دور العتبة الحسينية في توعية الشباب.. السعي لترسيخ الريادة في نفوس النشء الجديد

تعد مرحلة الشباب من أهم المراحل التي يمر بها الفرد، حيث تبدأ شخصية الإنسان بالتبلور، وتنضج معالم هذه الشخصية من خلال ما تكتسبه من مهارات ومعارف، ومن خلال النضوج الجسماني والعقلي، والعلاقات الاجتماعية.

وبغض النظر عن العمر الذي يحدد سن الشباب، فإن العتبة الحسينية لم تدخر جهداً ولا سبيل في مسألة دعم هذه الشريحة توعوياً ودينياً وثقافياً وتربوياً وفكرياً إلا وسلكتهُ، من أجل صنع قادة المستقبل، وفق المقاييس التي ترتضيها مفاهيم أهل البيت عليهم السلام ومبادئهم السامية.

مشاريع تنموية متعددة الجوانب

المتابع لما تقوم به العتبة الحسينية المقدسة من مشاريع انسانية وخيرية وتطوير البنى التحتية بالإضافة الى دعم المؤسسات الحكومية، لا يعدها مؤسسة دينية وحسب، بل أصبح ينظر إليها كمؤسسة مشاريع إنسانية وتطويرية مع الحفاظ على قدسيتها ومنبع وجودها، وبجهود كوادرها الخاصة استطاعت العتبة المقدسة أن تؤسس أقسام ومراكز تهتم بشرائح المجتمع وتثقيفهم، ومنها مركزاً لرعاية الشباب الذي ترسخت فكرة تأسيسه نتيجة الحاجة الملحّة لإنقاذ المجتمع من خطر انعدام وجود قادة شباب، وبعد أن اخذ التطور السلبي يجتاح هذه الفئة المهمة.

ولتسليط الضوء على مركز رعاية الشباب تحدثَ مدير المركز محمد علي الربيعي قائلاً" وضعنا خطة عمل لاستكمال الحلقات الخاصة في نجاح كل مشروع من المشاريع التي يتبناها المركز، موضحاً" نسعى الى استهداف شريحة الشباب وإدخالهم في دورات مختلفة منها مهنية وتكنولوجية وأخرى تنموية ونفسية، ومؤكداً" حصول الكثير من الشباب المتخرجين من الدورات على فرص مهنية في سوق العمل، وأصبحوا بارعين.

وشدد الربيعي على" أن مسألة تقويم سلوك الشباب ورسم المسارات الصحيحة لهم، بحاجة الى تضافر الجهود في المؤسسات الدينية والمجتمعية والأسرية، قائلاً" أوجه النداء الى أولياء أمور المستفيدين من هذه الدورات الى مواصلة تشجيع أبنائهم ومتابعتهم بشكل جيد". موضحاً" ان المركز يمنح المستفيد الثقافة التي هي بمثابة السلاح الذي يجابه به الحياة وإعطائه الجرعات النفسية والتوجيه السليم، بالإضافة الى تعليمه المهنة ومستلزماتها مجاناً، حيث يرعى المركز العشرات من الفعاليات والنشاطات الشبابية وأقامة البطولات الرياضية والمسابقات على مستوى معظم المحافظات العراقية، من خلال فروعه التسعة المنتشرة في المحافظات".

مركز للإناث

المهندسة سارة محمد، مسؤولة مركز الحوراء زينب التابع للعتبة الحسينية قالت" نعمل على الاهتمام بشريحة الفتيات في مرحلة الشباب، من خلال عدة نشاطات منها دورات في مجالات متنوعة وعقد الندوات الفكرية والثقافية، ويأخذ المركز على عاتقه تنشئة الفئة الشبابية من الإناث، موضحة" لكثرة الطلبات التي ترد الينا حول استيعاب فئات عمرية أخرى وشمولها في الدورات التنموية والتعليمية، فقد عمل المركز على افتتاح دورات جديدة تشمل مختلف الفئات والأعمار لأكبر عدد من المستفيدات".

وأضافت سارة" الدورات التي أقامها مركز الحوراء زينب متنوعة ومنها 21 دورة في مجال الإسعاف الأولية وأساسيات التمريض، فيما بلغ عدد المشتركات ما يقارب 950 مشتركة، بالإضافة الى دورات تعليم مهنة الخياطة والتي بلغ عددها 28 دورة تخرج منها 826 مستفيدة، و 13 دورة في تعلم قيادة الحاسوب وبرامجه بمشاركة 312 فتاة، مبيّنة" أن المركز يسعى الى استقطاب عدد من الكفاءات من داخل وخارج العراق لتدريب وصقل المواهب الأدبية للموهوبات في هذه الفنون.

