التعايش السلمي.. مطلب ديني وإنساني ووطني

تحقيق: محمود المسعودي- يحيى الفتلاوي

الوصول الى منظومة اجتماعية متماسكة بين ابناء الشعب الواحد او بين الشعوب بمختلف انتماءاتها الدينية والقومية والمذهبية يحتاج الى تطبيق مفهوم التعايش السلمي، والذي تحاول قوى خارجية من خلال شن الحروب والصراعات لتوسعة نفوذها وسعيها الدائم الى تمزيق وحدة الصف، وتقف بوجه كل من يسعى الى تطبيق مفهوم التعيش السلمي, ولمواجهة هذه القوى الخارجية وترسيخ المفهوم السلمي.

يقول المؤرخ الإنجليزي السير توماس أرنولد في كتابه "الدعوة إلى الإسلام": " لقد عامل المسلمون الظافرون العرب المسيحيين بتسامح عظيم منذ القرن الأول للهجرة، واستمر هذا التسامح في القرون المتعاقبة، ونستطيع أن نحكم بحق أن القبائل المسيحية التي اعتنقت الإسلام قد اعتنقته عن اختيار وإرادة حرة، وإن العرب المسيحيين الذين يعيشون في وقتنا هذا بين جماعات المسلمين لشاهد على هذا التسامح ".

الشيخ عباس الزويني بيّن إن: التعايش السلمي من المواضيع المهمة التي يتناولها الخطيب الحسيني على المنابر والتي تحث المجتمع على التعايش السلمي ان كان داخل العائلة او داخل البلد لأنه هو الشيء اوصى به الله سبحانه وتعالى ونبيه محمد واله بيته (عليهم السلام) لذا يستمد التبليغ الديني من خلال المنبر الحسيني هو التعايش بين اطياف المجتمع الاسلامي والسلم بين جميع ابناء البلد الواحد. هو الرسالة المهمة في بناء المجتمع الاسلامي ونبذ الخلاف والفتن واي امر يسئ الى سمعة البلد والدين.

الشيخ محمود ابو عجة رئيس تجمع أمناء صلاح الدين قال: ان الخطاب المعتدل المهم لدى الخطباء الذي يدعو الى الوحدة ولم الشمل فنحن عانينا في المحافظات الغربية من تلك الاصوات الشاذة التي كانت تلتقي المنابر وتحث على التفرقة والطائفية اليوم انطفأت بفضل الله تعالى وبجهود الخيرين من ابناء العراق الذي مهما ضعف فانه ينهض بقوة يبقى رابط حب الوطن يدفع الناس وكلنا مسلمين ويجمعنا نبي والقرآن ومن الذي يدعي الاسلام امثال ( داعش الارهابي) قال الرسول الله محمد (ص) (ليس منا ان يرفع السلاح بوجهنا) المسلم اخو المسلم لا يقتله بل ينصره داعش هم خوارج العصر ولا يمتون الى الاسلام هو دين الاسلام دين العفو التآخي والمحبة بين الناس.

دور التعليم في التعايش السلمي

الاستاذ الدكتور سعد محمود حسين الزبيدي عميد كلية العلوم الاسلامية – جامعة تكريت قال" من اهم ما نحتاج اليه في يومنا هنا هو اعادة تلك الروح الاصيلة في دماء الشعب العراقي بعد ان حاولت العصابات التكفيرية النيل منها ,ولكن بجهود الطبيين اليوم العراقي يمر من الشمال الى الجنوب ومن الغرب الى الشرق لا يفكر في الخوف او عطش او جوع وهذه بجهود جهات مباركة امثال العتبة الحسينية المقدسة نسال الله لها التوفيق وان نضع روئ مشتركة بين الجامعات والعتبات المقدسة ووقفي الشيعي والسني والعشائر العراقية  رؤيا مستقبلية خلالها نعالج كل تحديات العصر ويكون لدينا جيل مسلح بالثقافة وتصدى لأي فكر متطرف".

واضاف" انطلاقاً من الجامعات والمدارس فوزارتي التربية والتعليم لقد شكلت لجان لإعادة المناهج الدراسية وتنقيتها من كل شوائب التي كانت عالقة منذ عصور سابقة والتي كان لها شأن في بعض الاماكن من التأثير السلبي على بعض الافكار فتم قراءة المناهج الدراسية على مستوى الدراسة في التربية او على مستوى الجامعات خصوصا من كل ما يدعو الى النعرات الطائفية وما يضر بالوحدة الوطنية وقد اثمرت هذه عمليات على نتائج طيبة وعلى مستوى جامعة تكريت قامت منذ عام 2015 اي بعد تحريرها من عصابات داعش التكفيري  الى الان بأكثر من 205 مؤتمر و ندوة فكرية بخصوص التعايش السلمي والأمن الفكري ونبذ التطرف الفكري".

ضرورة وجود مناهج ترسخ مفهوم التعايش السلمي

الاستاذ الدكتور صباح رسول الجابري – كلية الهندسة/ جامعة كربلاء اكد ان" رؤية ورسالة وأهداف جميع الكليات على عموم الجامعات العراقية لم تجد اي منها تروج للتفرقة بل التوحيد والتعايش السلمي وتهيئة جيل ناضج يهتم بالعلم فالجامعات هي بيئة خصبة للتعايش السلمي وبث روح الوحدة بين ابناء البلد الواحد.

واضاف" من الضروري وجود مناهج ترسخ مفهوم التعايش السلمي على رغم من وجود بعض الدروس بعنوان او بآخر يهتم بهذا، ونؤكد الحاجة الضرورية لهكذا مواد تشجع الطلبة على روح التعايش السلمي.

