الابتزاز الالكتروني.. مخاطره وكيفية الحد منه

تحقيق: سلام الطائي

تحرير: صباح الطالقاني

نتيجة للتطور الذي شهدتهُ وسائل الاتصالات ولجوء اغلب افراد المجتمع الى الانترنت كوسيلة رئيسية من الوسائل الترفيهية والاجتماعية، ولسوء الاستخدام من قبل البعض وجهل الكثيرين بكيفية التعامل مع الغرباء في المواقع الالكترونية تكونت مجموعات من المستخدِمين السيئين استغلّت هذا الموضوع فظهرت نوعية جديدة من الجرائم تم تسميتها جرائم الابتزاز الالكتروني، والتي تعتبر من الأمور الشائعة في الوقت الحاضر لما شهدته من تزايد مستمر في أنواع التعدي والتحايل وانتحال الصفة وتنوّع التهديد..

ولتسليط الضوء على مخاطر الابتزاز الالكتروني وكيفية الحد منهُ تحدّث العميد خضير الصافي قائلا" قد تتحول نعمة التكنولوجيا في وقتنا الحاضر الى نقمة إذا كانت بدون منظومة أخلاقية، وقد أصبح مجموعة من الناس ضحية لبعض المنحرفين الذين يعتاشون على انتهاك أعراض وخصوصيات الناس ويمتلكون القدرة على تدمير حياتهم، حيث تصل الحالة بالضحايا الى حد الانتحار او الاستسلام والاستغلال الجنسي والمادي وغيرها من الأمور غير الأخلاقية..

وكشف الصافي عن" شروع وزارة الداخلية بحملة تثقيفية واسعة لتعريف المواطنين بالأساليب الخبيثة التي يتبعها المبتزّين للإيقاع بالضحية وكيفية تجنب الوقوع في وكر الابتزاز، والتعريف بالإجراءات التي يجب على الشخص اتّباعها في حال تعرّضه الى عملية ابتزاز. موضحاً" اننا ندعو كافة الخيرين للوقوف وقفة جادة مع أبناء وزارة الداخلية والعمل على نشر الوعي بشتى الوسائل من اجل تحصين المجتمع من هذه الآفة الخطيرة ومنع هؤلاء المجرمين من اختراق الخصوصيات وابلاغ الجهات الرسمية عنهم.

وبيّن العميد الصافي" فيما يخص محافظة كربلاء فإن الابتزاز الالكتروني يشكل نسبة قليلة جدا قياساً بباقي المحافظات، وذلك من خلال الاستبيانات التي أجريت في المؤتمرات والندوات التي أقيمت في المحافظة بالتعاون مع قيادة شرطة كربلاء ومديرية التربية والجامعات، حيث كانت النسبة بحدود 1% وهي قليلة جداً بالمقارنة مع ما نسمعه عن انتشار لهذه الحالة وما تشكله من خطورة".

كاشفاً عن" إغلاق 330 موقع للنشاطات المشبوهة و 68 موقع للابتزاز و 148 موقع للشائعات وبث الصور غير المحببة، وذلك من خلال تعاون ومتابعة وزارة الداخلية مع وزارة الاتصالات.

نشاطات تثقيفية واجراءات رادعة

مدير مكافحة الشائعات في وزارة الداخلية العقيد زياد محارب القيسي أفادَ" بتوجيه من وزارة الداخلية تم تشكيل لجنة مشتركة تتولى عدة مهام منها تشكيل شعبة التوعية الالكترونية التابعة الى قسم مكافحة الشائعات في دائرة العلاقات والإعلام، وتقوم هذه الشعبة بحملات توعية وتثقيف في كافة الوزارات والدوائر الرسمية والجامعات والمعاهد والكليات والمدارس، حيث شرعنا بحملة توعية من مخاطر انتشار الشائعات والمخدرات والمؤثرات العقلية، وكذلك جرائم الابتزاز الالكتروني".

أضاف القيسي" للحد من جرائم الابتزاز الالكتروني نسعى الى التنسيق مع وسائل الإعلام الثلاث المرئي والمسموع والمقروء واجراء برامج توعوية في الاذاعات والصحف والمجلات والقنوات، ومن ثم التنسيق مع دوائر وزارة الداخلية المختصة منها مثل المديرية العامة للشؤون الداخلية والأمن وكذلك مديرية مكافحة الاجرام ومديرية الأدلة الجنائية ووكالة الاستخبارات والتحقيقات الاتحادية، والتنسيق مع الدوائر الرسمية التي تعطي للمواطن الخطوط الساخنة للاتصال المباشر.