تنمية وعطاء

وعملت العتبة الحسينية على تشكيل قسم آخر تخصصي لتطوير وتنمية الموارد البشرية، حيث يقيم هذا القسم دورات وندوات متنوعة في سبيل تطوير وتحسين الفكر والإبداع والابتكار داخل المجتمع.

ويعمل القسم على اتاحة الفرصة للشباب لتبادل المعلومات والخبرات فيما بينهم، ونقل مجموعة من الخبرات المتقدمة للمتعلمين ضمن برنامج دورات متكامل، يشمل دورات انسانية، ادارية، تقنية، وقائية، تربوية، مهنية، ودورات تعليم اللغات الأجنبية، بالإضافة الى الندوات الثقافية والمحاضرات الفكرية والمسابقات الهادفة، وأنشطة تطويرية عديدة تستهدف تطوير شريحة الشباب بشكل خاص".

 

تمكين الشباب هدف أساسي

 

بعد أن اخذ الفراغ يضيع وقته، استيقظ (سجاد) على مهنة يمكن ان تقضي على آفة الضياع، التي يسببها عدم التخطيط في استغلال أوقات الفراغ، وسرعان ما حجزَ كرسياً له في احد محال الحلاقة، ليطبق ما تعلّمه في  الدورات التي تلقاها في احد مراكز توعية الشباب، ليبدأ بمهنة قص الشعر.

لم يكن الشاب سجّاد مهتماً للإعلان الذي شاهده في شاشة هاتفة الخلوي على مواقع التواصل الاجتماعي، الذي تضمن فتح دورات مهنية في مركز رعاية الشباب التابع للعتبة الحسينية، فقد بدى انه لا يستطيع العمل بمهن حرفية، لعدم قدرته على ترك أفكار اليأس التي تجول في مخيلته.

وقال سجاد، وهو طالب في مرحلة الخامس الإعدادي" لم أكن املك طموحاً سوى أن أتم مرحلتي الدراسية، ولكن كانت نقطة كسر حاجز اليأس وتحقيق الطموح، عندما لمحت في الفيسبوك منشوراً يتحدث عن انطلاق دورات تعلم مهنة الحلاقة، وقد كانت بداية الأمر صعبة إلا انني نجحت في خوض هذه التجربة مع بعض الأصدقاء".

وأفاد سجاد" الحديث عن دعمنا نحن كشباب من قبل العتبة الحسينية المقدسة لم يكن من قبيل المِنّة علينا او الاستفادة منّا مالياً بل ان ادارة العتبة الحسينية ومركز رعاية الشباب بشكل خاص كانوا لنا أخوة وآباء قبل أن يكونوا مدرّبين في تعليمنا مهنة ما، فالجرعة النفسية التي أخذناها قبل أن نتعلم الأعمال المهنية كان لها دور كبير في توظيف الإمكانيات والثقة بالقدرات".

وبسبب عمله في إحدى مكاتب بيع القرطاسية لم يستطيع خريج قسم التحليلات المرضية محمد عبد الله من التواجد في دورات فن التصوير الحديث التي يقيمها مركز رعاية الشباب، إلا ان شغفهُ وإصراره على ذلك دفعه للمشاركة.

وقال محمد" كان من الضروري أن اشترك في دورة فن التصوير منذ مدة، ولكن ظروف العمل حالت دون ذلك، حتى فكرت أن أتحدث الى رب العمل، فأما أن يسمح لي بأخذ ساعة للالتحاق بالدورة او أن أترك العمل لديه، ولحسن الحظ استطعت أن التحق بدورة التصوير وكلي ثقة وطموح.

واليوم يقف (محمد) في احد زوايا محل عمله ويلتقط الصور بطريقة احترافية، ويستفيد في تطوير وضعه الاقتصادي قدر الإمكان.

وأسفَ محمد لحال بعض الشباب الذين يضيعون فراغهم في المقاهي داعياً إياهم للاستفادة والتعلّم، واصفاً ما تقدمه ادارة العتبة الحسينية ومراكز التطوير التابعة لها بالفرصة الذهبية لمَن يرغب في تطوير ذاته.

أما بهاء باسم، الطالب في كلية الهندسة، الذي شارك في عدة دورات منها الثقة بالنفس والتنمية البشرية، واتخاذ القرار، فقد كانت ثمارها إعادة إلقاء المحاضرات وتقديم المهارات التي تلقاها في مركز رعاية الشباب ونقلها الى جامعته وبين زملائه.

تحقيق: محمد ضياء الدين

تحرير: صباح الطالقاني