إيسن .. عاصمة لإمبراطوريات عظيمة في بلاد ما بين النهرين

تعد مدينة إيسن مركز الإشعاع الحضاري ومحور سياسي في بداية العصر البابلي القديم وتمكنت بفضل هذا الموقع أن تسيطر على منطقة واسعة في ذلك الوقت. وتعاقب على حكمها سلالات مثل سلالة ايسن الأولى وسلالة السومريين والبابليين.

وتقع مدينة إيسن في العراق - محافظة الديوانية على مسافة 24 كلم جنوب مدينة عفك، ونحو 200 كيلومتر جنوب شرق بغداد ونحو 35 كيلومتر جنوب غرب نيبور.

وبعد زوال الحكم السومري المتمثل بسلالة أور الثالثة أصبحت إيسن الوريثة لأور في حكم بلاد سومر وأكد، وارتفع شأنها حتى غدت القوة المسيطرة على إرث سلاسة أور الثالثة من دلمون حتى أرابخا، فدانت لها مدن عظيمة مثل أوروك، أور، أريدو، أوما، لكش وكزالو وغيرها، وحكمت فيها سلالة دعيت بسلالة إيسن الأولى ما يقرب من قرنين وربع القرن من الزمن.

عمليات التنقيب

في نهايات القرن الماضي عملت في المدينة بعثة من جامعة بنسلفانيا بالاشتراك مع بعثة أخرى من جامعة فيلادليفيا وفي عام 1902ـ1903م عملت هناك بعثة ألمانية.

واكتشفت إيسن بالتحديد في زمن الحرب العالمية الأولى عبر الحفريات والمسوحات ألواح مسمارية تحمل إحداها اسم (لبت- عشتار) والآخر اسم مدينة إيسن، وقطع تعود إلى حقبة الملك نبوخذ نصر الثاني.

وذكرت المدينة في كتابات مسمارية من الألفية الثالثة قبل الميلاد. وأثرت حضارتها مع بدأ الألفية الثانية قبل الميلاد على تاريخ بلاد بين الرافدين.

وتتوسط المدينة منطقة تحتوي مدناً مهمة جداً منها "نفر و"أدب" و أور و"شروباك" وأبو صلابيخ و"دلبات" و"بروسبا" و"مرد"، مما أعطاها أهمية كبيرة.

أهميتها

اكتسبت هذه المدينة أهمية بالغة بعد أفول نجم السومريين السياسي بسقوط إمبراطورية سلالة أور الثالثة على أيدي العيلاميين، لأنها تعد من وجهة نظر ملوكها الوريثة الشرعية لأور في حكم البلاد، وكانت إيسن قبل هذا العهد تحظى بأهمية قليلة مثل مدن عدة لم يكن لها دور فعال ثم أصبحت بصورة مفاجئة عواصم لإمبراطوريات عظيمة ومن هذه المدن أكد، بابل. ومما زاد في أهمية مدينة إيسن أنها كانت مشهورة بأطبائها. وتعد مركز الطب البابلي والمكان الذي يشفى فيه المرضى، ومركز عبادة "غولا" آلهة الصحة والشفاء في عقائد بلاد الرافدين والمسؤولة عن الطب والأطباء.

شهرتها

اكتسبت إيسن الشهرة بسبب ملوكها الأربعة الأوائل للسلالة الأولى لامتيازهم بالقوة ونشاطهم العسكري، فقد امتد نفوذهم إلى مناطق بعيدة حتى غدت سلطة أيسن تمتد من دلمون جنوباً إلى أرابخا شمالاً، ومما يجدر ذكره أن حكم الملك "أدن ـ داكان" يمثل ذروة ما وصلت إليه هذه المدينة من حيث القوة والمنعة وسعة النفوذ. أما الملك الخامس لبت ـ عشتار فقد حظي بشهرة واسعة لا بسبب قوته العسكرية بل بسبب سَنهِ لقانون يعد من أنضج القوانين القديمة، ومن أهم ما يتميز به هذا القانون الذي عرف بقانون "لبت ـ عشتار" تقسيمه الذي صار فيما بعد قاعدة للقوانين اللاحقة له، حيث المقدمة والمواد القانونية والخاتمة، وتسبق المواد القانونية بتعبير يقابل "إذا" في اللغة العربية.

وجاءت شهرة الملك "دامق ـ أيليشو" كونه الملك الأخير لهذه السلالة وكذلك لطول مدة حكمه ومقدرته الإدارية والعسكرية، ولكن قوة الملك "ريم ـ سين" وهجومه على مدينة إيسن جعلا إصلاحات "دامق ـ أيليشو" غير نافعة فسقطت إيسن في عهده على يد "ريم ـ سين" في عام 1794ق.م.

سلالة إيسن الثانية

وبقيت المدينة على هذا الحال حتى عهد حمورابي فدانت لـه ولخلفائه من بعده ومن ثم لسلطة الكشيين، وبنهاية حكمهم استعادت مدينة إيسن شهرتها وعظمتها فتأسست فيها سلالة حاكمة عرفت باسم سلالة إيسن الثانية أو سلالة بابل الرابعة التي أسسها "مردوخ ـ كابت ـ أخيشو". والتي انتقلت إلى مدينة بابل، التي صارت عاصمة لملوك هذه السلالة حتى نهاية حكمها في حدود عام "1026" واكتسب مؤسسها شهرة واسعة لإنجازاته التي قام بها ومنها تأسيسه لسلالة حاكمة تعد السلالة الوطنية الأولى بعد سقوط بابل على يد الحثيين عام "1595ق.م"، وكذلك لطرده الحامية العيلامية التي تركت في بابل، يأتي بعده من حيث الشهرة السياسية الملك الرابع نبوخذ نصر الأول بسبب أعماله الجبارة التي قام بها المدينة والعسكرية فعلى الصعيد المدني شهدت المدن العراقية المهمة في عهده حركة إعمار واسعة شملت قصورها ومعابدها، أما على الصعيد العسكري فقد كان محارباً شجاعاً دلت على ذلك غزواته المتكررة للدولة الآشورية وكذلك غزواته لبلاد عيلام حيث حقق أعظم نصر لـه على بلاد عيلام في غزوته الثانية وكانت في شهر تموز، ومن أشهر الملوك بعده الملك "أدد ـ أبلا ـ أدنا" الذي قام به من أعمال عمرانية كبيرة فقد قام بتعمير معابد الآلهة العراقية القديمة في المدن الكبيرة مثل إيسن، أور، الوركاء وبابل وغيرها وكذلك عمل على عقد اتفاقية مع الدول الآشورية أنهى بها حالة النزاع بين الطرفين.

اعداد عامر الشيباني

مجلة الروضة الحسينية