باحث إسلامي: الأنبياء والرسل تبنّوا قيَم حارسة للمسيرة الإنسانية ولولاهم لشَهِدت هذه المسيرة مصير مظلم

- الخطاب الديني غير المسؤول يرتد سلباً على وعي الشاب وعلى قراره من التدين.

- القراءة المجتزأة تتسبب بظهور مفاهيم خاطئة ورؤية منقوصة عن الدين.

منذ ان خُلق الإنسان وهو يتفكر في ما حوله متعكزا على عقله وحواسه في تفسير الظواهر الكونية واسرار الموجودات باحثا عن اسبابها وعلاتها، ومن ألطاف خالق هذه الموجودات ان جعل له ادلاء يهدون خلقه وهم الانبياء والرسل, اي انه لم يترك البشر دون هداية بل دل على ذاته بذاته وترك اقرار الإنسان بهذه الحقيقة وايمانه بها مرهونا باختياره, لذا تجد ان المجتمعات البشرية منقسمة بين من يؤمن بالله ويقر بتوحيده وبين من ينكر له عزَ وجل.

وقد ترتب على أثر ذلك نشوب صراع  بين هذه المجتمعات, إذ ان بعضها انبرى لمحاربة  الاديان السماوية او سعى للتقليل من شأنها وتحريفها, اما البعض الآخر فيرى ان لا مناص من الايمان بما جاء بالكتب السماوية وتطبيقه في جميع مفاصل الحياة.

 ولسبر غور هذا الموضوع والبحث في تفاصيله التقى مركز الاعلام الدولي (IMC) بالباحث الاسلامي والأستاذ في كلية الإمام الكاظم عليه السلام الشيخ اركان التميمي. 

في البدء نود ان توضح ماهية الدين ولماذا يتدين الإنسان؟

التميمي: الدين  حاجة إنسانية ملحة، فلم تنشأ حضارة، او قرية، او مدينة إلا ولها دين تدين به، وهذا ما أثبتته الحفريات  التاريخية، وبصرف النظر عن ذلك الدين سواء كان هذا الدين ديناً صحيحا كالأديان السماوية ام دينياً وضعياً، ويذكر ان للإنسان اربعة ابعاد نفسية والبعد الرابع يقال له العاطفة الدينية او البعد الديني، ويقصد به ان الإنسان حريص على التدين، حريص على ان يكون له دين يملي غريزته النفسية المتجذرة المجبول عليها، ولكن اختيار الدين يجب ان يكون صائبا دقيقا، لذلك ان الله سبحانه وتعالى خلق ادلاء يهدون الإنسان الى الطريق القويم وهم الانبياء  إذ يقول جل وعلا  في القرآن الكريم (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ).

في خضم تعدد الاديان والمذاهب والحركات كيف للشخص ان يختار دينه وعلى  ماذا يعتمد في اختياره؟

التميمي: هناك جملة من الامور والادلة التي يعتمد عليها الإنسان في اختياره لدينه واولها العقل، وفي الدين الإسلامي وبالتحديد في اصول الدين لا يجوز تقليد العلماء واول الاصول هو التوحيد فلا يجوز ان اقلد عالماً واقول لأنه يقول  بالتوحيد انا ايضا اقول بان الله واحد هذا غير صحيح وغير جائز، عليَّ ان أُؤمن بالله تعالى عن طريق العقل عن طريق دليل يقوم عندي حتى  وان كان هذا الدليل دليلا بسيطاً كتلك الاعرابية التي سئلت ما دليلك على الله جل شأنه؟ قالت: دليلي مغزلي هذا المغزل الذي اغزل فيه، فان هذا المغزل ان لم احركه بيدي لا يتحرك فكيف يعقل ان هذا العالم الكبير وهذا الكون الفسيح يتحرك لوحده ويدير شؤونه بنفسه، وهنالك الدليل الوجداني  وهو ان الإنسان يؤمن بفطرته بوجود الله تبارك وتعالى وهذا دليل ايضا، ويمكن للإنسان ان يستدل على وجود الله تعالى من خلال البحث والقراءة وعلى وجه الخصوص ما يتعلق بالكتب السماوية وسير الانبياء عليهم السلام.

