سوء استغلال السلطة.. أوجه ومعالَجات

صباح الطالقاني

- لا يشترط في النشاط لكي يعد (فساداً) ان يكون فعلاً يجرمه القانون، فمِن الأفعال ما لا تجرمه القوانين ولكنه يعد فساداً إن تضمّنَ اساءة في استغلال السلطة الممنوحة لتحقيق مصالح فردية او جماعية مادية كانت او حتى معنوية.

-لا يقتصر وجود استغلال السلطة على القطاع العام بل هو قد يكون أكثر ظهورا في القطاع الخاص وفي مؤسسات المجتمع المدني بسبب ضعف الرقابة على هذه الجهات.

يُعد سوء استغلال السلطة من أبرز مصاديق الفساد، إن لم يكن أكثرها نشاطاً بسبب بصمته الواضحة سواء الخفية او المعلنة على التعاملات اليومية لملايين البشر فيما بينهم او مع المؤسسات والدوائر الرسمية والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني.

بل ان سوء استغلال السلطة شديد الخطر لتلوّنه بألوان مختلفة تارة تكون تحت يافطة الشخصية القوية التي تتحكم بكل شيء، وتارة أخرى تتلون بألوان الابتزاز للمرؤوسين في استغلالهم لأغراض جانبية لكي يحظى هؤلاء برضا المسؤول وبالتالي يبقون تحت خيمته ويظل هو ولي نعمتهم!

وعموما فان سوء استغلال السلطة يغطي مجموعة واسعة من الممارسات السياسية والاقتصادية والادارية المشبوهة والمريبة، ويشمل مساحة واسعة من الأعمال والتصرفات غير الشرعية، فهو ظاهرة معقدة تتشعب أسبابها وتتنوع آثارها، وتشمل أنواعاً مختلفة من أنماط السلوك الشاذة أهمها الرشوة والاختلاس واستغلال النفوذ والابتزاز وهدر المال العام  توظيف الاموال العامة لغير ما خصصت له والتهرب والمساعدة على التهرب من الضريبة وتسريب المعلومات وتفضيل ذوي الصلات والقربى في التعيينات والوظائف والعقود والمزاجية في اصدار القرارات الادارية دون التقيد بالقوانين والأنظمة والحصول على نِسب مقابل احالة العقود او المناقصات وغيرها.. .

الامر الذي يدفع باتجاه اثارة مكامن هذه الآفة التي يمكن أن تُعد التحدي الأكبر في عالمنا اليوم بل هي مرشحة لوراثة الارهاب من ناحية المخاطر على بناء الدولة والمجتمع.

استغلال السلطة جريمة متعددة الأوجه

يعد القانونيون استغلال السلطة أو النفوذ الوظيفي جريمة متعددة الأوجه، ويوجزها الدكتور في كلية القانون بجامعة كربلاء عبدالله عبد الامير طه من خلال تعريف أولي بقوله" ان جريمة استغلال النفوذ يمكن تعريفها بأنها استغلال نفوذ حقيقي او مزعوم للجاني على المختص في العمل او الامتناع عن العمل، وهو ما أكدته الحياة العملية بحيث لم يعد اقتضاء المقابل يقتصر عن اعمال الوظيفة الشخصية، وانما قد يتجر بعض الاشخاص بنفوذهم فيأخذون مقابلا لسعيهم إلى من يباشرون عليه هذا النفوذ ويحملونه على تلبية رغبة من اخذوا منه المقابل.

ويوضح د. عبدالله ان موضوع استغلال السلطة في المؤسسات ودوائر الدولة اخذ حيزه الواسع في وقتنا هذا وخصوصا بعد عام 2003 اذ ظهر الكثير من الفساد الإداري والمالي في اغلب المؤسسات، وهذا يعود سببه الى تغيير النظام وبناء دولة جديدة في عهد جديد فمن المؤكد ان تظهر معها هذه الامور وغيرها .

ويستدرك بالقول" على الرغم من تأكيد الوزارات على هذا الموضوع من انجاز المعاملات بشكل سريع ونزيه وعدم اخذ الرشوة والعمل بإخلاص إلا ان هناك الكثير ممن يخرجون على القانون ولا يمكن السيطرة عليهم وان فاعلية هذه القوانين وتطبيقها يرجع الى المسؤول المباشر للموظف كالمدير العام للدائرة او المؤسسة، فعليه ان يكون له القدرة على قيادة دائرته بشكل اداري محنك، اما المواطن فهو الآخر لا يخلو من مسؤولية الالتزام بالقوانين فإذا ابتدأ هو بمبادرة خرق القانون وتم ضبطه فيمكن تطبيق قانون العقوبات العراقي العام بحقه".

يُذكر ان مجلس النواب العراقي باشر في اصدار بعض القوانين لمحاربة الفساد في المؤسسات ومن ضمنها قانون النزاهة وقانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام لسنة 1991 رقم 14 المعدل، والذي كان ساري في العهد القديم مع العهد الجديد والذي حدد في الفصل الثاني منه في المادة الثالثة (ان الوظيفة العامة هي تكليف وطني وخدمة اجتماعية يستهدف القائم بها المصلحة العامة وخدمة المواطنين في ضوء القواعد القانونية النافذة). وهذه المادة صريحة حددت مبتغى او مفهوم الوظيفة العامة وهي خدمة الصالح العام، وان لا يقوم الموظف باستغلال وضيفته والمنصب الذي يعمل فيه للخدمة الشخصية.

