مسجد الكوفة.. مَزار الانبياء و رابع المساجد المعظَّمة في الاسلام

تقرير: صباح الطالقاني
تصوير: رسول العوادي

قبل البدء بالتعريف المادي والمعنوي لمسجد الكوفة، لا بد من إلقاء الضوء على المدينة التي احتضنت هذا الصرح المعظّم، والكوفة هي مدينة معروفة على مستوى العالم العربي والاسلامي لكونها كانت عاصمة للدولة الاسلامية إبان خلافة امير المؤمنين علي عليه السلام، وتقع في وسط العراق ضمن محافظة النجف، وأصبحت في الوقت الحاضر ملتصقةً مع مركز مدينة النجف من الجهة الغربية، فلا يفصلهما سوى 8 كيلومترات تقريباً من الأبنية والأحياء السكنية المتصلة ببعضها.

ويقع نهر الفرات في الجهة الشرقية من الكوفة، لذا فإن مناخها يتصف بالاعتدال وأرضها وضواحيها خصبة وصالحة للزراعة منذ القِدم، أما القسم المحاذي من النهر للمدينة فيسمّى شط الكوفة.

المسجد المعظّم

هو رابع المساجد الأربعة التي تحتل مكانة مرموقة لدى المسلمين، وهي المسجد الحرام، ومسجد النبي محمد صلى الله عليه واله، والمسجد الأقصى، كما يعتبر أحد أقدم الأماكن التاريخية والمقدسة وأهمها، لاستقطاب الزائرين إلى العتبات المقدسة في العراق من مختلف مدن العالم الاسلامي.

تفيد الروايات المعبّرة عن تراث أهل البيت عليهم السلام، بأنّ أول من وضع الحجر الأساس للمسجد وشيّده هو النبي آدم عليه السلام، ثم أعاد إعماره النبي نوح عليه السلام بعد الطوفان. ثم زار المسجد على مدى التاريخ القديم، أنبياء وأوصياء منهم سول الله محمد صلى الله عليه واله، وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب والسبطين الحسن والحسين عليهم السلام.

قام المسلمون في سنة 17هــ، عند أول تواجدهم في الكوفة بتعمير مسجدها، ودار الامارة، وذلك في فترة وجود سعد بن أبي وقاص وسلمان المحمدي رضوان الله عليه.

وأصبح المسجد محط الأنظار بعد ما تصدى أمير المؤمنين علي عليه السلام لخلافة المسلمين وحضر فيه سنة 36هــ، وأقام الصلاة وألقى على منبره كثيراً من خِطبِه الشهيرة، وقام بأمر الحكم والقضاء هناك لمدة من الزمن، واستشهد فيه أخيراً على يد الخارجي ابن ملجم لعنه الله.

يحيط بالمسجد بيت أمير المؤمنين علي عليه السلام ودار الخلافة ومرقد الصحابي ميثم التمار وشخصيات أخرى كـمسلم بن عقيل والمختار الثقفي وهانئ بن عروة، وفيه مقامات لعدة أنبياء..

روايات أهل البيت والمؤرخين

في رواية عن أبي جعفر الصادق عليه السلام، نقلاً عن المفضّل أنه إنتهى بمعية الإمام الصادق إلى الكناسة فنظرَ الإمام عليه السلام عن يساره ثم قال له: "ههنا صُلب عمي زيد رحمه الله"، ثم مضى حتى طاق الزياتين وهو آخر السراجين، فطلب منه أن ينزل فإن الموضع كان مسجد الكوفة الأول الذي خطّه آدم، وهو يكره أن يدخله راكباً، فسأله المفضل: "فمن غيّره عن خطته"؟ فأجاب: أما أول ذلك فالطوفان في زمن نوح، ثم غيّره بعد أصحاب كسرى والنعمان بن منذر، ثم غيره زياد بن أبي سفيان، فسأله - وكأنه مستغرب ويسمع هذا لأول مرة -"هل كانت الكوفة ومسجدها في زمن نوح"؟ فقال له: "يا مفضل، وكان منزل نوح وقومه في قرية على متن الفرات مما يلي غربي الكوفة،...إلى أن يقول: فأوحى الله إلى نوح (أن اصنع الفلك) وأوسعها وعجل عملها (بأعيننا ووحينا) فعمل نوح سفينته في مسجد الكوفة بيده يأتي بالخشب من بعد حتى فرغ منها".

