النبي أيوب عليه السلام.. أنموذج الصبر والإيمان

تقرير: سلام الطائي

تحتضن مدينة الحلة العديد من مراقد ومقامات الأنبياء والأولياء والصالحين والمفكرين، ومن أهم تلك المراقد التي خلدها التاريخ هو مرقد نبي الله أيوب عليه السلام، الذي ورد ذكره في القرآن الكريم بقوله تعالى ((وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنىَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدَنَا وَذِكْرى لِلعَابِدِين)) الأنبياء:83

مكان القبر الشريف

اختلفت الروايات حول موقع مقام النبي أيوب عليه السلام، وله أكثر من مرقد ومقام منها مرقده بالقرب من بلدة الرارنجية (8-9 كم) عن منطقة الكفل، ولعل هذا الموقع هو المقام الذي أجاب الله تعالى فيه دعوة النبي أيوب عليه السلام، وهو موضع المغتسل، كما قال تعالى (اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب) وتوجد إلى جنب المقام بئر واسعة يقصدها المرضى للاغتسال، والاستشفاء بمائها، ببركة أيوب النبي عليه السلام.

وهناك قبر أو مقام آخر، وهو الأشهر عند أهالي الحلة للنبي أيوب عليه السلام يقع بضواحي مدينة الحلة قرب النهر، في محلة الغليس، وعليه قبة عالية مجصصة، وتوجد ايضاً في هذا المقام بئر يستشفى بمائها كما في المرقد الأول، وهناك مرقد لزوجة النبي أيوب (رحمة) في نفس المنطقة.

نسبه الشريف

هو نبي الله أيوب بن موص بن رازج بن عيص بن إسحاق بن إبراهيم، وقيل إن موص بن روعيل بن عيص، أما زوجته فهي ليا ابنة يعقوب بن إسحاق، وكانت أمه من ولد لوط عليه السلام.

حياته المباركة

لم يرد في كتب التاريخ او التفسير الكثير من التفاصيل عن حياة النبي ايوب عليه السلام إلا فيما يتعلق بقصته التي ذُكرت في القرآن الكريم والتي كانت مثاراً للجدل في بعض تفاصيلها، ولكن يكفي أن نعرف انه نبي من أنبياء الله الذين اختارهم لهداية البشرية ومن سلالة الأنبياء عليهم السلام وكذا زوجته كما عُرفت، فلا بد أن يكون قد عاش حياته في طاعة الله وسلك سبيل مرضاته وهو ما توّج بتلك المحنة الشديدة التي قلّ من يصبر معها إلا من امتحن الله قلبه للإيمان، وقد اثبت ذلك فعلاً بما يمتلك من ايمان راسخ وارتباط بالله تبارك وتعالى، حيث صبر واحتسب حتى سُمّي بالصابر كي يكون قدوة لغيره في الصبر على البلاء والرضا والتسليم لقضاء الله وقدره، وفي مقارعة ابليس وجنوده وحب الدنيا والمال والأهل والولد.

وكان عمره الشريف (93) عاماً كما في بعض الروايات وهذا ما تساعد عليه القرائن باعتبار ان في رواية اخرى اشارة الى انه عاش بعدَ البلاء (70) عاماً..

قصة ابتلائه عليه السلام

قبل البدء بذكر القصة لا بد من الالتفات إلى أن الأنبياء جميعاً معصومون من الذنب والخطأ والسهو منذ الولادة الى الممات، ذلك باعتبار ان الله اصطفاهم وجعلهم الواسطة بينه وبين خلقه في تبليغ الأحكام وهداية الأنام الى طريق الرشد والصلاح، فكيف يصح منه تبارك وتعالى والحال هذه أن ينتخب شخصاً يجوز عليه الذنب او الخطأ او حتى السهو وكيف يأمن منه إضلال الآخرين، فمِن الممكن أن يكذب في تبليغ حكم معين وإذا جاز في مورد جاز في بقية الموارد وبالتالي سيفقد الناس الثقة بهذا النبي الذي بُعث أصلاً لهدايتهم، وهذا ما أكده المروي عن أئمة أهل البيت عليهم السلام ففي تفسير البرهان ((حدثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا الحسن بن علي السكري، قال: حدثنا محمد بن زكريا الجوهري، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن عمارة، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليهما السلام، قال: إن أيوب عليه السلام ابتلي من غير ذنب، وإن الأنبياء لا يذنبون لأنهم معصومون مطهرون، لا يذنبون، ولا يزيغون، ولا يرتكبون ذنبا صغيرا ولا كبيرا».