وفي المادة الثالثة من البند التاسع جاء (الامتناع عن استغلال الوظيفة لتحقيق ربح او منفعة شخصية له او لغيره) وهذا البند يمنع الموظف من استغلال منصبه او مكانه الاداري لغرض انجاز أهداف شخصية او انجاز معاملات على حساب الآخرين، وكذلك حددت على الموظف استخدام الأدوات في مكان العمل لغير المصلحة العامة إلا إذا اقتضت طبيعة العمل غير ذلك وهذه القوانين تلزم الموظف القيام بواجبات الوظيفة حسب ما تقرره القوانين والأنظمة والتعليمات.

ويتابع د. عبدالله" كما تعرفون ان اي قانون يصدر من مجلس النواب خاص بوزارة معينة تصدر معه تعليمات توضح وتسهل العمل في ذلك القانون فعلى الموظف أن يلتزم بهذه التعليمات وإلا يعد مخالفا ويحاسب محاسبة ادارية وفق قانون انضباط موظفي الدولة او قد يحاسب ضمن قانون النزاهة بعقوبات جنائية وليس عقوبات ادارية".

الحُكم الشرعي يجرّم استغلال السلطة روحاً وتطبيقاً

الشيخ علي الخاقاني، يقدم شرحاً موجزاً للجانب الشرعي وتعامله مع مسالة استغلال النفوذ الوظيفي فيقول" من المشاكل التي كانت ولازالت مستمرة في الدوائر العامة هي استخدام الموظف لنفوذه في المؤسسة التي يعمل بها سلبيا لا ايجابيا، والاحكام الشرعية بينت هذا كل بحسبه، فمن الكبائر عند الشرع ان يكون الموظف مرتشياً قليلاً كان المبلغ ام كثيراً عيناً كانت ام مالاً وهذه القضية وردت فيها احاديث كثيرة منها في قوله صلى الله عليه وآله بهذا الصدد (انما أُهلك من قبلكم من الأمم انهم كانو اذا سرق فيهم الشريف تركوه واذا سرق فيهم الضعيف اقامو عليه الحد, ولو ان فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها). 

ان في هذا الحديث الشريف اشارة واضحة الى استغلال النفوذ حيث ان الشريف ويقصد به من له نفوذ او مكانة اجتماعية كان اذا ارتكب سرقة او جريمة من جرائم استغلال النفوذ لا يعاقب او لا يطبق عليه القانون, اما الضعيف ويقصد به من لا نفوذ او مكانة اجتماعية له فانه كان يقام عليه الحد ويشير الرسول الكريم الى ابنته فاطمة كنموذج الى عدالته وامكانية تطبيقه للحدود الشرعية حتى على اقرب الناس".

ويتابع" كذلك تقديم او تفضيل الاقارب والمعارف في انجاز المعاملات فهو اجحاف للمؤمن الآخر وبالتالي فهو يتحمل هذا الوزر الى يوم القيامة لأنه اخذ حق انسان وأعطاه لآخر، وان جريمة استغلال النفوذ ذات جذور اسلامية ورد الحكم بتجريمها روحا وتطبيقا وهي واضحة المعالم في القران الكريم ,حيث جاء فيه (سماعون للكذب اكالون للسحت فان جاءوك فاحكم بينهم او اعرض عنهم فلن يضروك شيئا,وان حكمت فاحكم بينهم بالقسط ان الله يحب المقسطين )المائدة -42. ويقصد بالسحت كل مالا يحل كسبه.

أما ما يخص الامور التي تحد من هذه الظاهرة فأولها ان يخضع الموظف ونقصد هنا كافة اصناف ومراتب موظفي الدولة، الى دورات تدريبية كالتنمية البشرية ودورات الأحكام الشرعية، وان تصنف بعض المؤلفات لحكم الوظيفة، وهذا ما قامت به العتبة الحسينية المقدسة فقد أصدرت أكثر من مؤلف حول أحكام الوظيفة والموظف، ونعتقد انه على الجميع ان يقرأ هذه الأحكام ويطبقها لأنها فريضة شرعية واجبة، كذلك مسؤول الدائرة عليه ان يكون ملتزما وعادلا ومتابعا للموظفين فهو مكلف وراع لجميع موظفيه، حتى المواطن هو مسؤول أمام الله والقانون فهو يتحمل وزر المساهمة في خرق القوانين كما يتحمله الموظف" .

ان خير وسيلة للحد من سوء استغلال السلطة هي اجبار المشتبه به على العمل في الشمس، والزامه بعرض أعماله وأوراقه ووثائقه على أصحاب الحق (الشعب) وهذا ينبغي ان ينبع من فلسفة تتبناها الدولة بكامل سلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية ومؤسسات الرقابة، تقوم على أن الموظف مهما علا منصبه هو خادم وأجير عند ابسط المواطنين، وهو ليس إلا وكيل عن كل فرد من أفراد الشعب في تصرفه بالشأن العام وبالمال العام، وينبغي بالوكيل ان يلتزم بتقديم حساب عن كيفية تصرفه بمال الموكل وان يقدم له وثائقه ومستنداته التي تثبت ذلك، ومن حق (الموكل) محاسبته عن سلامة ودقة وكفاءة وجدوى تصرفه بذلك المال، ولا يتسنى للاصيل (الشعب) ذلك إلا اذا أتيح له الوقوف على تصرفات الموظف بالمال العام، لذا يتوجب تبني هذه الفلسفة واصدار قانون يجيز لأي مواطن أو لأي جهة صحفية او اعلامية ولأي مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني الوصول الى وثائق ومعلومات تصرف الموظفين بالشؤون العامة وبالمال العام.