مدينة الوركاء الأثرية.. منبَع أول حروف الكتابة في التأريخ

تحتوي بلاد الرافدين على ابرز المدن التاريخية التي ساهمت في اثراء الحضارة بمنجزات تاريخية ومعرفية مختلفة, وتعتبر مدينة الوركاء الأثرية من أهم وأقدم هذه المدن حيث انطلقت اول حروف للكتابة منها إضافة إلى أنها مدينة المعابد والسلالات والممالك, كذلك احتوائها على أول فنون العمارة والنحت والأدب.

موقعها واصل تسميتها

تقع مدينة الوركاء أو (اوروك باللغة السومرية) على الضفة الغربية من مجرى نهر الفرات القديم، الذي ابتعد عنها بسبب تغيير الانهار لمجاريها, وتبعد مسافة 30 كيلومتر شرقي مدينة السماوة و 12 كيلومتر شمال شرقي قرية الخضر, والوركاء هو اسم عربي محرّف من الاسم السومري (اوروك) المدينة التي عاش بها گلگامش وكتب فيها ملحمته الشهيرة، وهي أول مدينة متحضّرة في تاريخ البشرية في حدود (4000) سنة ق.م.

 وبُنيت خلال تلك الفترة القرى الزراعية حول مدينة أوروك، وكانت تتمتع في ذلك الوقت بقوة عسكرية واقتصادية, ويذكر المؤرخون ان تاريخ مدينة الوركاء يعود الى حوالى 3800 ق.م وهي عصور ما قبل التاريخ اي بداية العصر البرونزي, وقد حكم في هذه السلالة 12 ملكاً أولهم "مسكيكاشر" وأبرزهم الملك المشهور "كلكامش" الملك الخامس في هذه السلالة وهو صاحب الملحمة المشهورة التي ترجع في أصولها إلى عدة نصوص سومرية.

أهميتها التاريخية

وتكمن أهمية مدينة الوركاء في تميزها التاريخي إلى جانب أنها أول بقعة في الأرض اكتشفت فيها الكتابة قبل 3500 عام ق. م وبزغ منها نور المعرفة والكتابة الصورية ومن ثم المقطعية وبعد ذلك المسمارية، فهي تعد موطنا لعبادة الآلهة أنوا -آلهة السماء- ولهذا فهي موقع ديني مهم في العراق القديم، فضلا عن أنها تمثل مصدر انطلاق ملحمة كلكاماش الشهيرة التي كان الملك الخامس فيها.

وعاش في مدينة الوركاء في ذلك الوقت نحو 50 ألف شخص وفقا لنظام اقتصادي وإداري متطور، وتم اكتشاف المدينة قبل مئة عام خلال عمليات تنقيب ألمانية في العراق, ومرّت بعدة مراحل تنقيب كان آخرها بعد عام 2003 من قبل البعثة الالمانية إلا انه تم ايقاف العمل بها من بعدها, ورغم كل هذه المراحل من التنقيب إلا ان نسبتها لا تتجاوز 5%. فقط.

من هنا انطلقت أولى أحرف الكتابة في العالم

تعتبر مدينة اوروك اول مدينة في العالم انطلقت منها أحرف الكتابة، حيث عثر فيها على رموز تصويرية وأعداد من ألواح طينية, وكان أصل الكتابة فيها متواضعاً ولم تظهر لنقل الدين ولا لنقل الأحداث التاريخية ولا لكتابة الأدب أو الأفكار الإنسانية في البداية بل لتدوين واردات وحسابات المعابد, وكانت مراحل الكتابة الأولى تصويرية أي أن أشكالها مشتقة من أشياء تراها العين في الحياة اليومية مثل إنسان ومسكنه، حيوانات مدجَّنة وحيوانات الصيد ونباتات وخضروات مزروعة وأسلحة ومعدات منزلية وأدوات زراعية.

وفيما بعد أصبحت الكتابة بشكل علامات تُحفر بأسلوب معين حيث تخط على رُقُم الطين الناعم بخطوط مستقيمة يستدق طرفها بشكل مسامير ومن هنا جاء اسمها (الكتابة المسمارية), ومادة الطين كانت تمثل أجود مادة كتابية خصوصاً حينما يُشوى وهو عبارة عن مادة رخيصة تدوم مدة طويلة, كما كان البردي النبات الذي أستخدم لعمل الأقلام للكتابة على قطع الطين الطري.

حكّام وسلالات تعاقبت في مدينة اوروك

مر خلال عصور مدينة الوركاء عدّة سلالات وحكام حيث سكنها  السومريون ثم الأكديون ثم البابليون والكيشيون الذين شيدوا فيها المعابد والقصور، وحكم في الوركاء الأشوريين والكلدانيين والفرس الأخمينيين، كما أنشأ فيها الإغريق والسلوقيون والفرثيون عدة بنايات لا زالت بقاياها تلول منطمرة, ولا زالت تضم أثاراً متنوعة منها المعبد السومري والمعبد البابلي والمعبد الأكدي والمعبد الروماني ومعبد الفسيفساء, حيث كانت الفسيفساء تصنع من أقلام أو مسامير من الآجر، وكانت هذه الأقلام أو المسامير ذات رؤوس دائرية ملونة تغرس في جدران الطوب مؤلفة أشكالا زخرفيه وفنية.

فضلاً عن (زقورة الوركاء) وهي أهم الآثار التي اكتشفت في هذه المدينة، وتسمى زقورة ( اينانا ) التي يبلغ ارتفاعها 16متراً، شيدت فوق قاعدة مربعة اصطناعية تبلغ أبعادها ( 60متراً × 60متراً) ، وتعود هذه الزقورة الى زمن أورنمو.

وتعتبر هذه الزقورة من اهم الآثار الفنية التي وجدت في الوركاء، وهي عبارة عن برج أو صرح شاهق الارتفاع مؤلف من ثلاث إلى سبع طبقات أو مصطبات، تتناقص بالمساحة السومريون في العصور التاريخية يقيموا على قمّته شعائرهم الدينية كذلك استخدامها كأبراج لمراقبة العدو ودرء الهجمات.

الفخاريات من أشهر الفنون التي تميزت بها المدينة

اشتهرت مدينة الوركاء بالفخار الخاص بها، إذ أن لكل منطقة أنواع متميزة من الفخاريات تختلف عن المنطقة الأخرى، ويوصف فخار الوركاء بأنه فخار مدلوك أحمر اللون أو رمادي، وتطورت صناعة الفخار مع تطور فنون النحت ومع استخدام الدولاب الدوار الذي ساعد كثيرا في صنع الأواني الفخارية المختلفة الأحجام والأشكال وصولاً الى النحت الفني , إضافة الى الابداع في صناعة الأختام وفن التدوين وصناعة دولاب الفخار والعجلة.

لكن مدينة اكتشاف المعرفة والحضارة ومصدر كتابة أول حرف في العالم تعاني الاهمال والنسيان، كبقية المعالم الأثرية والسياحية التي تعتبرها بقية الدول موردا اقتصاديا مهما.

المصادر/

1-مديرية آثار المثنى

2-كتاب مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة

3-موسوعة حضارة العالم القديم

تقرير: سلام الطائي

تصوير: مرتضى الاسدي