الأزياء ليست مجرّد قطعة قماش، فهي أبعد من أن تكون بهذه البساطة، إنها دلالة على هوية بلد أو ثقافة أو خط موضة ترسمه دور أزياء عريقة. وإذا ما ذهبنا إلى الملابس الفلكلورية، فإننا نجد في مختلف دول العالم أن الرداء الطويل والمزخرف المؤلف من طبقات، كان الأكثر حضوراً في المناسبات العامة والخاصة.

محتويات اللباس العربي

أولاً: العِقال

أو ما يسمى شعبياً (بالعكال) فهو يتألف من أنواع متعددة في العراق

الأسود والمصنوع من الصوف وشعر الماعز تلبسه عامة الناس

الأبيض، في العراق كان يرتديه أمراء قبيلة ربيعة.

الزري ويتم ارتدائه في المناسبات والاحتفالات الوطنية.

الوبر وهو المصنوع من وبر الجمال (ويكون لونه بني فاتح أو أبيض).

العقال المقصّب وهو العقال الحجازي المضلّع ويرتديه في الغالب الأعيان والأمراء وسُمّي بالمقصّب لأنه يقصّب بخيوط ذهبية أو فضية.

المرعز نسبةً لنوعٍ خاص من شعر الماعز المستحضر من بادية شمال العراق وسنجار.

بالإضافة الى عِقال الشطفة، وغيرها. والاختلاف بين هذه الأنواع هو طريقة اللف والمواد الداخلة في صناعة العقال، وبعض هذه الأنواع لم يعد مستعملاً اليوم خاصة عقال الشطفة المربع، الذي كان مستخدماً قبل أكثر من مئة سنة وارتداه ملوك السعودية، وملك العراق فيصل الأول.

طريقة صنع العقال

هو عبارة عن كمية كبيرة من الخيوط تجمع على شكل حبل لتعطي العقال المرونة اللازمة، تلف بخيوط ناعمة سوداء، وقد تزين بخيوط أخرى لامعة، وطريقة لف هذه الخيوط السوداء هي التي تعطي للعقال أسمه، وتحدد نوعيته فيعرف مرتديه من أي مكان، من خلال اختلاف النوعيات، و تعرف الكثير من المدن في العراق بالأزياء التي يرتديها ساكنوها، ويعرف رجالها بنوعية ملابسهم وأشكالها التي تصبح زياً تقليدياً لهم مع مرور الوقت.

ففي وسط العراق وتحديداً في محافظة كربلاء يتكون الزي التقليدي للرجال من العقال وغطاء الرأس أو الكوفية، والدشداشة، والصاية، وهناك من يطلق عليها اسم الزبون ثم العباءة. لكن لم يحظ أي جزء من أجزاء الزي التقليدي العراقي بما يحظى به العقال من احترام وتقدير فهو  رمز قيم خاصة عند المهتمين به كالكبرياء والكرامة. فسقوط العقال حسب الأعراف العشائرية يعني سقوطاً لتلك القيم .

ثانياً: الصاية أو الزبون

من الملابس التقليدية العراقية، رداء طويل حتى الكعبين، والصاية لا تبطَّن وليس لها أكمام حيث ترتدى تحت السترة. تُلبس الصاية فوق الدشداشة او فوق الثوب واللباس. يخاط حول حافات الصاية قيطان حريري، لونه يقارب لون قماش الصاية.

الإقبال على هذا الزي يتفاوت بين فصل وآخر إلا ان في فصلِ الشتاء يختلف عن الفصول الأخرى، فينتج بمواصفات عالية لتكون ذات دفء.

ويمكن القول بأن البلاد تشهد تزايد ظاهرة لبس الزي العربي، على خلفية تزايد دور فعال للمشايخ في حل المشاكل الخلافات العشائرية، يُعتقد أنها وراء ازدهار هذه الصناعة، على أيدي بعض المهرة بمن فيهم الشباب بعد أن كانت حكراً على كبار السن.

هذه الصناعة تتم بطريقة يدوية، وتحتاج لخبرة ودقة وصانع يجيدها، مع استخدام المواد الأصلية من الخيوط لضمان المتانة.

يقول أحد المهتمين بهذه المهنة، العقال الجزء الأكبر من هذا الزي، فهو لا يمكن استيراده لذلك يصنع محلياً من خيوط الصوف والحرير والقطن، وله مقاسات وأنواع مختلفة، كالعقال الرفيع الذي يلبس في الغرب، والسميك الذي يلبس في مناطق الوسط والجنوب.

منوهاً إلى أن الصانع الماهر يتمكن من إنتاج 3 عُقُل في اليوم، حيث تتطلب صناعتها دقة متناهية في ربط الخيوط ببعضها البعض، ومن أبرز الأدوات المستخدمة في صناعة العِقال.

التسكَاة

والمدفة

والقالب

وفرشاة صغيرة وناعمة لتنظيف الخيوط الداخلة في الصناعة.

الامتداد التاريخي للعقال

تشير المصادر إلى أنه ظهر في العهد الأندلسي وبالتحديد بمراحله النهائية، إذ قرر العرب أن يلفوا رؤوسهم بربطة سوداء كعلامة تدلل على فقدهم للخلافة.

سبب التسمية

أصل العِقال جاء من العقل، والعقل مكانه الرأس، إذ كان الملوك والوجهاء يلفون رؤوسهم برباط يميزهم عن غيرهم في المجتمع فالحكمة والعقل يكونان في الرأس، لهذا نجد الكثير من المشاكل لاسيما العشائرية والمشاكل الصعبة والمعقدة تحل في الغالب بحضور المشايخ وأصحاب الحل والعقد.

ومن الموروثات المجتمعية بالعراق، في حال وقعت مشكلة بين شخصين ورمى أحدهما عقاله فهذا يعني أن المشكلة تطورت وتوسعت، ولا يمكن حلها دون اللجوء إلى العرف العشائري.

وبحسب الذي التقينا بهم في (سوق العبي) في كربلاء، فالإقبال لا يزال واسعا بعض الشيء ولربما يفسِّر ارتفاع أسعار العِقال بشكل كبير، إذ بلغ سعر الواحد نحو 10 دولارات أو أكثر بحسب النوعيات المطلوبة، بعد أن كان سعره أقل من دولار في سبعينيات وحتى منتصف ثمانينيات القرن الماضي، لتبقى هذه المهنة التاريخية في صناعة الأزياء العربية والعراقية من التراث الفلكلوري المهم للمحافظة على هذا الموروث الشعبي الأصيل.

تقرير: عباس نجم

تصوير: حسن الشمري