التشهير والتسقيط.. ظاهرة لتفكيك المجتمع

 

اعداد: محمود المسعودي

أن التشهير عبر وسائل التواصل الاجتماعي والوسائل الاعلام بالآخرين وقذفهم وتسقيطهم بدون ادلة اصبحت ظاهرة منتشرة في العالم اجمع ، ويعد ذلك من الامور الخطيرة في تفكيك المجتمع وضياعه.

وقد عرف التشهير في الجانب القانوني على انه مصطلح قانوني يتناول جميع أشكال التعبير التي تجرح كرامة الشخص أو المؤسسة, ويعاقب على التشهير في معظم الدول وفقا لقانون العقوبات، وعلى ذلك ينطوي أيضا حكم بدفع غرامة مالية، ويعتبر التشهير انتهاكا لحق الخصوصية وضد حرية التعبير دون الاعتماد على وقائع حقيقية.

القانون وعملية التشهير

في المجال القانوني ذكر الباحث جاسم محمد هادي المالكي في مقال له نشر في مركز النهرين للدراسات الاستراتيجية : ان حق الانسان في شرفه وكرامته من الحقوق اللصيقة بالشخصية القانونية والمتفرعة عنها  اياً كانت المكانة الاجتماعية التي يتمتع بها الشخص في المجتمع لذلك كانت جديرة بالحماية القانونية وان التعدي عليها يشكل جريمة يعاقب عليها القانون العراقي .

وأضاف أنه: من خلال استعراض نصوص قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل واستناداً الى المواد (433) و(430) من قانون العقوبات يمكننا ان نعرف التشهير او القذف بأنه( إسناد واقعة معينة الى الغير بإحدى طرق العلانية من شأنها لو صحت استوجب عقاب من اسندت اليه او احتقاره في أهله ووطنه) .

التنظيم القانوني للتشهير

ان دستور جمهورية العراق النافذ لسنة 2005 قد نص في المادة (38) منه على ما يلي (تكفل الدولة بما لا يخل بالنظام العام والآداب أولاً : حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل ثانياً : حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر ) مع التنوية ان القانون لا يسمح بالتعرض لحياة الناس الخاصة إلا بالقدر الضروري الذي يحقق المصلحة العامة وان الديمقراطية لا تعني التشهير، ولذلك يجب ان يكون النقد هادفا وبناء بقصد عرض الحقيقة لان خلاف ذلك يعد تشهيراً وان التشهير جريمة يعاقب عليها القانون لكونه يمس حرية وكرامة وحرمة الانسان .

وأشار الباحث الى أن: المشرع العراقي قد عالج هذه الجريمة في قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 المعدل في الباب الثاني الفصل الرابع تحت عنوان ((القذف)) حيث نصت المادة (433) من قانون العقوبات العراقي .

اركان الجريمة

ان جريمة التشهير تتحقق اذا توافرت فيها الاركان التالية :

اسناد واقعة معينة الى الغير ومثال ذلك عندما يسند القاذف الى المقذوف بأنه شخص غير نزيه ويتهمه بالاختلاس او الرشوة او التزوير .. الخ .

يجب ان يكون الفعل المكون للجريمة (القذف) بإحدى طرق العلانية ونأخذ منها على سبيل المثال اذا حصل القذف عن طريق الاعلام او الصحافة او المطبوعات .. الخ .

يجب ان يكون القذف قد صدر من قبل القاذف الى المقذوف بقصد جنائي اي يجب توافر العلم والإرادة لدى الجاني بان الفعل الذي سوف يرتكبه يستوجب العقاب وبخلاف ذلك اذا انتفى القصد الجنائي او كما يسميه البعض القصد الجرمي تنتفي الجريمة .

عقوبة الجريمة

ان المشرع العراقي قد نظم احكام جريمة التشهير او القذف وأورد لها نصوصا تحكمها استناداً الى المواد (433) و (430) من قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 المعدل ، يضاف الى ذلك ان المشرع العراقي اعتبرها من جرائم الجنح وجعل لها عقوبة الحبس او الغرامة .الا ان المشرع لم يحدد لهذه الجريمة عقوبة الحبس المقيد بمدة محددة وإنما جعل لها عقوبة الحبس المطلق والمقصود بالحبس المطلق الحبس (24) ساعة الى (5) سنوات او غرامة لا تقل عن (201) مائتان وواحد ألف دينار وان لا تزيد عن (1000.000) مليون دينار .

وفي حالة حصول الجريمة باحدى طرق العلانية عدت ظرفا مشددا . اما اذا حصلت دون علانية عد ذلك ظرفا مخففا استناداً الى المادة (435) من قانون العقوبات العراقي .

فرق بين النقد وبين القذف

من جانبه قال الخبير القانوني طارق حرب في تصريح صحفي أن "كل قذف تشهير بالآخرين يعتبر جريمة، وهناك فرق بين حرية الرأي والتعبير والنقد وبين القذف.

وأكد حرب أن قرار المحكمة لا علاقة له بحرية الرأي والتعبير، مشيراً الى انه بإمكان المواطن ممارسة حرية الرأي والتعبير في إطار الحقوق الدستورية المقررة، لافتا الى ان هذه الحقوق مصانة للمواطن، لكن حينما يتحول الرأي الى جريمة، فإن قرار المحكمة يشمل ذلك.

واشار حرب الى ان "وقوع جريمة القذف والتشهير لا يهم بأي وسيلة كان، سواء في الفيسبوك او في التلفاز او في صحيفة او في أية وسيلة إعلامية، لان الجريمة واقعة بغض النظر عن الوسيلة التي من خلالها تم القذف والتشهير وان ما ينشر في وسائل الاعلام من قذف وتشهير يترتب عليه تشديد العقوبة، لان وسيلة الإعلام لها مشاهدين وقراء كثيرين".

