المنبر الحسيني صدى الرسالة ومرآة المجتمع

يعد المنبر الحسيني من وسائل التواصل الخلاقة التي كونت علاقة وطيدة مع الجماهير وقد اضطلع المنبر بجملة من المهام والوظائف تتمثل في التعريف بفحوى الإسلام وشرائعه ومظلومية أهل البيت ((عليه السلام)) وسرد الاحداث والوقائع التاريخية بأسلوب علمي محبب كما انه يقوم بتلبية حاجات المجتمع المعرفية ويؤدي دور التثقيف السياسي والتنشئة الاجتماعية وغير ذلك من مهام.

التقرير التالي لمركز الاعلام الدولي يلقي المزيد من الضوء على الموضوع.

طرح القضايا العقائدية بالدليل والبرهان والرد على الشبهات

يذكر معاون رئيس قسم الشؤون الدينية في العتبة الحسينية المقدسة الشيخ عبد الامير المنصوري ان "المنبر الحسيني عمد الى اداء جملة من المهام والواجبات منها، تعزيز الجنبة العبادية و ربط الناس بالله عز وجل ورسوله (صلى الله عليه وآله) واهل البيت (عليه السلام) و عرض الموروث الروائي لأهل البيت عليهم السلام من احاديث شريفة وتعاليم دينية وتربوية ليتسنى للمجتمع الاطلاع على نهج أهل البيت (عليهم السلام ) امتثالا لقول الامام الرضا(عليه السلام) (رحم الله عبد أحيا امرنا ….يتعلم علومنا ويعلمها الناس، فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا)، ويهدف المنبر الى معالجة الكثير من المشاكل الاخلاقية والسلوكية و الاجتماعية كحقوق المرأة والاولاد وحقوق الجار والحقوق والمسائل الاخرى وفق منظور إسلامي".

واستطرد في حديثه قائلا ان" المنبر يهتم بالمسائل العقائدية والكثير من الخطباء الراحلون والحالين يطرحون القضايا العقائدية بالدليل والبرهان والرد على الشبهات، وللمنبر دور بارز في حل الاشكالات السياسية وفي هذا الميدان يتم  توجيه السياسيين وفق نظرة المرجعية الدينية العليا".

نقد الاوضاع السياسية وتوعية المجتمع وتحشيد الرأي العام

وفي بحث تعنون بـ  دور المنبر الحسيني في الإصلاح والتوعية الإسلامية لـ ا. م. د. عماد جاسم حسن الموسوي ذكر ان "المنبر الحسيني يسعى الى تحقيق اهداف اجتماعية واخلاقية من خلال نقد الاوضاع والعادات غير اللائقة بالمجتمع الاسلامي، لاسيما بعد التطور الذي حل بالعالم ودخول العديد من ثقافات الشعوب غير الإسلامية المسمومة التي أخذت تنخر في جسد الأمة الإسلامية وسط صمت رهيب من قبل المؤسسات الحكومية بداعي فسح المجال أمام الحرية الموهومة والديمقراطية المزيفة التي تتنافى مع الشريعة الإسلامية وبدعوى حقوق الإنسان، لذا اخذ المنبر الحسيني بهذه المهمة وأصبح ينتقد العادات وأنماط السلوك الاجتماعي السيئة".

ولفت الى ان "مهام المنبر الحسيني تعدت الحدود الاجتماعية والتربوية الى السياسية والاقتصادية، اذ اخذ المنبر يتولى مهمة نقد الاوضاع السياسية في مواجهة الطغاة والحكام الظالمين وتوعية المجتمع وتحشيد الرأي العام ضد السلطة الفاسقة الفاقدة للشرعية، وفي الجانب الاقتصادي، اخذ المنبر الحسيني يوجه الأمة الى العمل والتكافل الاجتماعي ومساعدة الفقراء، وفي الجانب الثقافي صار المنبر يعمل من اجل التصدي للاختراقات الثقافية الناتجة عن العولمة وتصدير الثقافات وخاصة بعد تطور التكنولوجيا بما فيها الإعلام والفضائيات وشبكة المعلومات الدولية".

وتابع الموسوي "على الرغم من الظروف الصعبة والتراكمات السياسية والاجتماعية القاسية التي مرت على العراق وشعبه لقرون طويلة، ألا انها لم تستطع أن تقضي على المنبر الحسيني أو إخماده، وبقيت جذوته مختزلة في ضمير الأمة الإسلامية تتفاعل مع وجدانها ومشاعرها كظاهرة فطرية أكثر منها حالة شعورية، ولان مشيئة الله سبحانه وتعالى التي لم تقض أن تبقى نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) وثورته محصورة بحقبة زمنية معينة او مكان معين، وإنما أرادت ان يستمر هذا الدور النهضوي الكبير ويسير على امتداد مسير الأمة الإسلامية، بل ويستمر مع الإنسانية جمعاء لان الإمام الحسين (عليه السلام) لم يكن حكرا على الشيعة بل ملكا للعالم باسره والإنسانية جمعاء".

ونوه الى ان "المنبر الحسيني بمثابة الخطاب المفتوح مع الجماهير المعبر عن ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) وهو برنامج تنويري مبثوث ويعد من اكثر القنوات التواصلية تأثيرا ووقعا على الواقع السياسي والاجتماعي والتربوي والسلوكي وممارسة لترجمة ثورة الامام الحسين (عليه السلام) ومبادئها الإسلامية والإنسانية وشعيرة لطالما كان احياؤها يقض مضاجع الظالمين ويؤرقهم على مر التاريخ لما تحمله من ابعاد وأهداف ثورية تاريخية وأخلاقيه وإنسانية سامية".

