شيوع ثقافة الفساد بين المواطنين يعد اخطر من الفساد في دوائر الدولة

حوار: فضل الشريفي ــ محمود المسعودي

- وسائل الإعلام تتحاشى نقل الحقائق نتيجة للابتزازات والتهديدات الموجودة في الشارع

- الفساد في العراق يغذي جذوره السياسيون والمافيات والفصائل المسلحة

- كلما زاد الانقسام السياسي استطاعت الجيوش الالكترونية ان تعمق الخلافات بين الطوائف وبين ابناء الطائفة الواحدة

هيمنة المال السياسي على وسائل الإعلام وتوظيف الجيوش الالكترونية، وعدم قدرة الإعلام الحر على كشف الحقائق، وكيفية صناعة الرأي العام، وتطور الفساد وبلوغه مراحل متقدمة، وعسكرة المجتمع، وأخيرا التفاؤل في حصول تغيير في الانتخابات القادمة، اشكالات محورية لها تأثيرا فاعلا في بنية الدولة العراقية ومستقبلها.

هذه الاشكالات والقضايا تناولناها في الحوار التالي مع  رئيس المركز العراقي للتنمية الإعلامية الدكتور عدنان السراج.

 في ظل هيمنة المال السياسي على وسائل الإعلام كيف يمكن للمجتمع تكوين وعي سياسي وثقافي عن الاحداث التي تدور من حوله؟

ـــ المال السياسي لا يمكن ان يهيمن على الإعلام بشكل عام لأن صناعة الرأي العام اليوم تخلقه العديد من القوى الشعبية ومن القوى الخيرة والحرة المستقلة وكذلك التنافسات على احداث إعلام على المستوى الخاص ايضا احدث نقلة في مواجهات الإعلام الذي يسيطر عليه المال السياسي، يمكن ان يستخدم المالي السياسي في القنوات والمحطات وعموم وسائل الاعلام او الجيوش الالكترونية لخلق التوجه الواحد اي الأدلجة، وهذا التوجه لا يمكن ان يصنع رأيا عاما وانما سيساهم في  تشويش نظرية الخطاب الوطني الموحد وتحمل المسؤولية الوطنية على  مستوى عام، لذلك عندما نقول هيمنة المال السياسي هي ليس بالهيمنة الكاملة التي تستطيع صناعة الرأي العام , الرأي العام صناعته تحتاج الى جملة من المقومات وجملة من الاجراءات الاعلامية والتي بدورها تحتاج الى جهد كبير من اجل صناعة الرأي العام، حتى الان لم تتوفر لدينا مؤشرات حقيقة على ان الاعلام استطاع فعلا ان يحقق انجازات اكثر مما هو على الارض، ما تحقق على الارض مثلا هو طبيعة سوء الخدمات و فشل الاداء الحكومي واداء العملية السياسية مما سبب حالة من الضغط الجماهيري، اذن الجماهير هي من خلق الاعلام و استطاعت ان تسير به، عموما ما زال المال السياسي يؤثر بشكل عام على الإعلام ولكن لا يستطيع ان يفعل ما يمكن ان نسميه بالتغطية الشاملة لصناعة رأي عام كامل.

يشاع ان هناك جيوشا الكترونية مدفوعة من جهات معينة هدفها هدم العملية السياسية كيف يمكن الحد من تأثير هذه الجيوش؟

ـــ هناك جيوش الكترونية ممنهجة وهناك جيوش الكترونية عشوائية وهناك جيوش الكترونية تدار بصورة غير مهنية وغير موضوعية، اذن لدينا توجهات عديدة لهذه الجيوش فبعض الدول والمؤسسات العالمية التي لا يروقها النظام في العراق وبعض المؤسسات الطائفية ايضا لا يروق لها ان يكون هناك توازن في واقع جديد للحكم في العراق بوجود الشيعة والسنة والكرد لإدارة العملية السياسية في العراق، الجيوش الالكترونية جيوش يمكن ان يقال بانها طبيعة الذباب الالكتروني اي تستطيع ان تعمل اكبر حجم ممكن من الاثارة على مستويات عالية بإفراد اقل مما يتصوره الآخرين عنهم،  هي مسألة الكترونية بحته ومسألة تحتاج الى ادارة حقيقية لبث الاخبار والاشاعات، الجيوش الالكترونية فعلت فعلتها ولكن في النهاية ستنصدم امام حقيقة واقعة وانها ستصل الى طريق مسدود، الجيوش الالكترونية دوما تصل الى طريق  مسدود، وبالتالي يستطيع الطرف الآخر الذي يعرف الحقائق الموجودة على الارض يستطيع ان يفند مزاعم هذه الجيوش.

