توظيف مُعطيات شهر رمضان.. ودعوات متجددة للسيطرة على الأسعار

صباح الطالقاني
الصورة: احمد القريشي

لا تنفك المرجعية الدينية العليا، تطالب ومنذ اعوام عديدة بوضع آليات حكومية للسيطرة على معدلات اسعار المواد الغذائية في العراق، حيث تشهد هذه الاسعار تفاوتاً كبيراً جداً بين موسم وآخر، وهذا التفاوت يسبب ضرراً بالغاً لدى الفئات الفقيرة والمُعدمة وصولاً الى التأثير على الشرائح ذات الدخل المحدود، وتزامناً مع هذه المطالب تطرّقَ ممثل المرجعية العليا في خطبة اخرى، الى جملة من الامور المهمة المتعلقة بكيفية استثمار معطيات الشهر الفضيل في سبيل اصلاح النفس وتعزيز الجوانب الروحية للانسان..

ممثل المرجعية الدينية العليا تطرّقَ لمرات عديدة خلال الاعوام الماضية، لمسألة الأسعار التي تتعلق بِقوت المواطن وكفايته من المواد الغذائية، فقال الشيخ عبد المهدي الكربلائي في خطبة صلاة الجمعة 22 شعبان 1433هـ" مع اقتراب شهر رمضان المبارك تتكرر ظاهرة ارتفاع اسعار المواد الغذائية الاساسية التي يحتاجها المواطن خصوصاً ذوي الدخل المحدود مما يؤدي الى ارهاق كاهل هؤلاء المواطنين وحرمان الكثير منهم من هذه المواد الاساسية، لعدم تمكّنه من توفيرها لنفسه ولعائلته بسبب غلاء أسعارها ومحدودية دخله، أو عدم وجود عمل له.. وبهذه المناسبة نتوجه - من جهة - الى تجار هذه المواد الاساسية الذين يتحكمون بأسعارها وفق حالة العرض والطلب ومعللّين هذا الارتفاع بازدياد الطلب عليها بمناسبة هذا الشهر المبارك - نقول لهم: ان هذا الشهر انما افترض الله تعالى فيه الصيام بجعله شهر رحمة وبركة وتكافل اجتماعي.. وهو شهر نزول الرحمة الالهية والحث فيه على رحمة الانسان لأخيه الانسان.. وقد امر الله تعالى فيه بالصيام ليحس الغني بألم الجوع عند الفقير بسبب حرمانه ليرقّ قلبه ويرحم الفقير".

وأضاف الكربلائي معبّراً عن نبض الشارع" اما استغلال هذه الظروف لرفع الاسعار فانه موجب لرفع الرحمة الالهية عن هؤلاء، ويعبّر عن حالة من الجشع والطمع على حساب هذه العوائل الفقيرة والتي تتنافى مع حكمة تشريع الصوم.. وفي نفس الوقت ندعو الجهات الحكومية المعنية وخصوصاً وزارة التجارة الى وضع آليات معينة للسيطرة - ولو بعض الشيء- على ارتفاع الاسعار بالسعي لتوفير مواد البطاقة التموينية وخصوصاً في هذا الشهر المبارك. ومن جملة هذه الآليات طرح المواد الغذائية الاساسية في السوق بكميات توازي بعض الشيء زيادة الطلب حتى وان كان ذلك خارج الحصة التموينية كآلية اضافية تدعم الحصة التموينية كما تفعل ذلك بعض الحكومات حينما يقل العرض لبعض المواد الاساسية".

وأبلغَ ممثل المرجعية الدينية العليا قائلاً" بمناسبة اقتراب هذا الشهر المبارك هناك توصية للمواطنين، وتوصية للسياسيين وقادة البلد ومسؤوليه، فإننا ندعو المواطنين - وهم يعيشون ايام هذا الشهر المبارك في اشهر الصيف وخصوصاً مع عدم توفر خدمة الكهرباء بالمقدار الذي يعينهم على صيامه وتحمّل اجواء الحر القائظ وخصوصاً العاملين في المناطق والمشاريع التي يتعرضون فيها الى الشمس والحر الشديد - الى تكييف عملهم بما يجعلهم قادرين على الصوم، امّا بتأجيله الى الليل كما تفعل الكثير من الشركات واصحاب العمل، او بتقليل ساعات العمل في النهار وتحويل الناقص منها الى الليل، وهذا ما دأب عليه الكثير من ارباب العمل والشركات للدول الاخرى التي يعمل فيها المسلمون.

وأدلى ممثل المرجعية الدينية العليا بتوصية لمسؤولي البلد وقادته وللسياسيين" ان يجعلوا هذا الشهر المبارك فرصة لمراجعة الذات وتقييم الاداء للفترة الماضية وان يجعلوا هذا الشهر فرصة لاستشعار هموم ومعاناة وآلام المواطنين وتحويل ذلك الى برنامج عمل يطورون من خلاله ادائهم وخدمتهم للشعب وينزّهوا أنفسهم عن المكاسب الدنيوية والشخصية والحزبية".