واكمل أ. م. د. الموسوي  قائلا "ان من أعظم المنح التي استفادتها الأمة الإسلامية من النهضة الحسينية المباركة هو المنبر الحسيني الذي كان ولا يزال منبعا يغترف منه الإصرار والعزيمة وشعلة ما فتئت تتوهج مع تقادم الدهور لنشر الثقافة والوعي الإسلامي واستنهاض الامم عبر العصور".

ولفت الى ان "المنبر الحسيني يحظى بأكبر قاعدة جماهيرية لنشر الوعي الديني وتنمية الفكر لما له من طاقات خاصة ، وعلى الرغم مما وصل اليه العالم من تطور في وسائل الإعلام، لكن المنبر استطاع ان يحافظ على مكانته ويعيش على قمة الهرم وذلك سر من اسرار المنبر وسحره الحسيني، وعلى هذا الأساس اصبح الخطيب الحسيني هو احد المصادر الأساسية لتشكيل الوعي الثقافي والفكري والسياسي في بناء الشخصية الدينية كما انه يؤثر في توجيه الراي العام لهذه الجهة او تلك لاسيما وان خطباء المنبر يؤدون دورا كبيرا في الصراع الفكري مع الثقافات الأخرى المتقاطعة مع الإسلام كالفكر المادي او الرأسمالي والعولمة، تلك الافكار التي اخذت تنخر في جسد الأمة الإسلامية متخذة مظاهر الحياة الحديثة ولمواجهة تلك الافكار قام المنبر بخدمات جليلة ليبث الافكار والنظريات المنددة والمفندة لتلك التوجهات من خلال استلهام دروس وفلسفة الثورة الحسينية وبث التعاليم والمفاهيم الإسلامية المتعلقة بحياة المسلمين في عباداتهم ومعاملاتهم فهو بذلك اداة لتوضيح طريق الإسلام الصحيح والأخذ به".

وأضاف الموسوي ان "المنبر الحسيني يحافظ على التوازن بين دائرتين او بعدين، دائرة التوجه الفكري ودائرة الخطاب العاطفي من خلال تخليده للثورة الحسينية وجعلها نشيدا ثائرا غنيا بالهدفية والرسالية والوعي ونغمة حماسية مفعمة بالعواطف الصادقة النبيلة، اي بمعنى ان تخلد الذكرى قلبا وعقلا كما خلدت عبرة وعبرة عبر الاجيال فالنهضة الحسينية من جهة مدرسة ومنهجا ومن جهة اخرى اهزوجة وقصيدة ونشيدا يسطع في تعريف الناس بالإسلام عموما وثورة الامام الحسين (عليه السلام) على وجهه التحديد واذا كان الاسلام محمدي الوجود، علوي الحدود، حسيني الخلود كما يوصف, فان دور المنبر ورسالته قال عنها الخطيب المرحوم السيد عبد الزهراء الحسيني ((ان المنبر الحسيني هو سر من اسرار نهضة الامام الحسين عليه السلام والمجالس الحسينية مدارس سيارة استفاد منها كثير من الناس قديما وحديثا مع اختلاف وتباين الادوات ومنها اخذوا اصول العقائد ومعالم الدين واحكام الشرع وهي التي غذتهم العزة والكرامة والاستماتة في سبيل الحق)".

بناء المنظومة الاخلاقية والدينية

فيما قال الشيخ انصار الاسدي من قسم الشؤون الدينية في العتبة الحسينية المقدسة "ان المنبر الحسيني منذ نشأته في زمن الامام السجاد عليه السلام والى يومنا هذا له دور مهم في توجيه المجتمع وبناء المنظومة الاخلاقية والدينية لديه وبيان جملة من الاسس والانظمة التي يحتاجها المجتمع".  

وأشار الى ان "الكثير من الطوائف الاخرى تنحى هذه المنحى إذ ينشئون بعض المنصات الشبيهة بالمنبر الحسيني ومن خلالها يوجهون الخطابات".

ولفت الى ان "هناك استهداف من قبل البعض للمنبر الحسيني الشريف وهذا الاستهداف يطال المنظومة الاسلامية، وتأتي هذه المحاولات للتقليل من شأن المنبر الحسيني الذي عرف بفاعليته وتأثيره في توجيه شرائح المجتمع".

وتابع الاسدي ان "الهجمة على المنبر الحسيني ليست وليدة اليوم بل تعود الى جذور تاريخية واكبت احداث سبي أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فعندما ارتقى المنبر الامام السجاد عليه السلام في مجلس الحاكم الاموي يزيد (لعنه الله) بدأ يعرف الناس بمقامات أهل البيت وقربهم من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويعرض مظلوميتهم عليهم السلام ويدافع عن القيم والمبادئ الإسلامية أمر الطاغية الاموي اتباعه ان يقاطعوا الامام الا ان الإمام تصرف بحكمة وواصل خطبته في الحاضرين حتى أحدث تأثيرا فاعلا مما تسبب في خشية الحاكم الاموي على مركزه، والان تجد البعض يتهجم على المنبر الحسيني وينعته بالوهن والضعف والتخريف, ولكن العقلاء واصحاب الرأي والشأن يعمدون الى تقوية المنبر وزيادة  الحضور والتفاعل".

  تقرير: عماد بعو  تحرير: فضل الشريفي

مجلة الروضة الحسينية