ما الذي يزيد من فاعلية الجيوش الالكترونية؟ 

ـــ الجيوش الالكترونية تنجح في حالة وجود انقسام سياسي وانقسام مجتمعي وانقسام في النظرة الى اقتصاد العراق اي بمعنى النظرة الاقتصادية والنظرة السياسية والنظرة المجتمعية والنظرة السياسية تحكم بنجاح هذه الجيوش من فشلها وكلما زاد الانقسام السياسي كلما استطاعت الجيوش ان تعمق تلك الخلافات وتؤدي الى التخندق بين الاطراف وبين المكونات و بين المناطق وحتى داخل المنطقة الواحدة وداخل الطائفة الواحدة من اجل اثارة الفوضى في البلد وصولا الى تحقيق مأربها.

الفساد في العراق بلغ حالة من التطور والبعض يراه معضلة لا يمكن حلها في الامد القريب, ما هو تعليقك وما الحل؟

ــ نعم، الفساد اصبح معضلة حقيقية ولكن لها حل، بل حلول كثيرة، هناك دول عديدة وصلت الى حالة متقدمة من الفساد واعظم مما هو في العراق، الفساد في العراق قد تجذرَ في وسط النظام وتحول الى ثقافة عند الجمهور وبالتالي يمكن ان نقول بأن من يرعى هذا الفساد و يغذي جذوره السياسيون والمافيات وزعماء العشائر الذين  يتحكمون بمفاصل معينة وايضا دور الفصائل المسلحة هذه جميعها تساهم مساهمة جدية في تقوية جذور الفساد في العراق وتؤدي الى عمليات تخريب كبرى، اضافة الى ذلك المحاصصة التي جاءت بها العملية السياسية افرزت لجان اقتصادية او هيأة اقتصادية لعبت دوراً كبيراً في تجذير الفساد داخل مؤسسات الدولة التي ترعاها كتل ونفوذ سياسي بأفراد سياسيين اغتنوا على حساب الشعب العراقي بالإضافة الى ذلك اصبحت هذه الثقافة منتشرة في اوساط المواطنين، وشيوع ثقافة الفساد بين المواطنين  يعد اخطر من الفساد في الدولة، وبالتالي لا يمكن للمواطن العادي ان يواجه الفساد بمفرده، فيجب ان تكون هناك صياغة كاملة لطبيعة النظام , الفساد يمكن ان القضاء عليه بدولة قوية وحكومة قوية وجيش قوي وقوات خاصة وقضاء قوي ومدعي عام قوي وايضا يكون هناك قوة من الشرطة تابعة للقضاء كما يحصل في بعض البلدان عند ذلك يمكن نقول اننا امام  بداية حقيقية لمنع تسيد الفساد وتدهور الاوضاع  اولا وحصره ثانيا ثم البدء بالقضاء عليه ثالثا من خلال تنشيط الواقع الاقتصادي وايضا قطع موارد الفساد ومنع عمليات الابتزازات التي تحصل داخل الدولة من العقود والتعيينات.

ما رؤيتك للحياد والموضوعية في وسائل الإعلام عموما والمحلية خصوصا, اي هل هذه المعايير معمولة بها ام لا؟

ـــ وسائل الاعلام ليس مطلوب منها ان تكون على الحياد ولكن المطلوب منها ان تكون صادقة وموضوعية وتفتش عن الحقائق بينما نجد ان اكثر وسائل الإعلام لا تميل للكشف عن الحقائق وانما تتحاشاها نتيجة للابتزازات والتهديدات الموجودة في الشارع بالإضافة الى ذلك لا يستطيع المحلل او الإعلامي او اي محطة من الفضائيات ان تقوم بدور حر ومستقل لتشخيص الاخطاء ومعالجتها او اعطاء الحلول وتحليلها واستنتاجاتها , نعم على مستوى السطح يمكن ان نقول ان عمليات تجري بهذا الشكل ولكن عندما نغوص بعمق للوصول للأسباب والمسببات ننصدم بواقع يجعلنا لا نستطيع ان  نغوص دائما لكشف الحقائق، اما بخصوص الموضوعية فأجد اننا نمتلك العديد من المحللين والاعلاميين والمحطات الفضائية التي تعمل بموضوعية لطرح الافكار وحل المشاكل ومع ذلك ما زال الإعلام يعاني من ازمات سياسية ويعاني من مسألة التهديدات والابتزازات وشراء الذمم قائمة على قدم وساق ويمكن ان نسمع صوت من هنا وهناك ولكن اغلب وسائل الإعلام تكاد تكون تحت سيطرة الاحزاب او الجماعات او الاشخاص او الدولة بحيث يكون لديها توجه واحد وصوت واحد، هناك وسائل اخرى يمكن للإعلام الحر والمستقل ان ينفذ من خلالها خصوصا من يتمتع بحرية الكتابة والرأي وهؤلاء اغلبهم يعيشون خارج العراق.

