القراءة وأهميتها للفرد والمجتمع

اعداد/ محمود المسعودي

من المتعارف عليه ان للتعليم دورا رائدا في بناء المجتمعات وتطورها وازدهارها ,فمنذ بدء الخلق ميز الله سبحانه وتعالى نبيّه آدم (عليه السلام) بالعلم في صورة عملية للتأكيد عل اهمية العلم والتعلم وجعلها محورا أساسيا للقيادة.

ولا شك ايضا ان التعلم بدون قراءة مستفيضة وواسعة لا يكن له بناء الشخصية الانسانية المميزة التي ينشدها الله تعالى والتي يمكنها ان تؤدي الادوار المنوطة بها في مختلف المجالات، ولهذا حث الله تعالى عبر كتبه ورسالاته على اهمية القراءة ومن ذلك قوله (اقرا وربك الاكرم الذي علم بالقلم، علم الانسان ما لم) فقدم القراءة في اشارة واضحة ال كونها المقدمة الاساسية للعلم ، وانها الطريق الأمثل للوصول الى مراتب المعرفة بشتى المجالات.

فوائد القراءة

يقول الإعلامي والباحث في الفكر الإسلامي وقضايا الأديان صخر الغزالي في مقال له بعنوان(القراءة وأثرها في بناء الوعي) : ان الإسلام دين العقل والقرآن معجزة عقلية، كانت أول آية في كتاب الله اقرأ، وهي بمثابة توأم بين معجزة القرآن العقلية الفكرية وبين أساس البناء الفكري وهو القراءة، وهو انتقال محوري من ثقافة السماع والرواية الصوتية لمرحلة أكثر قوة وتأثيرا وبناء للمعرفة، وهي مرحلة القراءة والكتابة.

ويشير الى أن" الأمة السمعية أقل وعيا من الأمة الكتابية والقرائية لأن المعرفة تراكمية وتحتاج للاستفادة من تجارب من سبق والبناء عليه، والسمع يحدث به الإخبار والتعبير به عن الثقافة والمعرفة الحاصلة، بينما القراءة والكتابة يحدث بها البناء على الأسس التراكمية وبهذا يحدث الارتقاء المعرفي للبشرية".

واضاف الغزالي: ولو حاولنا أن نجمل بشكل سريع فوائد القراءة على الفرد وعلى المجتمع لما استطعنا حصرها ولكن يمكن أن نشير إلى أهمها:

أولا: الثراء والارتقاء الفكري والمعرفي: فالإنسان إذا لم يزيد معرفة وعلما لا يبقى كما هو بل يسوء استخدامه لما تحت يديه من علوم لأن معيار التصحيح والنضج غير متوفر، فحقيقة العلوم والمعارف تراكمي،  لذلك فالقراءة إنضاج وتصحيح للعلوم والمعارف، ومن لم يقرأ ولم يكتب فإن علومه قد تتعرض للانقراض والضعف والترهل وهو لا يشعر.

ثانيا: نفي التعصب والتشدد:  القارئ تتجمع لدية الكثير من الأطروحات والرؤى الفكرية المختلفة، فتتكون لديه قدرة على التوازن في الطرح و الاكتساب المعرفي بعكس من يحيط نفسه بنمط معين من القراءة فيتخذ مسارا واحدا وفكرا واحدا وطريقه واحدة، تجعل منه متقوقعا فيها وهو لا يشعر حيث يتهم كل من خارجها بالتخلف لأن بنيته المعرفية منحصرة داخل بوتقة مغلقه وهذا بسبب الانحصار الفكري الضيق.

ثالثا: مهارات الاحتجاج والجدل والاستدلال: وهذا ناتج عن غزارة الاطلاع عوضا عن مهارات كثيرة أخرى من تدريب العقل والذاكرة، ومهارات التعبير عن الأفكار لغويا وفكريا التي تحدث بسبب تراكم المعرفة والاطلاع، لتؤدي في الأخير لبناء لمهارات التحليل والنقد وفك الرموز التي تجعل من صاحبها على قدر كبير من الفهم والوعي، وهذا بدوره يثمر إنتاجا ثقافيا ووعيا اجتماعيا ينهض باي مجتمع.

القراءة... وتحسين العوامل الاقتصادية

بينت العيد من الدراسات والأبحاث المختلفة بان القراءة " تؤثّر في كافة الجوانب، منها دعم الجانب الاقتصادي لشريحة كبيرة من الأفراد, إذ إنّ إقبال الناس على القراءة يشجّع المطابع على العمل، إلى جانب تحفيز دور النشر على البحث عن الكتاب الموهوبين والجدد، وبالتالي النهضة الشاملة، وتحسين الأوضاع الاقتصاديّة لفئات كبيرة من الناس، إلى جانب خلق فرص عملٍ جديدة خاصّةً على مستوى الخدمات اللوجستية الهامة, ويمكن للقراءة أن تساهم في تحسين وتطوير الأوضاع الاقتصاديّة على المستويات الدولية أيضاً, فالقرّاء يرغبون في شراء بعض الكتب التي لا تتوافر في دولهم، مما يضطرّهم إلى شرائها من الدول الأخرى إمّا من خلال الإنترنت، أو من خلال الطرق التقليدية في الشراء".