وبين حرب الى انه: من الصعوبة إثبات وقوع جريمة القذف على مواقع التواصل الاجتماعي، لافتا الى أن مسألة الإثبات شئ ووقع الجريمة شئ آخر، وان قرار المحكمة جاء على خلفية نظرها في قضية قذف وتشهير وقعت على موقع الفيسبوك.

الدفاع عن النفس بتشهير الاخرين

وفي مقام الدفاع عن النفس أمام موجات التسقيط التي تنال البعض أوضح الكاتب عبد الهادي البابي في مقال بعنوان(عقدة الإسقاط أو التشهير) نشر في جريدة الزمان أن التشهير:هو عملية نفسية ينسب الشخص من خلالها ويحوِّل صفاته أو مشاعره أو رغباته أو نزواته أو أفكاره التي لا يرغبها ويخجل من الوعي بكونها جزءاً من ذاته يحولها الى شخص آخر فهو يتهرب لاشعورياً منها بطردها عن نفسه أولاً ، ثم إلصاقها بالغير أو اتهامه بها ثانياً كنوع من تبرئة الذات أو الدفاع السلبي عنها ..! فإنه عبارة عن تخلص من كل ما هو سيء في الذات باتهام الآخرين به ..أو عملية أو حيلة نفسية دفاعية مزدوجة.

وأشار الى أنه: متى ما رأينا عيوبنا في الناس مِلنا إلى وعظهم واشتددنا في محاسبتهم على عيوب نتسم بها نحن ولا ندري، فيكون الوعظ والنشر والإرشاد في هذه الحالة مظهراً للإسقاط ، ولهذا نرى أن أحكامنا على الغير كثيراً ما تكون أحكاماً على أنفسنا، فهي اعترافات أكثر من أن تكون اتهامات، ولكن أكثر الناس لا يشعرون. أما المظهر الثاني للإسقاط : فهو لوم الغير على ما نلقاه من صعوبات وفشل وما نقع فيه من أخطاء، فكثيراً ما نعزو الرسوب في الامتحان إلى صعوبته، والفشل في المشروعات إلى الحظ، وسوء سلوك الطفل إلى وراثته لا إلى سوء تربيتنا إياه !!.

 وبين بعد ذلك: أن الإسقاط يؤدي غرضاً مزدوجاً ،  ففيه نتخفف من مشاعرنا ودوافعنا البغيضة، وفيه نكون في حلّ من نقد الآخرين ولومهم وتوجيه الأذى إليهم قبل أن يوجهوه إلينا.. مشيرا أن" الإسقاط يختلف عن التبرير الشخصي للتصرفات الفردية ، لأن التبرير يدخل في باب الدفاع والاعتذار، بينما الإسقاط اتهام وقذف واعتداء على خصوصيات الآخرين ورميهم بأشياء غير موجودة فيهم والعمل على إسقاطها عليهم، ولكنها أكيد موجودة في شخصية من قام بعملية الإسقاط والتشهير" .

أجواء الوئام والوفاق في المجتمع احب الى الله

وفي هذا الاطار انتقد سماحة الشيخ حسن الصفار بشدة مجابهة الآراء الفكرية والاجتهادات الدينية المختلفة باستخدام أساليب التشهير والتسقيط الاجتماعي والتعبئة السلبية والحض على الكراهية تحت عناوين دينية.

وقال الشيخ الصفار: "إن أحدًا لا يستطيع في هذا الزمن أن يمنع أحدًا من التعبير عن رأيه في القضايا الدينية والفكرية والاجتماعية".

وعلل ذلك بالقول: "لقد تعززت ثقة الناس بأنفسهم وأتيحت لهم سبل الاطلاع العلمي والمعرفي وتوفرت بين أيديهم وسائل طرح أفكارهم وآرائهم"وأوضح رفضه الشديد " هتك حرمات الآخرين "

وأوضح أنه : للردّ على رأي أو فكرة قد تكون ضمن دائرة النظريات الاجتهادية أو حول مسألة جانبية جزئية" مبينا أن: من أهم الجوانب التي يحتاج المسلمون الى قراءتها في السيرة النبوية الشريفة هي النهج النبوي في إدارة التنوع والاختلاف وصناعة أجواء الوئام والوفاق الاجتماعي,وإن أجواء الوئام والوفاق في المجتمع أحب الى الله تعالى من حالة التشنج والتوتر التي تلوث النفوس بالأحقاد والأضغان وتدفع الى القطيعة والتباعد وتسبب النزاعات والخصومات".

وأكد: إن سيرة النبي  في تصحيح الأخطاء بالحكمة ولين الجانب تمثل رسالة لمن يهاجمون من يخالفهم الرأي بأسلوب التشهير والإسقاط والتعبئة والتحريض على الكراهية بزعم الغيرة على الدين.

وتابع القول إن النبي في مقام التوجيه والتصحيح "لم يكن يشهّر بالطرف الآخر ولا يعبئ ضده ولا يحرّض على كراهيته وإنما كان يبين وجه الخطأ في قوله أو فعله مع صيغة تعميم"، مثل قوله  "ما بال أقوام يقولن كذا وكذا. أو يفعلون كذا وكذا".

وأسف الشيخ الصفار للحالة "البدائية والانفعالية" التي تسود مجتمعاتنا والتي يتحول معها أي اختلاف في الرأي إلى مشكلة اجتماعية ويدفع للنزاع والخصومة, وإن مجابهة الآخرين باستخدام أساليب التشهير والتسقيط الاجتماعي والتعبئة السلبية تحت عناوين دينية ربما يدفع أولئك للدفاع عن أنفسهم والرد باستخدام الأساليب نفسها.