الإعلام الاسلامي واقـع وطموح

تحقيق: محمود المسعودي / علي الهاشمي

الإعلام الإسلامي ليس وليد العصر بل هو الاقدم, فمنذ المبعث النبوي الشريف بدأ الإعلام الإسلامي بنشر الرسالة المحمدية السمحاء بطرق بسيطة حسب ما كانت متوفرة في ذلك العصر, ولكن الإعلام الليبرالي استطاع بمرور الوقت اكتساح الساحات العربية مستفيدا من ضعف الكوادر والظلم والاستبداد الذي ينتهجه الحكام , واستطاع ان يحدث توازنا بين قوة إعلامه وبين قوة التيار الإسلامي العددية والتنظيمية، وحاول بكل ما أوتي من قوة عبر مسلسلاته وأفلامه العديدة الضرب في التيار الإسلامي ، وقد تأثر الكثير من الناس بالسموم التي دسها ذلك الإعلام المضلل، لاسيما في وجود إعلام إسلامي غير مساير للتطوير والتحديث.

من هنا انطلقنا لنبحث عن اسباب ضعف الاعلام الاسلامي, وإيجاد الحلول المناسبة للنهوض بواقع الاعلام الاسلامي الذي يعتبر مسلكا اساسيا في هكذا عصر، فأجرينا مجموعة من الحوارات مع اصحاب الشأن:

 

•  التكرار والتشابه سبب رئيسي لضعف الاعلام الاسلامي

الاستاذ محمد اسماعيل، رئيس شركة مدى ميديا للتصميم في لبنان قال" اذا كثرت وسائل الاعلام يكثر التحدي والسبب يرجع الى ان كل  وسيلة إعلامية تريد ان تتميز عن غيرها من اجل عملية التنافس المشروعة حسب ادعائها, ولكن في الواقع لا توجد أية وسيلة اعلامية مسموعة او مرئية او مقروءة تتميز عن بعضها البعض, فجميعها متكررة في مواضيعها ومتشابهة فالمشاهد او القارئ لا يرى الفرق الواضح بين الوسائل الاعلامية إلا الشيء القليل منها.

وعلى الوسائل الاعلامية ان تسعى للتنافس وهذا شيء ايجابي ولكن التنافس ليس على اساس التكرار، بل باختيار المواضيع الجيدة والمتميزة التي ترقى بالمجتمعات الاسلامية, فتكرار المواضيع بين الوسائل الاعلامية الاسلامية هو السبب الرئيسي لضعف الاعلام الاسلامي لأنه يحدث حالة من الملل بين المتابعين فلا يرى الشخص مواضيع مختلفة تساعد على جذب انتباهه باعتباره المستقبل للرسالة التي تبثّها القناة، والتي تحرص على ايصالها الى اكبر عدد ممكن من المشاهدين، بوقت توجد الكثير من الوسائل الاعلامية المنتشرة في بقاع الارض تنتهج مبدأ التنافس بطرق مبتكرة وجديدة تدهش المتابع وتجذب انتباهه رغما عنه..

وبخصوص استحداث وسائل اعلام اسلامية جديدة وإمكانية تأثيرها الاعلامي قال الاستاذ محمد" في الحقيقة ان استحداث وسائل اعلامية اسلامية سواء كانت مرئية او مسموعة او مقروءة  يعدّ شيئا جيدا وايجابيا ومهما لنشر المبادئ الحقيقية للإسلام, ولكن يجب ان تكون هنالك قنوات متخصصة في مجال معين، أي كل قناة لها مجال متخصص في النشر عن القنوات الاخرى, وهذا الامر يجذب المشاهد ويكون فرصة أمامه لكسب المعلومات عن الاسلام ومن مختلف القنوات الاسلامية, ولكن اذا استحدثت قنوات اعلامية اسلامية وتكون عملية الطرح مشابهة فيما بينها فهذا يؤدي الى ابتعاد المشاهد عنها، وربما يقتصر اهتمامه بمشاهدة قناة واحدة فقط ويترك الباقي، وبالتالي يؤدي الى ضعف الاعلام الاسلامي بصورة عامة".