ويقول ابن الأثير، اختطّت الكوفة في سنة 17هـ وتحوّلَ سعد إليها من المدائن. والسبب يعود على بعض الروايات إلى وصول خبر وخومة البلاد وتغيير ألوان جيوش المسلمين وحالها، إلى عمر، فأبعث سلمان وحذيفة رائدين، فليرتادا منزلاً برياً بحرياً ليس بينه وبينهم بحر ولا جسر، فأرسلهما سعد، فخرج سلمان حتى أتى الأنبار فسار في غربي الفرات لا يقتنع بموضع حتى أتى الكوفة، كما سار حذيفة في شرقي الفرات لا يقتنع بموضع حتى أتى الكوفة، - وكل رملة وحصباء مختلطين فهو كوفة - فأتَيا عليها فأعجبتهما البقعة فنزلا فصليا ودعوا الله تعالى أن يجعلهما منزل الثبات، ولما نزلها سعد كتب إلى عمر ووصف له الكوفة، واستأذن أهل الكوفة في بنيان القصب، واستأذن فيه أهل البصرة أيضا، واستقر منزلهم فيها في الشهر الذي نزل أهل الكوفة بعد ثلاث نزلات قبلها.

تواريخ مفصليّة

يذكر الباحث فائق عبد الحسين الشمري، في مؤلَّفه (الكوفة المدرسة العلوية الكبرى) انه في ولاية عبيد الله ابن زياد تم تعزيز بناء مسجد الكوفة بأساطين، ولما تولّى الحجاج بن يوسف الثقفي ولاية الكوفة هدم المسجد، ثم أعاد بنائه.

ويصف الرحالة الاندلسي ابن جبير المسجد يوم زار الكوفة سنة 580هـ قائلاً:"والجامع العتيق آخرها مما يلي شرق البلد، ولا عمارة تتصل به من جهة الشرق، وهو جامع كبير في الجانب القبلي منه خمسة أبلطة وفي سائر الجوانب بلاطان..."

وفي عام 726هـ قدّم الرحالة المغربي ابن بطوطة صورة اخرى للمسجد حين زار الكوفة وسجّل مشاهداته حيث يقول:" وجامعها الاعظم جامع كبير شريف، بلاطاته سبعة قائمة على سواري حجارة ضخمة منحوتة، قد صنعت قطعاً ووضعت بعضها على بعض وأفرغت بالرصاص وهي مفرطة الطول..."

وفي عام 1181هـ انبرى العلامة السيد مهدي بحر العلوم لتعيين مقامات المسجد الشريفة، وبنى فيها العلامات والمحاريب الدالة عليها، بعد أن دفن ارض المسجد بالتراب الطاهر..."

في عام 1260هـ شيدت مئذنة مسجد الكوفة في المدخل الرئيس للمسجد المعروف بمدخل باب الفيل، من قبل الشيخ صاحب الجواهر، وذلك ببذل احد ملوك الهند امجد علي شاه.."

وفي عام 1307هـ، قام الميرزا الحاج ابو القاسم الكلباسي بهدم الغرف التي شيدها السيد بحر العلوم وجعلها ايوانات مطلّة على ساحة المسجد.."

وبعد عدة مراحل هدم واعمار، وفي سنة 1374هـ تم تجديد مدخل المسجد الرئيس، وهو مدخل الباب المعروفة حالياً بباب الثعبان، وذلك من قبل الحكومة العراقية آنذاك.

المسجد حاضراً

يبلغ طول المسجد 110 أمتار وعرضه 101، وتبلغ مساحة المسجد 11.162 متراً، ويحيط به جدار بارتفاع 10 أمتار.

وتبلغ مساحة صحن المسجد 5642 مترا، وتصل مساحة حجرات المسجد إلى 5520 مترا. وهناك 187 عموداً، و4 منارات اثنان منهما قديمتان واثنان مربعتان كبيرتان، استحدثت في ركنَي المسجد الغربي والشرقي يبلغ ارتفاع كل واحدة منها 30.85 متراً.

وللمسجد خمسة أبواب في الوقت الحاضر هي: باب الحجة (البوابة الرئيسية) وباب الثعبان، وباب الرحمة، وباب مسلم بن عقيل، وباب هانئ بن عروة.

فضائل المسجد

وردت روايات في فضيلة مسجد الكوفة منها ما تعده قطعة من رياض الجنة، ومنها ما تدل على أنه سوف تتخذ مدينة الكوفة مركزاً لحكومة صاحب الزمان المهدي عجل الله فرجه والمسجد مقراً لقيادته.

قال أمير المؤمنين علي عليه السلام في وصف مسجد الكوفة:"...وفي وسطه عين من دهن، وعين من لبن، وعين من ماء، شراب للمؤمنين وعين من ماء طهور للمؤمنين"...

