جامع النبي يونس شاهداً على تاريخ مدينة عريقة

يعد جامع النبي يونس من المساجد التاريخية الأثرية في العراق، ويقع على السفح الغربي من تل التوبة في الموصل، في الجهة اليسرى من نهر دجلة، ويحظى الجامع بقدسية لدى المسلمين وغير المسلمين ومن مختلف الجنسيات، ويتوافد عليه الزوار من داخل البلاد وخارجها.

وأقدم تنظيم داعش الارهابي خلال فترة سيطرته على مناطق واسعة من شمال وغرب العراق على هدم وتفجير جامع النبي يونس (عليه السلام) في الموصل مركز نينوى على بعد 450 كيلومترا الى الشمال من بغداد في تاريخ 24 تموز/ يوليو 2014 الموافق لـ26 رمضان 1435 هجرية، ضمن حملة شنها التنظيم لتهديم المساجد والجوامع التي تحتوي على اضرحة.

تاريخ بنائه

وعلى الرغم من وجود مئات الجوامع في الموصل الا ان جامع النبي يونس يعتبر من أكثرها تميزا في أسلوب البناء، كما ان موقعه الاستثنائي المرتفع على تلة عالية في وسط المدينة جعل منه محط الأنظار.

ولا يعرف تحديدا تاريخ بنائه ولكن ذكره أبو زكريا الأزدي المتوفي قريبا من سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة. الا ان ما يتفق عليه كثيرون ان تاريخ بدء البناء في  القرن الرابع الهجري.

وذكر الرحالة الشهير ابن بطوطة (703 - 779هـ) هذه التلة باسم تلة النبي يونس عندما قدم إلى الموصل، حيث أورد ذلك في كتابه تحفة النظار قائلاً: "وفي التل بناء عظيم ورباط فيه بيوت كثيرة ومقاصر ومطاهر وسقايات ويضم الجميع باب واحد، وفي وسط الرباط بيت عليه ستر حرير وله باب مرصع يقال انه الموضع الذي به موقف يونس عليه السلام ومحراب المسجد الذي بهذا الرباط يقال انه كان بيت متعبده عليه السلام. وأهل الموصل يخرجون في كل ليلة جمعة إلى هذا الرباط يتعبدون فيه".

وكان الجامع يجذب الكثير من الزوار الاتراك الذين يعتبرون المرور والصلاة بالجامع من المناسك المكملة للحج، حتى ان كثيرا من العوائل التي تقطن قرب تل التوبة كانوا يتكلمون اللغة التركية.

مراحل هَدم الجامع

وفي حزيران 2010 لحقت بالسور الخارجي للجامع أضرار طفيفة بعد انفجار عبوة ناسفة قربه. فيما تم تحطيم وهدم مبنى الجامع الذي يحتوي على مرقد النبي يونس بيد عناصر داعش الارهابي في 24 تموز 2014.

وقد وضع مجموعة من عناصر تنظيم داعش المتفجرات على الجدران الداخلية والخارجية للمسجد. ثم أمر العناصر الارهابية المصلينَ بالمغادرة كما صدرت تعليمات للسكان بالابتعاد عن المبنى بما لا يقل عن 500 متر، حسب تقارير صحفية، وفي غضون ثوانٍ من التفجير تحول مرقد النبي يونس الذي كان شاهدا على تاريخ مدينة عريقة إلى أنقاض.

ونشر التنظيم الارهابي مقطعاً لتفجير ضريح النبي يونس في عام 2014، فكان الحدث جزءا من حملة تدمير طالت مواقع ورموزا مقدسة في الموصل.

حقيقته

يذكر بعض المؤرخين ان النبي يونس مدفون قرب الجامع، كما يذكر اخرون ان هذا المكان ليس مرقد النبي يونس الحقيقي، وإنما هو مرقد لاحد الأنبياء السابقين حينما كانت نينوى مركزا دينيا، فيما يزعم عدد آخر انه جزء من قصر اسر حدون الذي توجد آثاره تحت بقايا المسجد القديم. وتوجد عين ماء تسمى "عين الدملماجة" والاسم عن (داملة مه جه) التركية وتعني هنا الترشيح لأن ماءها يكون في الصيف قليلا ويترشح من جوانبها اما في الربيع فيزيد ماؤها وربما ملأ قسما من الوادي الذي تقع فيه العين.

وتشير الأبحاث الأكاديمية إلى أن النبي يونس غير مدفون هناك. بل إن المعروف أن هناك قبوراً عدة للنبي يونس في أنحاء مختلفة من العالم.

حتى أن العظام التي يعتقد أنها تعود للنبي يونس قد تكون في الحقيقة عظام لبطريرك في كنيسة الشرق يدعى هينانيشو الأول، دُفن في الدير عام 701، حسب الابحاث.

ولا يعرف علماء الآثار بعد ما إذا كانت عظام هينانيشو نجت من التفجير أم لا. إلا أنهم عثروا على آثار لم ترها عيون البشر منذ آلاف السنين.

النمط المعماري

من الملاحظ التصميم المعماري لجامع النبي يونس اسلامي، وهو مقاربا للعمارة التركية، وقد كسيت جدرانه الخارجية بأحجار الحلان البيضاء المصفرة، وهذا ما تشتهر به المنطقة في شمال العراق بطريقة البناء.

يتكون الجامع من بنائين يفصل بينهما طريق عرضه (6م)، البناء الأول مربع الشكل يقع في الجانب الغربي من التل تحيط بفنائه أروقة من جهاته الأربعة وفي الزاوية الغربية منه غرفة فيها ناعورة، وكان يصل بين هذا القسم والقسم الثاني من الجامع نفق تحت الأرض يصعد فيه بدرج الى البناء الثاني من الجامع.

اما البناء الثاني، الأكبر مساحة من القسم الأول فناؤه مربع الشكل على يسار الداخل إليه من الباب الغربي تقع المدرسة وغرفة المعبد وغرفة المقيم (الكليدار) أمامها جميعا أروقة، وتقع المنارة في الجهة الشرقية من الفناء تقابل الباب الغربي وهي مبنية من حجر الحلان الأسمر تشبه المنائر التركية في طراز بنائها وهي ثالث منارة بنيت في الموصل على هذا الشكل.

اعداد: عامر الشيباني