يذهب البعض الى عزل الدين عن الشؤون الهامة للمجتمعات ما ردك على هذا الاعتقاد؟

التميمي: ان الخطأ في فَهم الدين يولد خطأً في التعامل معه فلعلَّ الإنسان مؤمنا بالله تبارك وتعالى لكنه يحصر الدين بالجانب العبادي، بينما ان  اي حركة يتحركها الإنسان ويراعي فيها ويلحظ فيها الله تبارك وتعالى هي من الدين، يعني ما يتحرك به الإنسان في دائرة رضا الله تبارك وتعالى كله دين سواء اكانت هذه الدائرة عبادية خاصة كالصلاة والصيام والعبادات والطقوس والشعائر او ممارسة  عمل ما يعيل به عياله، هذا العمل في دائرة رضا الله تبارك وتعالى وهو من الدين ايضا ولذلك ورد في القرآن الكريم (وما خلقت الجن والأنس الا ليعبدون) والعبادة غير محصورة بالعبادة الخاصة كالصلاة والفرائض الاخرى  بل العبادة هنا  معناها ان يكون الإنسان عبدا لله تبارك وتعالى اي ان يتحرك في كل حركاته برضا الله تبارك وتعالى، اشير الى قضية هامة وهي ان تقسيم العلماء للرسائل العملية الى باب للعبادات و آخر للمعاملات ليس تقسيما على ضوء ان هذه عبادات وهذه ليست عبادات وانما تقسيم وتبويب علمي فقط، وإلا فالعبادات و المعاملات كلها عبادة إذا كانت لرضا الله تبارك وتعالى، مثلاً الارث هو في جزء المعاملات وتقسيمه يكون على ضوء الاوامر الالهية والتعاليم الشرعية لذا فهو عبادة وكل مفاصل الحياة ينظمها التشريع، فتجد التشريع الديني يعتمد في القضاء و السياسة والاقتصاد وفي سائر الجوانب والاختصاصات الاخرى.

لو فصل الدين عن الجوانب الحياتية الأخرى او تدنى الالتزام الديني للمجتمعات كيف  سيكون انعكاس ذلك؟

التميمي: دعنا نطرح تساؤل آخر يقترب في المعنى من التساؤل الذي طرحته لو تصورنا ان المسيرة البشرية بدون انبياء و أئمة معصومين و كتب سماوية ما مصير هذه المسيرة؟ يجب ان ندرك ان البشرية ستشهد فوضى عارمة ومصير مظلم، فالإنسان بطبعه يميل الى الشر والفجور كما في قول الله عز وجل (بَلْ يُرِيدُ الْإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ) لذلك لابد من وجود قيم حارسة للمسيرة الإنسانية ومحددة للسلوك القويم و كل هذه القيم النبيلة و المفاهيم الصحيحة والسامية انما جاءت من الكتب السماوية والانبياء المبعوثون من قبل الله تعالى.

الى ماذا تعزو اسباب تخلي الشخص عن هويته الدينية او عدم اتباعه لدين معين؟

التميمي: هنالك مجموعة من الاسباب التي تجعل الإنسان لا يتدين بدين او يتخلى عن هويته الدينية وقد يكون في طليعتها الجهل، فقد يجهل الإنسان اهمية التدين  او ينكر وجود الله عز وجل ولا يؤمن بوحدانيته لا عن  دراسة ومتابعة وقناعة صحيحة وانما اعتمد على دعوات مشبوهة مغلوطة يسمعها هنا او هناك وهذه الدعوات لا تستند الى دليل علمي اطلاقا او انه نشأ في بيئة تخلو من الاجواء الدينية واتبع من سبقه من أهله وذويه اتباع أعمى خال من البحث والتمحيص,  والله تبارك وتعالى أشار الى ذلك في قوله (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَآ أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ ءَابَآءَنَآ  أَوَلَوْ كَانَ ءَابَآؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْـًٔا وَلَا يَهْتَدُونَ).