وقال عليه السلام: ((إن أيوب عليه السلام  مع جميع ما ابتُلي به لم تنتن له رائحة، ولا قبحت له صورة، ولا خرجت منه مدة من دم، ولا قيح، ولا استقذره أحد رآه، ولا استوحش منه أحد شاهده، ولا تدود شيء من جسده، وهكذا يصنع الله عز وجل بجميع من يبتليه من أنبيائه وأوليائه المكرمين عليه. وإنما اجتنبه الناس لفقره وضعفه في ظاهر أمره، لجهلهم بما له عند ربه تعالى من التأييد والفرج، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله: أعظم الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، وإنما ابتلاه الله عز وجل بالبلاء العظيم الذي يهون معه على جميع الناس، لئلا يدعوا له الربوبية إذا شاهدوا ما أراد الله أن يوصله إليه من عظائم نعمه متى شاهدوه، وليستدلوا بذلك على أن الثواب من الله تعالى ذكره على ضربين: استحقاق، واختصاص. ولئلا يحتقروا ضعيفا لضعفه، ولا فقيرا لفقره، ولا مريضا لمرضه، وليعلموا أنه يسقم من شاء، ويشفي من شاء متى شاء، كيف شاء بأي سبب، شاء ويجعل ذلك عبرة لمن شاء، وشقاوة لمن شاء، وسعادة لمن شاء، وهو عز وجل في جميع ذلك عدل في قضائه، وحكيم في أفعاله، لا يفعل بعباده إلا الأصلح لهم، ولا قوة لهم إلا به)) وهذه الرواية صريحة في أن سبب ابتلائه لم يكن لذنب اقترفه قط، وهي موافقة للأدلة العقلية القطعية التي سيقت لإثبات عصمتهم عليهم السلام، فلابد من الأخذ بها وطرح كل رواية يمكن أن تنسب ما لا يجوز نسبته الى المعصومين.

قصة تعفّن جسده الشريف

 لقد وجدنا في بعض كتب التاريخ قصة غريبة وهي.. كون الشيطان كما سلط على أمواله وأولاده فأفناهما كذلك سلط على جسده بحيث انه تعفن وظهرت فيه الديدان الى آخر القصة..

وما يذكر في هذه القصة من أحداث من هذا القبيل باعتبار أن الذي تنسب له هذه الأشياء المقززة والمنفرة هو نبي من أنبياء الله الذي أريد له أن يكون قطبا لرحى الهداية والصلاح وهو ما يتطلب أن يتوفر على كل وسائل الجذب والانقياد لمن يريد أن يهديهم، وما ذكر مما تنفر منه الطباع وتشمئز الأنفس يكون سبباً للابتعاد والنفرة ـ كما يذكر في ذيل القصة من أن الناس تركوه، فكيف يمكن أن يقوم بهدايتهم وارشادهم وهي أولى وظائف الأنبياء والحال أنهم نفروا عنه بل رموه خارج منازلهم، فهل هذا إلا نقض لغرض البعثة النبوية أصلاً، فلا يمكن أن يصدر من الحكيم العاقل فكيف يصدر من الله تبارك وتعالى..

.............................................

المصادر

القرآن الكريم

الأمانة الخاصة لمرقد نبي الله أيوب

تفسير البرهان

بحار الأنوار