العزوف عن القراءة في العالم العربي.. اسباب وحلول

للقراءة اهمية في حياة الفرد والمجتمع فهي تزودهم باكتساب الخبرات وتنمي تفكيرهم, وتسهم في صنع الانسان وتعزز ثقته بنفسه وتساعده على تنمية اللغة وتطوير العقل, وهي غذاء الروح واساس تعلم المجتمع وتمكينه من الحصول على المعرفة واكتساب المهارات المختلفة.

ورغم كل هذه المكتسبات والمميزات التي تنتجها القراءة الا ان مجمعاتنا العربية والاسلامية تعاني من قلة القراءة وانخفاض معدلات الالتحاق بالمؤسسات التعليمية , حيث تظهر معطيات نشرتها منظمة التنمية البشرية الصادرة عن منظمة اليونسكو ذكرت فيها أن المواطن العربي يقرأ أقل من كتاب واحد بكثير، فكل 80 شخصا يقرأون كتابا واحدا في السنة، بالمقابل يقرأ المواطن الأوربي نحو 35 كتابا في السنة.

وفي تقرير آخر لليونسكو كشف أن العرب مجتمعين من المحيط إلى الخليج يقرأون ربع صفحة في العام لكل فرد، مقارنة بالفرد الأمريكي الذي يقرأ 11 كتاب في العام، و البريطاني 7 كتب.

اما تقرير التنمية الثقافية الصادر عن مؤسسة الفكر العربي فقد ذكر أن الفرد العربي يقرأ بمعدل 6 دقائق سنويا, بينما يقرأ الأوربي بمعدل 200 ساعة سنويا.

ويشير التقرير إلى أن معدل قراءة الأطفال في العالم العربي خارج المناهج الدراسية 6% في السنة، فيما يقرأ كل 20 طفلا عربيا كتابا واحداً، بالمقابل فإن الطفل البريطاني يقرأ سبعة كتب في السنة.

الانفتاح وعدم التثقيف هو سبب العزوف عن الكتاب

الباحث الدكتور عماد الكعبي استاذ في جامعة بغداد يقول" بعد الانفتاح الذي شهدة العالم وبالخصوص مواقع التواصل الاجتماعي, وعدم تثقيف العائلة وتشجيع ابنائها على القراءة اصبح الكتاب يعاني اهمالا كبيرا واصبح المجتمع يعزف عن القراءة بصورة عامة , ففي السابق كان الاباء يحثون ابناءهم على المطالعة وقراءة الكتب والمجلات وكان يوجد في كل بيت مكتبة تضم انواعاً مختلفة من الكتب تواظب العائلة بكل افرادها على قراءتها بشكل يومي , اما الان فقد اصبحت اغلب البيوت خالية من هذا الموروث الثقافي ولا تحتوي حتى على كتاب واحد, وان وجدت المكتبات في البيوت فهي للديكور فقط اكثر مما هي مكتبة علمية .

واضاف الكعبي" بعد ان كان الكتاب هو مصدر المعلومة اصبح الان الانترنت هو المصدر, وهذا يعود الى عصر التكنلوجيا الذي قضى على قداسة الكتاب, اضافة الى ضيق الوقت لكثير من الناس بسبب المشاغل اليومية وعدم شعور البعض بالحاجة الى القراءة, ولا تتوقف ثقافة الانسان على مقدار ما يقرأ،  وانما على اقتنائه للكتب الجيدة والتي توفر له الفهم والاستيعاب والفائدة في حياته اليومية فتميزه عن الاخرين.

اسباب نفسية وضعف البناء المعرفي تتسبب في تراجع القراءة

رئيس جناح دار الفكر في سوريا سعيد الزوبعي يقول" هناك تراجع كبير بالنسبة للقراءة في كل العالم العربي وهذا شيء مؤسف, ومن الممكن ان نقول ان سبب هذا التراجع يعود لاسباب نفسية وهو ان الفرد لا يحب القراءة , والسبب الاخر هو ضعف البناء المعرفي في الاسرة والمجتمع , كذلك من الاسباب الاخرى هو واقع الكتاب العربي من حيث الانتشار والطباعة والسعر, وهناك مشكلة شخصية لدى القارئ وهي عدم قدرته على كيفية البدء بالقراءة وكيفية اختيار الكتاب الذي يقرأه, لذا يجب عليه ان يبدأ بما يناسبه وان لا يختار الكتب الصعبة, وقد اصبح اقبال الناس على شراء الكتب الورقية قليلا جدا عن السابق وبدأ المجتمع يتجه نحو قراءة ما منشور في مواقع التواصل الاجتماعي تحت ذريعة الالتجاء الى عصر السرعة والتطور متجاهلين ان ثقافة الكتاب لا يمكن تعويضها بوسيلة اخرى".

وسائل بديلة منافسة للقراءة

المؤلف د. محمد كريم الكوازي يقول" لا شك ان لقراءة  الكتب دورا بارزا وواسعا في ثقافة الشعوب وثقافة الانسان الواحد، والان هنالك وسائل اخرى منافسة لقراءة الكتاب وهي ثقافة الشاشة التي ابتدأت بالتلفاز ثم الحاسبة والتاب الى جهاز الموبايل, واذا قارنا بين القراءة في الكتاب والقراءة الالكترونية نجد ان الاخيرة تكون متاحة لدى الكبار والشباب والصغار وبشكل مجاني وبدون رقابة على العكس من الكتاب الذي لا يمكن الحصول عليه الا عن طريق الشراء, الا ان القراءة في الكتاب لا يمكن التخلي عنها ولا يمكن ان يكون لها بديل من الناحية العلمية والاستيعابية , اضافة الى ان الكتاب يمثل رمز الثقافة على رغم تطور اساليب القراءة وذلك لأسباب نفسية وثقافية تتعلق بالقارئ المثقف".