هل تعد القراءة المنقوصة هي أحد الاسباب التي تبعد المجتمع عن الدين؟

التميمي: بالتأكيد، ان القراءة المجتزأة للدين تتسبب ايضا ببروز مفاهيم خاطئة ورؤية منقوصة عن الدين, كما ان  الخطاب الديني الذي يقدمه البعض خطاباً غير مسؤول و لا يرتقي لجذب الشاب واقناع الناس، و هذا الخطاب غير المسؤول و غير الناهض يرتد سلباً على وعي الشاب وعلى قراره من التدين لأنه سيقرأ الدين من خلال هذا الخطاب فقط. 

تبنى الإسلام التحضر والمدنية ونبذ الجهل والتخلف ما الاسس والمعايير التي اعتمدها الإسلام لتطبيق ذلك؟ 

التميمي: لا شك ان الإسلام يدعو بل يصر على الارتقاء بحياة الإنسان حيث ان الشرع الإسلامي اهتم بكل الجوانب التي تتصل بالفرد وتمس كيانه ومنها النهوض بالجانب الاقتصادي للفرد وسعى لإلغاء الفوارق الطبقية بين افراد المجتمع بما يتلاءم وتحقيق الرفاهية للجميع، وما فريضة الزكاة والخمس والحث على مساعدة الفقراء والمحتاجين الا مصاديق لذلك، وحث الإسلام على التعلم وطلب العلم إذ قال الله تعالى في كتابه الكريم (وهل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) وهنالك الكثير من الاحاديث التي تحث على التعلم حيث قال الإمام الصادق عليه السلام (ليت السياط على رؤوس اصحابي حتى يتفقهوا في الدين) وهنا يؤكد الإمام عليه السلام على أهمية العلم وضرورة تسلح المجتمع به.

كيف تقرأ اثر انعكاس التدين على تعايش المجتمعات وازدهار الشعوب؟

التميمي: الاديان السماوية دعت الى التعايش والتواصل بين المجتمعات بما يعزز ازدهار الشعوب وتقدمها وقد قال سبحانه وتعالى في القرآن الكريم (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا  إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ  إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)  ولكن هذا الامر مرتبط بفهم الدين فاذا كان فهم الشخص للدين فهما صحيحا سينعكس ذلك على سلوكه وتصرفاته وعلاقته بالآخرين، ويعد ما تتبناه مدرسة اهل البيت مصداق للفهم الحقيقي  للدين، اما الفهم الخاطئ للدين فقد انتج مدارس تعيش التصلب والجمود والتكلس وتقوم على تكفير الاخرين مما يجعلها خطرا يهدد بنية التعايش السلمي.

هل هناك مخاطر تهدد الالتزام الديني للمجتمع او تحد منه أين تكمن هذه المخاطر؟

التميمي: لا شك في ان المخاطر كثيرة واولها البيئة التي يعيش فيها الإنسان وقرناء السوء هم من ضمن المخاطر التي تهدد الفرد الذي يعد اللبنة الاساس  في بناء المجتمع و ووسائل الإعلام غير الملتزمة و قنوات التواصل الاجتماعي المغرضة تعد تهديدا حقيقيا للمجتمع، إذ تبث هذه القنوات والوسائل برامج هابطة تسيء للأسرة والمجتمع  وبالتالي تساهم مساهمة فعالة في اضعاف الالتزام الديني للمجتمع وتبعده عن القيم و المفاهيم النبيلة والسامية التي زرعها الدين وتقف وراء هذه البرامج اجندات خارجية تعمل على سلخ الإنسان من انسانيته وجعله لا يقدر ذاته ولا يحترمها وذلك يحتم علينا ان  نعي هذه المخاطر وان نقف وقفة جادة وان نسخر اعلامنا لمجابهة هذه المخاطر.

حوار: عماد بعو

تحرير: فضل الشريفي

المصدر : مجلة الروضة الحسينية