وختم محمد إسماعيل حديثه قائلا" على العكس من هذا ما نشاهده ونسمع عنه في  الدول الغربية والأمريكية فإنهم لم يكتفوا بفتح قناة او وسيلة اعلامية واحدة, بل فتحوا الكثير من الوسائل الاعلامية وكل واحدة منها تكون متخصصة في مجال معين فترى بعضها متخصصة بالأخبار السياسية والثانية بالثقافية ومنها متخصصة بالأطفال وغيرها الكثير وتراهم يبحثون دائما عن التطور في مجال عملهم من خلال الاستطلاعات عن ماهية المواد التي يهتم بها المشاهد واضعين كل شيء امامه بغية كسب ثقته ورضاه".

•  ثقافة المجتمع سبب آخر

الاستاذ انطوان بارا، كاتب وباحث في مجال التطوير الاعلامي بيّن أن"  المنطقة العربية بدأت في العمل في مجال تطوير الاعلام حديثا، وهذا يؤثر على الاعلام الاسلامي وأيضا عدم وجود الحرية الكاملة فيما ينشر في وسائل الاعلام الاسلامية وعدم وجود تقبل لما ينشر وهذا التقبّل يأتي من ثقافة المجتمع, وأيضا غياب التنافس الحقيقي بين الوسائل الاعلامية, حيث ان الكثير من الوسائل الاعلامية تنشر موادها على رغبات بعض الجهات التي تدعمها بعيدة عن المهنية الاعلامية بل تعتمد على أفكار هذه الجهات, واذا لم يتم نشر ما تريده يتم مقاطعة تلك القنوات او الصحف وهذا يسبب ضعف الإعلام الإسلامي".

وتابع انطوان" من أجل تطوير الاعلام الاسلامي علينا ان نرتقي بثقافة المجتمع وهذا الامر يقع على عاتق الجميع، فالثقافة تبدأ من البيت والمدرسة والمنابر، لكي نبني قاعدة كبيرة في المجتمع يفهم من خلالها معنى الاعلام ودوره المتميز, وهذا الامر يحتاج تكاتف الجميع وايضا الى وقت لكي يكسب الإعلام الاسلامي حضوره القوي".

•  التخصص سرُّ نجاح العمل الاعلامي

اما السيد الاستاذ ضرير الحسن النقوي، مدير قناة (الولاية) في الولايات المتحدة الامريكية قال" بالنسبة للإعلام المطبوع في العتبة الحسينية المقدسة هو جيد من حيث التصميم والطباعة ونوعية الورق وايضا بالنسبة للمجلات التي تصدر باللغات الاجنبية, وانا بدوري متخصص بمجال الاعلام اقترح ان يكون هناك كادر متخصص في مجال الاعلام من نفس البلد، أي اذا كانت المجلة باللغة الفرنسية فيكون الكادر من دولة فرنسا، لانهم يكونون اقرب وأعرف بمشاكل بلدهم أما الإشراف العام فيكون من الجهة المسؤولة عن الإصدار، وهي العتبة الحسينية المقدسة".

وأضاف ضرير الحسن" ان الغاية من ذلك هو الوصول الى اكبر عدد ممكن من القراء الذين يساعدون على نشر ثقافة الاسلام وأهل البيت عليهم السلام بأسلوبهم وطريقة طرحهم, وأيضا اقترح ( ضرير) ان يكون هناك مجلات اجنبية متخصصة لفئات محددة مثلا مجلة متخصصة بالأطفال بلغات اجنبية، لأن هذا التوجه يعتبر من اساسيات نجاح العمل الاعلامي، وهذا ما نراه في الاعلام الغربي، فقد ترى هناك قنوات فضائية بأعداد كثيرة ولكن كل منها متخصصة في مجال معين، فترى قنوات متخصصة بالرياضة وأخرى بالأطفال وبالاقتصاد والسياسة".

•  المركزيّة ركن أساسي ومهم في العمل الإعلامي

الدكتور محمد سعيد الطريحي رئيس تحرير مجلة الموسم الصادرة في هولندا تحدّث قائلا" نلاحظ اليوم في الاعلام الشيعي مثلا ما نراه في الأمانات والمزارات الشيعية في العراق كل منها يصدر مجلات مختلفة وكلها تهدف الى نشر تعاليم ومبادئ اهل البيت (عليهم السلام), فيجب ان تكون هذه الاصدارات والإذاعات مشرفة عليها المرجعيّة العليا".