وبالرغم من التأثيرات السلبية للقراءة الالكترونية الا ان فيها بعض المميزات الايجابية منها اتاحة بعض الكتب بصورة مجانية للقاري لتغنيه عن شراء الكتاب الورقي حيث ان بعضها يتوفر على مواقع الانترنت بصيغة (bdf) ويمكن تحميلها وقراءتها ".

الكتاب غذاء روحي ووسيلة للوعي والادراك

فيما بين المدرس المتقاعد جبار داخل قائلا" لا يوجد عزوف عن القراءة لان القارئ الحقيقي متعلق بالكتب والاطلاع منذ الصغر ويبقى مستمرا على القراءة حتى الكبر, فالقراءة هي غذاء الروح ومن يريد تثقيف نفسة يلجأ الى الكتاب الذي يعتبر كمدرس له ووسيلة للوعي والادراك, وانصح الاجيال القادمة بان لا يتأثروا بوسائل التواصل الحديثة ويعزفوا عن الكتاب, حيث اني بدأت مسيرة حياتي بقراءة الكتب والروايات والقصص منذ مراحل الدراسة الابتدائية واصبحت عادة لدي استمرت الى يومي هذا وانا ابلغ الخمسين عاما , حيث اعمل على قراءة قرابة اربع الى خمس ساعات يوميا واصبح الكتاب صديقي الدائم".

علماء نفس يحفزون على القراء كونها لا تقل اهمية عن الرياضة

ويحث علماء النفس على القراءة فهي تفتح امام القارئ عوالم من العلم والمتعة والمعرفة وهي مفتاح الحضارة والثقافة والتقدم في البلدان, ونشرت الباحثة نتالي فيليبس من جامعة أوكسفورد تجارب علمية لدراسة عمل الدماغ الإنساني خلال عملية القراءة برهنت فيها ان القراءة الجادة تحفز العقل وتدفعه للعمل بنشاط وتركيز وتنظم التفكير، وتعمل على تطور الذكاء البشري، بالإضافة إلى فوائدها المعرفية, وأثبتت الباحثة أن القراءة لا تقل فائدة عن التمارين الرياضية، لأنها (القراءة) تمرّن الدماغ بأسره, واوضحت من خلال التجربة أنه عند الانتقال من القراءة السطحية لأجل تمضية الوقت إلى الاستيعاب النقدي للمعلومات، يجري في الدماغ تغيير حاد في نوع النشاط العصبي، وفي الدورة الدموية.

وقال المعلم الجامعي الاستاذ نجاح نوماس الفتلاوي" الكلام يطول اذا أردنا الغمار في بحر هذا الموضوع ونحن بصدد برامج التواصل الاجتماعي( السوشيال ميديا) نرى العالم العربي ( الشرقي) وبالاخص العراقي عندما دخل عليه هذا العلم( الانترنت ) قد شتت أوضاعهم فضاعوا طريقهم واصبحوا لا يعرفون صوابا ، واصبح العالم كله عائما في هذا البحر الذي لا قاع له ولا يعرفون العوم به أو الرسوعلى بره ، فترى الاب لاينزل الهاتف من يده وترك أمور العائله والبيت جانبا ، وكما ترى الام تغوض في بحر المجاميع (الكروبات) وتركت ماهو في ذمتها من شرف وعفه واخلاق وأمور اجتماعية من تربية الاولاد وأمور المنزل .

واضاف" كما ترى الشباب( بنين وبنات) وهم تائهون في تلك الغابة الضلماء يبحون ما يسد حاجات نقصهم او فراغاتهم بدون جدوى ، واما الأطفال فحدث ولا حرج فاصبحوا مدمنين على تلك الشاشة الصغيرة ليل ونهار ، فكل طبقات المجتمع وكل فئاته مدمنين ويقضون اكثر ساعات نهارهم وليلهم وهم يلهثون خلف هذه الشاشة الساحرة والغريبة الأطوار،

وبين ان" العامل والموظف والكاسب وغيرهم تركوا اغلب ساعات عملهم وهربوا خلف تلك الشاشة اللعينة ، ونحن لا نعترض على التطور والانفتاح لكن ليس على حساب تقاليدنا ومعتقداتنا واخلاقنا ومبادئنا واعمالنا بل وحتى ساعات أوقاتنا التي كانت مخصصه ونقضيها لعوائلنا واطفالنا واعمالنا وساعات راحتنا وحتى ساعات القراءة المخصص لها ذهبت في ادراج الرياح وبدأنا نقرأ القليل والمختصر بل وحتى الغير نافع والصادر من أناس ليس اختصاصهم فقط يردوا ان يعرفوا في مواقع التواصل الاجتماعي حتى لو كان الكلام تافه وغير مفيد وليس فيه مصلحه للمجتمع.

واشار الى انه" شيء محزن ولعل الوضع يسوء يوم بعد آخر ، حيث نرى الكثير من الشباب يتأثرون بالعادات والتقاليد الغربية بل وحتى التطبع, وترك ما بذمتهم من الأمور العبادية والاخلاقية والجري خلف ما هو موجود في تلك المواقع الاجتماعية المسمومة من دول الغرب ولا نقدر ان نخلصهم من هذا الوحل الا اذا اعانونا هم على ذلك بالتمعن والتفكر واخذ المعلومة الصحيحة من مصدرها الحقيقي.

تحقيق: سلام الطائي- عماد بعو

 مجلة الروضة الحسينية