منقول عن الاصبغ بن نباتة قال: بينا نحن ذات يوم حول أمير المؤمنين عليه السلام في مسجد الكوفة، إذ قال: يا أهل الكوفة، لقد حباكم الله عز وجل بما لم يحب به أحداً، ففضّل مصلّاكم، وهو بيت آدم، وبيت نوح، وبيت إدريس، ومصلّى إبراهيم الخليل، ومصلّى أخي الخضر عليه السلام، ومصلّاي، وإن مسجدكم هذا أحد الأربعة مساجد التي اختارها الله عز وجل. لأهلها، وكأني به يوم القيامة في ثوبين أبيضين شبيه بالمحرم، يشفع لأهله ولمن صلّى فيه، فلا ترد شفاعته، ولا تذهب الأيام حتى ينصب الحجر الأسود فيه، وليأتين عليه زمان يكون مصلّى المهدي من ولدي، ومصلّى كل مؤمن، ولا يبقى على الأرض مؤمن إلا كان به أو حنّ قلبه إليه، فلا تهجروه، وتقربوا إلى الله عزّ وجل بالصلاة فيه، وارغبوا إليه في قضاء حوائجكم، فلو يعلم الناس ما فيه من البركة لأتوه من أقطار الأرض ولو حبواً على الثلج.."

وعن الإمام الصادق عليه السلام، قال: تتم الصلاة في أربعة مواطن: في المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه واله ومسجد الكوفة وحرم الإمام الحسين عليه السلام."

وعن أبي الحسن الرضا عليه السلام: الصلاة في مسجد الكوفة فرداً أفضل من سبعين صلاة في غيره جماعة".

المقامات في المسجد

من المقامات التي نُسبت إلى الأنبياء والأولياء في هذا المسجد، ولبعضها أعمال خاصة بها:

-موقع عند باب المسجد يبدو وكأنه منصّة يجلس عليها أمير المؤمنين ويجيب عن أسئلة السائلين.

-الأسطوانة الثالثة: وهي مقام الإمام زين العابدين عليه السلام، يحاذي هذا المقام من ناحية القبلة دكّة باب أمير المؤمنين عليه السلام ومن الغرب باب كندة، وهو مسدود الآن.

-الأسطوانة الرابعة: الواقعة إلى جانب باب الأنماط بحذاء الخامسة وهي أسطوانة إبراهيم عليه السلام، وبرأي المحقق القمّي أنّ من المقامات ذوات المزيّة في جامع الكوفة الأسطوانة الخامسة ينبغي أن تصلّى عندها وتطلب المسألات..

- الأسطوانة الخامسة: مقام جبرئيل، وكان الحسن عليه السلام يصلي عند الخامسة فإذا غاب أمير المؤمنين عليه السلام صلّى فيها الحسن عليه السلام.

-الأسطوانة السابعة: وهي مقام وفق الله تعالى النبي آدم فيه للـتوبة... ويقول المحقق القمّي بأن ما ورد من الروايات في فضل الأسطوانة السابعة كثير. وقد نقل عن الكليني أنه كان يصلّي أمير المؤمنين إلى الأسطوانة السابعة بينه وبين السابعة ممرّ عنز..

-مقام دُعي دكّة المعراج: ووجه التسمية على ما يظهر أن الرسول صلى الله عليه واله استأذن الله تعالى ليلة المعراج، فهبط إلى الأرض في هذه البقعة فصلّى ركعتين.

-بيت الطست [الطشت]: هو المكان الذي برزت فيه معجزة لأمير المؤمنين عليه السلام، في بنت عزباء... حسبها إخوتها حُبلى فراموا قتلها فأتوا أمير المؤمنين عليه السلام ليحكم بينهم...

المصادر والمراجع

1-ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الكامل في التاريخ

2-البحراني، يوسف بن أحمد، الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة

3-الحر العاملي، محمد بن الحسن، إثبات الهداة

4-الزبيدي، مرتضى، تاج العروس من جواهر القاموس.

5-الصدوق، ابن بابويه القمي، من لا يحضره الفقيه

6-الطوسي، محمد بن الحسن، الغيبة

7-القمي، عباس، مفاتيح الجنان

8-الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي

9-المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار

10-المدني، ابن معصوم، الطراز الأول

11-المقريزي، تقي الدين، إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال و الأموال و الحفدة و المتاع‏

12-بحر العلوم، مهدي، الفوائد الرجالية

13-ويكيبيديا

14-الشمري، فائق عبد الحسين، الكوفة المدرسة العلوية الكبرى