وتابع حديثه" فاليوم نرى عدم التنسيق بين هذه المطبوعات وعدم وجود مركزيّة في العمل فالمركزية شيء أساسي ومهم في مجال العمل الاعلامي, وأيضا يجب ان يكون التوزيع بصورة صحيحة, يجب أن نقوم بفتح مراكز للتوزيع في الدولة التي تصدر الإصدار بلغتها إضافة الى أن يكون طبع هذه الإصدارات في نفس الدولة التي توزّع فيها".

وختم قائلا" أرى أن من أهم نجاح سبل الإعلام الإسلامي ان يكون إعلاما ألكترونيا وليس مطبوعا ورقيا فعلينا ان نركّز بشكل اكبر على الاعلام الالكتروني, فمثلا في المجتمعات الغربية الكثير من القراء اتجهوا الى الاعلام الالكتروني وتركوا الاعلام المطبوع, لأن الاعلام الالكتروني يتميز بالكثير من المزايا منها السرعة في النقل وسهولة الحصول على المعلومات في أية ساعة تريد".

•  لنجعل الإعلام الشيعي مصدرا للمعلومات

الكاتب والاعلامي نزار حيدر، مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن أشار الى" ضرورة صناعة الهدف من الاعلام الشيعي واعتباره مصدرا، فاليوم العالم الغربي بعد احداث 11 أيلول بدأ يقرأ الاسلام بطريقتين اولاً بقراءة وهابية, والقراءة الجديدة هي الشيعية, ولحد الان ومع الاسف الشديد لم تتحول مؤسساتنا الشيعية لمصدر للمعلومات لمن يبحث عن معلومات عن المذهب الشيعي, فإذا اهتم الاعلام الشيعي بهذا الركن الاساسي فخلال السنوات القليلة المقبلة سيكون له حضوره القوي ويصبح مصدرا للمعلومات لمن يبحث عن أئمتنا (عليهم السلام), وهذا الامر يحمي مذهب التشيع من الانحرافات الفكرية التي قد يفهمها الغرب بصورة خاطئة, مثلا اذا اطلع الغرب عن الامام الحسين (عليه السلام) من مصادر غير شيعية فتكون أمامه صورة غير حقيقة عن الإمام الحسين (عليه السلام), فمن هنا يبرز دور الإعلام الشيعي ويصبح ذا فاعلية كبيرة في الاوساط الاعلامية الغربية وغيرها عندما يكون مصدرا كبيرا للمعلومات لتبيان الصورة الحقيقة للإسلام و مذهب أهل البيت (عليهم السلام), التواصل مع المؤسسات الاعلامية الدولية كالقنوات والصحف هذا يفيد بشكل كبير الاعلام الشيعي الاسلامي في تطوير الاداء والأسلوب والرسالة الاعلامية والتواصل يعني بها الزيارات المتبادلة عبر الانترنت او أية وسيلة اخرى فالتواصل مع المؤسسات العالمية مهم وجيد, وهذا التواصل يرتقي بالمستوى الفني والتكنولوجي".

الشيخ محمد الحسون، مدير مركز الابحاث العقائدية في مدينة قم المقدسة قال" ان الاعلام الغربي قد قطع شوطا كبيرا من الاحتراف بعكس الاعلام الاسلامي الذي هو في بداية نشوئه، فعلى كوادر اعلامنا -خصوصا الشباب- ان يتعلموا ويذهبوا للمؤسسات العالمية الاعلامية ويتعلموا كيفية تطوير العمل الاعلامي, وان نؤسس ونفتح فضائيات متخصصة للعقائد وأخرى للشعائر الحسينية وأخرى فقهية أي لكلّ قناة برامج تختلف عن الثانية مراعاة للتخصص" مبينا ضرورة" ان تكون هناك حرية وأفق واسعة امام الكوادر الاعلامية والاستعانة بخبراء من داخل وخارج العراق وفتح دورات اعلامية متخصصة, وكل هذا العمل يكون وفق المبادئ الاسلامية المتبعة, وإذا فتحت هذه القنوات وأعطت الدعم الكامل لكوادرها فلا شك بان يصبح الاعلام الاسلامي اعلاما قويا".

وختم حديثة قائلا" هذا العمل يحتاج الى جهود كبيرة تبذل من الكل وليس على من يمارس مهنة الاعلام فقط، لذا يجب ان يكون هناك دعم من الحكومة ومن المراكز الدينيّة والمؤسسات الثقافيّة والمؤسسات الاخرى".

====================

المصدر: مجلة الروضة الحسينية، العدد 53