توظيف الصيام لتقوية الجانب الروحي والمعنوي

وفي جانب آخر يتعلق بكيفية توظيف معطيات شهر رمضان المبارك لإصلاح النفس وتغييرها نحو الافضل، أفاد ممثل المرجعية الدينية العليا الشيخ الكربلائي في خطبة الجمعة بتاريخ 4/رمضان/1440هـ الموافق 10/5/ 2019م أفاد بأنه" من الامور الواضحة بالنسبة للإنسان في حياته انه كلما كانت لديه المعرفة والوعي والادراك بأهمية وخطورة الامر في حياته كلما اشتد اهتمامه وتوجهه واندفاعه نحو ذلك الشيء..

واذا نتتبع الآثار الواردة عن المعصومين عليهم السلام نجد هناك اهتمام كبير من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والائمة المعصومين عليهم السلام بشهر رمضان، فهم يريدون ان يلفتوا نظرنا الى أهمية هذا الشهر واهمية معطياته في حياتنا الدنيوية والاخروية..

وشهر رمضان بما ورد فيه من وسائل الاهتمام المتعددة للمعصومين عليهم السلام من خطبة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن الادعية المتعددة الغزيرة المضامين الروحية والتربوية الى الروايات الكثيرة تعكس مدى اهمية وعظمة معطيات هذا الشهر المبارك والمقصود منها تحفيز العزائم وايقاظ العقول وبعث الهمم للاستفادة بما يناسب عطاؤه وحكمته..

وبيّن ممثل المرجعية الدينية قائلاً" لاحظوا في خطبة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما يبتدئ في بيان فضيلة شهر رمضان وبعدها يطلب من الله سبحانه وتعالى ان يعيننا على صيامه ماذا يقول (صلى الله عليه وآله وسلم): (فاسألوا الله ربكم بنيّات صادقة وقلوب طاهرة).

وأضاف الكربلائي" ايها المؤمن الصائم اذا اردت الوصول من خلال الصوم وهذا التعب والعناء وألم الجوع والعطش الى التقوى ابتدأ بقلبك اولاً، طهرهُ مما فيه من الحسد والتكبر والغل والحقد والمكر وغير ذلك من هذه الصفات الذميمة..

اما النقطة الثانية التي من خلالها نتعرف على كيفية الوصول بالصوم الى التقوى هو التوجّه والالتفات نحو جوهر وروح الصوم والغاية السامية منها.. مشكلتنا نحن ان طبيعة تعاملنا وتعاطينا مع العبادات تعامل وتعاطي سطحي في مرتبته الادنى مثلاً نتعامل مع الصلاة على انها حركات للجسد وألفاظ باللسان لا نتعامل معها على انها صلة مع الله وتواصل مع الله وهي قربان كل تقي وهي معراج مؤمن وان الصلاة لو اتيت بحقيقتها وجوهرها ارتقت بك من عالم الارض الى عالم الملكوت الاعلى المقدس والمطهر، الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، لماذا لا تنهانا صلاتنا عن الفحشاء والمنكر لأننا تعاملنا معها تعاملاً سطحياً ولم نتعامل معها بفهم بحقيقتها وروحها وجوهرها حتى يمكن من خلال ذلك ان نصل من خلال هذه العبادة الى التقوى..

وتابع الكربلائي" ايضاً من الامور المهمة في معطيات هذا الشهر، كيف نوظّف شهر الصيام لتقوية الجانب الروحي والمعنوي وترسيخ الارتباط بالله تعالى؟

وأجاب ممثل المرجعية الديينة العليا" نحن في حياتنا الدنيا نواجه الكثير من المشاكل والصعوبات والازمات والضغوط النفسية والاجتماعية... فكيف نستطيع ان نواجه هذه الازمات والمشاكل ونخرج منها بنجاح بحيث لا تتعثر مسيرتنا في الحياة ولا نقع في الفشل والاخفاق؟

وانتم لا شك تتابعون وتقرأون كثرة حالات الانتحار مثلاً!! وهناك حالات طلاق كثيرة وحالات تفكك أسري كثيرة ومشاكل أسرية ومشاكل اجتماعية.. اذاً ما هو الحل وما هو العلاج؟

يأتي هنا تعزيز الجانب الروحي والمعنوي، نحن نشكو في مجتمعنا من حالة الجفاف الروحي والمعنوي، نحتاج الى إغنائه، اذا قويّت الاتصال والارتباط بالله تعالى وهذا يعني انني اعتقد ان لي رب قادر وحكيم ورحيم وعطوف بي وحنون عليَّ هو سيعينني على ان اتجاوز هذه المشاكل والازمات واتخلص منها بنجاح ولا اقع في الفشل والاخفاق واليأس والاحباط وغير ذلك من هذه الامور النفسية..