 وأشارت الدراسات الى ان القراءة" تساعد على تحسين نوعية الحياة، وذلك من خلال تناقل المعارف بين ثقافات الأرض, فالحياة بطبيعتها تكامليّة, حيث إنّ كلّ شخص فيها يمتلك جزءاً يسيراً من المعرفة، ومن هنا فإنّ القراءة هي واسطة نقل المعارف بين مختلف شعوب الأرض وتعتبر القراءة وسيلةً من وسائل الترفيه عن النفس؛ حيث يمكن قضاء الأوقات الجميلة في قراءة بعض الكتب الخفيفة، والممتعة، والتي تقدّم فائدةً في الوقت ذاته, وتساعد القراءة وبشكل كبير على زيادة الإنتاج الأدبي؛ حيث إنّ زيادة الإنتاج الأدبي لها فائدة كبيرة جداً في تحسين الحياة الفنية، إذ إنّ عدداً لا بأس به من روائع السينما العالمية تعتمد قصصها على الروايات الأدبية، كما أنّ عدداً كبيراً من النصوص الأدبية تمّ تحويلها إلى نصوص مسرحية، ونصوص تلفزيونيّة مميّزة لاقت استحسان الجماهير العريضة".

المجتمعات الغربية وتشجيع الفرد على القراءة

وقال الكاتب هيثم الـبوسـعـيـدي اوضح في مقالة له بعنوان (تأثير القراءة على الثقافة الشخصية): من يتأمل واقع المجتمعات العربية ومن يتابع الدراسات والتقارير التي اجريت في السنوات الماضية عن واقع القراءة وتأثيراتها يدرك التراجع الذي تشهده القراءة بشكل رهيب في كافة البلدان العربية يضاف إليه قلة عدد المكتبات وتضائل أعداد دور النشر هذه مؤشرات خطيرة على الإهمال الذي تناله القراءة في زماننا من ابناء أمة أقرأ .

وأضاف " في المقابل نجد الاهتمام الكبير بالقراءة بشتى انواعها في المجتمعات الغربية وتشجيع الفرد هناك على اقتناء الكتب والمجلات المختلفة وهذا الاهتمام تجده عند الفرد الغربي في صور متعددة منها استغلاله لوقته في تصفح كتاب او مجلة حتى في حالات السفر، أما هذا الخمول والإهمال الذي يتصف به الانسان العربي تجاه القراءة يهدد الامة بحدوث عواقب خطيرة في المستقبل كفقدان الهوية وضياع المورث التاريخي الاصيل وضمور الامة عن انتاج المعرفة والوصول الى القدرات العالية في التصنيع والإنتاج وإيجاد الاعلام الفاعلين في شتى مجالات الحياة".

وأشار الى أن " إهمال القراءة نتيجة طبيعية لانتشار ثقافة غير سليمة كانت ولا زالت تعززها عدة أسباب وهي اولا وسائل الاعلام بما تبثه من برامج غير هادفة مع وجود تيار في الاعلام يسعى الى هدم القيم والمبادئ الفاضلة بما ينشره من برامج ومشاريع اعلامية فاسدة، ثانيا استبعاد المثقف العربي عن المشهد الثقافي وتراجع دوره المؤثر في طبقات المجتمع ودخوله في صراعات مع السلطة الرسمية، ثالثا تراجع دور بعض الاسرة في التمسك بالقيم والمبادئ الاصيلة واستسلامها امام المدنية الحديثة مع صعود قيم ومبادئ المادة واللهث وراء مكاسبها".

اجراءات علمية لإعادة القراءة

وفي دراسة عن واقع القراءة في المجتمع العربي وكيفية اكتساب مهاراتها لمواجهة المستقبل الرقمي أعدها الدكتور نصر الدين بابكر عبد الباسط النقيب ذكر فيها "ان علاج ظاهرة العزوف عن القراءة ضرورة ملحة في وقتنا الحالي لتدارك الموقف ومسايرة الركب المعرفي والعلمي. ومن أهم الإجراءات العملية التي نحسبها كفيلة بتنمية عادة القراءة لدى شبابنا نذكر ما لي:

1-  معرفة أهمية القراءة والوعي بكونها أهم الوسائل في تحصيل العلم.

2-  قراءة ما تميل إليه النفس كالقصص والسير والتراجم مع التدرج في القراءة وعدم اليأس من غياب الفهم  والاستئناس المتدرج والمسترسل، فالفهم والاستفادة من الكتب لا يأتي إلا بعد تدرج وصبر.

3- تحقيق الشمولية والتوازن وإعطاء القراءة والإطلاع حقها من الأوقات.

4-  إنشاء مكتبة منزلية خاصة والتعود على اقتناء الكتب وزيارة المعارض والمكتبات.

5-  الحرص على المشاركة في الأجواء العلمية، والمسابقات الثقافية وإعداد البحوث وإنجاز الدروس التعليمية.

6-  الاطلاع على مقدمة الكتاب ومعرفة المنهج والأسلوب الذي سار عليه المؤلف في كتابه للوصول إلى مضمون الكتاب والتفاعل معه.

7-  التحلي بالصبر والمثابرة مع الجد في طلب العلم والقراءة والتحصيل وعدم اليأس والملل.