الاحزاب الإسلامية الحالية لم تلبي طموحات الجماهير, فما الاسباب؟

ـــ الاحزاب الإسلامية لديها ايدولوجية وطريقة ومنهج يحكم علاقات افرادها بعضها بالبعض الاخر ولديها طريقة لإدارة الحياة ونظرة معينة في الحكم ولكنها عندما عادت الى العراق كان هناك دستور وهذا الدستور هو اقرب الى العلمانية منه الى الإسلامية، اقرب الى التطبيق المدني من التطبيق الشمولي، وبالتالي تجد ان الاحزاب الإسلامية قد فقدت هويتها الحقيقية في مسائل تتعلق بتطبيق مبادئ الإسلام وهي تعمل ضمن الاحكام الوضعية التي وضعها الدستور والتي حددتها القوانين المرعية وهنا فقدت هذه الاحزاب مصداقيتها وفقدت ثقة جماهيرها في تطبيق الإسلام الذي يجده البعض من الصعوبة تطبيقه في العراق في ظل وجود احزاب وكتل وتوجهات واديان مختلفة اضافة الى ضغوطات الدولة المحتلة والتوجه الدولي اتجاه العراق بتطبيق نظام معين في العراق، و تجد اغلب من مارس الدور السياسي من الاحزاب الاسلامية قد انخرط في اثارة الطائفية وبنفس الوقت البعض انخرط في حالات الفساد والكذب على الجمهور وهذه تعتبر مخالفة للشريعة الاسلامية بشكل عام.

عملت الاحزاب والجهات الخارجية على عسكرة المجتمع  مما ادى الى تنامي الصراع بين اطياف المجتمع العراقي, فكيف يمكن التصدي لهذا المنهج؟

ــ اعتقد عسكرة المجتمع مسألة ذات بحث طويل وقد جاءت نتيجة للحروب السابقة التي خاضها الشعب العراقي دفعا من النظام السابق لخوض معارك غير مجدية وغير مبررة مع دول الجوار اضافة الى المعارك الداخلية، و بدأت هذه العسكرة بشكل واضح بعد انتهاء هذه الحروب وايضا تجلت مع بدء الاحتلال الامريكي في 2003 وتسلح العشائر العراقية وتسرب السلاح بعد ان اصبح منفلت من المعسكرات العراقية والثكنات العسكرية واصبح مباعا في الشارع بشكل واضح، اضافة الى عمليات الارهاب والقتل  والحرب الطائفية اجبرت الحكومة ان تبدأ بعملية انزال الجيش في الشارع من اجل السيطرة على الامن داخل المدن ولكن هذه الحالة وهذا القرار طال امده واصبحت القوات المسلحة تقوم بعمليات واضحة في الشوارع والمدن والقصبات مما اثر تأثيرا مباشرة على علاقتها بالجمهور اضف الى ذلك الحرب على داعش هذه الحرب التي  جعلت اغلب الفصائل والكتل السياسية تشترك في هذه الحرب وبالتالي تشكلت الفصائل والخلايا نتيجة الى ذلك كل هذه الامور جعلت المجتمع يمتلك السلاح مما ادى الى تتحول العسكرة الى ثقافة ولكن يمكن ازالتها بهيمنة الدولة وقوتها وحصر السلاح بيدها دون الآخرين.

هل ثمة تفاؤل في حصول تغيير يخدم المواطن في الانتخابات المقبلة ام لا, ولماذا؟

ـــ ليس تفاؤل، بل أمر حتمي ما دام الدولة العراقية قائمة وما دام اعتراف الدول بها قائم وما دام الشعب العراقي باقي والثروات موجودة وما دامت الحياة تسير بشكل طبيعي، نعم، يمكن ان يكون هناك تغيير شامل، العراق مر بعصور وأدوار وبالتالي كلنا نشهد تغيرات دراماتيكية في العملية السياسية من العصر العثماني مرورا بالعصر الملكي والاحتلال الانكليزي والعصور الجمهورية اضافة الى حالات التوغل داخل مؤسسات الدولة وشموليتها وغيرها، التغيير ممكن وهو حتمي وقادم فلا يمكن للدولة ان تعيش على الخطأ طويلا في منهجها ومسيرها، وستتجاوز كل الاخطاء وتنهض من جديد، لان لها اطارها العام وحدودها الجغرافية العامة وعلى ارضها يعيش مواطنون يتطلعون ويفكرون في مستقبلهم، وهذا ما يسمى بالحركة الطبيعية للشعوب ضمن اطار الدولة الواحدة.
المصدر: 
مجلة الروضة الحسينية