مقومات نجاح التعايش السلمي

الباحث خضر القرغولي بيّنَ في بحث له بعنوان (التعايش السلمي في العراق بين الواقع والطموح) إن آليات تعزيز التعايش السلمي هي تلك العملية التي تهدف الى تحقيق الوحدة الوطنية والاندماج الوطني والتلاحم بين عناصر الامة وذلك بدمج الجماعات المختلفة والمتميزة عن بعضها بخصائص ذاتية في نطاق سياسي واحد تسيره سلطة مركزية واحدة وبقوانين تفصل كل اقاليم البلاد وتنطبق على كل افراد المجتمع .

واضاف" إن ما نحتاج اليه هو ضرورة بناء مقتربات تبادل بين ما يحمله مجتمعنا من تنوع متعدد العناوين، ومن الوسائل التي تعمل على ذلك:

اعادة بناء مؤسسات الدولة: ان السبيل الامثل لإعادة بناء الادارة المؤسسية (الدولة) تحتاج الى نقطة شروع موثوق بها كي لا يتحول الجهد الى نسق نحو النيل من عملية التعايش السلمي واطارها الوجودي.

ضرورة خلق وعي ثقافي-اجتماعي شعبي بالمواطنة والتعايش: ان المجتمع العراقي بحاجة الى استيعاب عملية التغيير السياسي لاستثمار التغيير الذي حصل في نيسان 2003، فهناك شرائح ما زالت دون استيعاب عملية التغيير او ضدها بسبب المصالح او الولاء للنظام السياسي السابق، وهناك شرائح اخرى استقبلت التغيير كانه انتصار مذهبي او اثني.

ضرورة تغيير القناعة بالمواطنة من الولاء الى العمل: ان الانسان العراقي يمتلك الوعي السياسي والشجاعة والموقف في الافصاح عن قناعته في المشاركة والبناء، ويمثل هذا عتبة انطلاق ينبغي استثمارها، وبقدر ما هي معنية على ترسيخ دعائم التعايش السلمي لانها الخيار الوحيد للاندماج الاجتماعي والسياسي.

ضرورة تشجيع ثقافة الحوار والتسامح: ان اتمام عملية التعايش السلمي المبنية على الاعتراف بالاخر، والتسامح وتجاوز تراكمات الماضي ونبذ العنصرية والطائفية، انما شكل الخطوة الاهم بالتحول من ثقافة التراكم لسلبيات الماضي الى ثقافة البناء الايجابي نحو المستقبل.

أمثلة من الواقع

في مطلع عام 2021م افتتحت العتبة الحسينية المقدسة مركزاً للشفاء في ناحية برطلّة بمحافظة نينوى، وهو الخامس عشر ضمن سلسلة المستشفيات ومراكز الشفاء التي أنشأتها العتبة الحسينية في مختلف المحافظات العراقية.

عضو مجلس ادارة العتبة الحسينية المقدسة فاضل عوَز قال: تم افتتاح مركز الشفاء الخامس عشر في ناحية برطلّة بمحافظة نينوى مركز الشفاء الذي تبنّت إنشائه العتبة الحسينية بسِعة 125 سريراً، بالتعاون مع وزارة الصحة ودائرة صحة نينوى". مبيناً" ان خدمات هذا المشفى لا تقتصر على تقديم العلاج واجراءات الطوارئ وانما هو يحتوي على صالات عمليات وجناح للولادة، ومرافق متكاملة مؤهَلة لاستقبال أغلب الحالات المرضيّة".

من جهته قال رئيس قسم المشاريع الهندسية بالعتبة المقدسة المهندس حسين رضا مهدي" في بداية الامر كان الهدف هو انشاء مركزاً للشفاء، ولكن بعد مناشدات قدّمها الشيوخ والوجهاء وأهالي الناحية بعدم وجود مستشفى، صدرت التوجيهات من المتولي الشرعي للعتبة الحسينية بتحويل المشروع الى مستشفى متكامل، يقدم خدمات الطوارئ وعلاج المرضى وصالة عمليات كبرى وجناح خاص للولادة".

وبين رئيس قسم المشاريع الهندسية" ان المشروع يقع على مساحة 5500م2 فيما تبلغ المساحة البنائية 2200م2، والسعة السريرية 125 سريراً، مع مساحات خضراء داخلية وخارجية، ومنظومات مهمة كمنظومة الاوكسجين المركزية بخزان سِعة 12 طناً، ومنظومات المراقبة الالكترونية والانترنت، ومنظومة الضغط السالب للتهوية والتبريد، وكل هذه التجهيزات تم انجازها بمدة لم تتجاوز الشهرين".

وزير الصناعة منهل عزيز الخباز رأى" ان انجاز مثل هكذا مشاريع صحية مهمة ليس غريباً على ما تقوم به المرجعية الدينية والعتبة الحسينية، من خدمات كبيرة ومتنوعة لدعم الواقع الصحي في العراق".

وأضاف" هذا التكاتف والتعاون المشترك يقدم رسالة مهمة مفادها ان العراقيون أخوة موحَدين ومتعاونين، ونحن بدورنا نؤكد استمرار التعاون بين وزارة الصناعة ووزارة الصحة في تقديم كافة الاحتياجات الممكنة، بدءاً من توفير الاوكسجين الطبي والكمامات وأجهزة التعقيم ومواد التعفير، وحتى صيانة اجهزة التكييف والمعدات الطبية". مؤكداً" سعي وزارة الصناعة الى تعزيز شعار "صنع في العراق" وجعله واقعاً يشار له بالبَنان".