مملكةُ الادارسة.. أوّلُ دولة إسلامية مستقلة في بلاد المغرب

ينطوي التاريخُ الإسلامي على الكثير من الومضات المنيرة على الصعيد الانساني، لا سيما في نطاق الدول العادلة التي فسحت لها الظروف لتأسيسها، بعد تقهقر العواصم المركزية في العالم الاسلامي القديم، لا سيما الدولتين الاموية والعباسية اللتان قبضتا على مقاليد شؤون الدولة الاسلامية لعقود طويلة، حيث تباينت قوتهما بين الحزم والتراخي، وفق معطيات وملابسات الوقائع في حينها.

فقد انبثقت دولة الادارسة في المغرب العربي التي تعد اقدم دولة علوية ترتقي بحد ذاتها بعيداً عن سلطتي دولتي بني امية وبني العباس في الاندلس وبغداد، متخذة من المنطقة الممتدة من حدود مصر وحتى سواحل موريتانيا ارضا لها، مؤسسة بذلك أولى السلالات الإسلاميّة المستقلة في بلاد المغرب في الفترة الواقعة من (788-974 م).

مؤسس الدولة الادريسية

أسس (ادريس بن عبد الله بن الحسن المثنى بن الحسن المجتبى بن علي ابن أبي طالب"عليهم السلام") دولة الادارسة، بعد ان حل في المغرب الإسلامي فارا من بطش الدولة العباسية اثر موقعة فخ الدامية التي قادها بمعية اخيه يحيى الذي لجأ بدوره الى المشرق الاسلامي الديلم (ايران).

واستقر إدريس بن عبد الله في مدينة (وليلى) عند كبيرها عبد الحميد بن إسحاق الأوربي في غرة ربيع الأول سنة 172هـ (788م)، فدعا عبد الحميد عشيرته أوربه (وهي أكبر عشائر البربر) لبيعته، فكانوا أول من بايعه يوم الجمعة 4 رمضان 172هـ، وتلقب بـ"أمير المؤمنين".

لاقت دعوة إدريس العلوي تجاوباً سريعاً وواسع النطاق في صفوف قبائل البربر، وبانت مؤشرات نجاح مشروعه السياسي، وهو بدوره راح يضع اللبنات الأولى لكيان دولته العلوية الجديدة الأولى من نوعها بعد حكومة جده علي بن أبي طالب، ابن عم نبي الإسلام محمد (عليه أفضل الصلاة والسلام).

نشأة الدولة

لم يُعرف عن الادارسة التعصب، كما أن سيرتهم في سياسة الملك على العموم، كانت طيبة يسودها اللين والتأثر والالتزام بالتعاليم الإسلامية، وما من شك في أنهم عملوا على نشر الدين الحنيف في ربوع الصحراء، ذلك لان سكان الجنوب لم يعتنقوا الإسلام إلا منذ القرن الثالث، وهو القرن الذي نشط فيه الأدارسة للعمل الإسلامي، وخاصة في النصف الأول منه.

وشهد عهد إدريس الاول انتظام للدولة جيش كثيف وقوي، أخضع من حوله من بلاد المغرب الأقصى الكثير من الأقاليم والمدن، لاسيما البلاد التي لم تكن دخلت في الإسلام بعد، كبلاد (تارلا) وحصون (فنلنده) و(مديوقة) و(بهلوله) وقلاع (غياثة) وبلاد (فازار).

كما تقدم فأخضع تلمسان في المغرب الأوسط، وبهذا تمكن أمره واستقر حكمه وأرسى قواعد الدولة العلوية الفتية، ونجح في أن يقيم ملكاً وطيداً دعامته العدل وإنصاف الناس.

وأنشأ الأدارسة عدداً من المدن في المغرب، منها مدينة فاس، ومدينة البصرة، التي كانت تُعرف باسم بصرة الكتان، ومدينة جراوة، وقلعة حجر النسر، وجامعة القرويين وهي أهم ما تركه الأدارسة، وتُنسب إلى فاطمة بنت محمد بن عبدالله الفهريّ، وبُنيت هذه الجامعة من المال الذي ورثته عن أبيها عام 243هـ- 857 م.

وصلت الدولة إلى قمتها في عهد إدريس الثاني، وحكم بعده ثمانية من الأدارسة، بعد ذلك التاريخ، استقرت الأمور لإدريس بن عبد الله، ودانت له معظم قبائل البربر، وبدأ في مدِّ نفوذه وسلطانه إلى القبائل التي لم تعترف بحكمه، ونشر الإسلام بين القبائل، فدخل كثيرٌ من أهل هذه البلاد الإسلام.

نهاية الدولة الادريسية

دب الضعف في مفاصل دولة الأدارسة خلال فترة خلفاء إدريس الثاني، بسبب تشرذم الدولة وتقسيمها بين أبناء الخلفاء، ونشوب القتال بين أبناء إدريس والخوارج.

فعلى إثر هذه الأسباب شهدت دولة الأدارسة حالة من الفوضى والاضطراب، وساءت أحوال البلاد الاقتصادية والاجتماعية، مما أتاح للخوارج استعادة نفوذهم على البلاد، وتقويض أعمال الدولة.

في نهاية الأمر جاءت نهاية الأدارسة على يد الدولة الفاطمية، والدولة الأمويّة الأندلسيّة، وبالتالي سقطت دولة الأدارسة بعد حكم استمر قرابة قرنين من الزمان.

آخر سلالات الادارسة

تفرعت عن الادارسة سلالات عديدة حكمت بلدان إسلامية عدة، أولها كان بنو حمود العلويين الذين حكموا في الجزيرة ومالقة (الأندلس)، كما تولوا لبعض الوقت أمور الخلافة في قرطبة.

وفرع آخر من الأدارسة حكم جزءا من منطقة عسير في السعودية بين سنوات 1830-1943م، والأمير عبد القادر الجزائري والذي حكم في الجزائر سنوات 1834-1847م، الذي ينحدر من هذه الأسرة أيضا، وآخر فروعهم كان السنوسيين حكام ليبيا والجبل الأخضر 1950-1969م

محمد حميد الصواف/ مجلة الروضة الحسينية