مبيّناً" تم التنسيق مع القضاء العراقي بشأن المعالجة القانونية، حيث يوجد ثلاث مواد قانونية تخص الابتزاز والتهديد، يعاقَب فيها المُبتز بالسجن من سنة الى سبع سنوات، كما اننا طالبنا الجهات التشريعية بتشديد العقوبات وإقرار الحق العام في الجرائم الالكترونية.   

وأكد العقيد القيسي" ان الابتزاز الالكتروني ليس ظاهرة وإنما هو مشكلة، ومن الضروري جداً أن يظهر دور المواطن في محاربة الابتزاز الالكتروني من خلال الإبلاغ عن الجرائم الالكترونية، فضلاً عن اهمية دور الأب والأم في تحصين الأبناء ومتابعتهم في استخدام المواقع الالكترونية لتجنيبهم مخاطر التهديد والابتزاز..

المرجعية الدينية العليا: ضوابط ومعايير دينية وأخلاقية للنشر الالكتروني

وحددت المرجعية الدينية العليا ضوابط دينية وأخلاقية للنشر الالكتروني عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث استعرض ممثل المرجعية الدينية الشيخ عبد المهدي الكربلائي مجموعة من الضوابط في احدى خطب الجمعة مبيناً" ان أولى تلك المعايير تحث الشخص على التفكّر والتدبّر في عاقبة ما يريد نشره، فلا تتعجل ولا تتسرع بنشر كل ما يجول بخاطرك او ما تراه من أفكار أو آراء او مواقف أو معلومات أو ما تتطلع عليه في هذه المنظومة وتستحسنه بنفسك او تعجب به، فانه بمجرد ضغطه زر وبأحد اناملك سيجعل ما تريد نشره ينطلق عبر الفضاء الالكتروني ليصل الى المئات بل الآلاف وربما الملايين". مشيراً الى" ان بعض ما يتم نشره قد يكون ضارا بمجالات حساسة وخطيرة على حياة الإنسان ولا يوجد بعد ذلك سعة لإعادته او استرجاعه، فتظهر حينئذ عواقبه الضارة مما يؤدي الى الندم".

وحث ممثل المرجعية العليا على ضرورة ان يكون الانسان واعيا وعاقلا ويفكر ويسأل نفسه قبل أن ينشر عن الذي يود نشره من رأي او فكر او موقف او صورة او مقال.. هل هو حق ام باطل وهل هو علم ام جهل وهل فيه هداية ام ضلالة وهل هو صدق ام كذب وهل فيه فائدة ام إساءة لفرد او لمكون او لعشيرة او لمجتمع او لأصحاب طائفة او لأصحاب دين او قومية، او هل انه سيهدر كرامة انسان ويسقطه اجتماعيا عند الآخرين، وهل سيشعل فتنة او كراهية، وهل انه يحمل مضامين اخلاقية، ثم بعد ذلك يقوم بعرضه على موازين العقل والشرع والاخلاق والضمير الانساني، فان كان ذلك ضمن المسار الصحيح والايجابي فلا بأس بنشره خصوصا اذا كان نافعا فان نشره يكون حينئذ أمراً حسنا ومقبولا، اما اذا كان ضمن المسار السلبي فيتم التوقف عن نشره، وفي هذا المسار نحن نقتفي ما ورد في الحديث الشريف (إذا هممت بأمر فتدبر عاقبته).

ولفتَ ممثل المرجعية العليا الى" ان القلم وما يتم كتابته ونشره يمثلان اللسان الثاني، فالنشر الالكتروني المؤذي هو كالرصاصة الطائشة او القنبلة التي أخطأت الهدف حيث لم يتدبر الرامي بتصويبه وربما تقتل الصديق والاخ والعشيرة والاهل، وقد تقتل أمّة".

واستدرك" من الضوابط الاخرى التثبّت والتبيّن من المعلومة قبل نشرها مما يستدعي التروّي والتأنّي من خلال الاطلاع على المعلومة. مبيناً" ان مواقع التواصل الاجتماعي مليئة بالآراء والمقالات والتحليلات والاخبار المجهولة المصدر او ذات مصدر وهمي وتحت عناوين براقة او من ذوي نوايا سيئة او من أناس ضالين او جاهلين، ونذكّر هنا بقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)، وكذلك في قوله تعالى بخصوص تلقّي الأخبار (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ).

وبيّن الكربلائي" ان الضابطة الثالثة تؤكد على ضرورة ان لا يؤدي النشر الى الإضرار بالآخرين فان البعض يتتبع عورات وزلات وسقطات الآخرين ويقوم بنشرها، وينشر أسرارهم الخاصة او ما فيه الغيبة المحرّمة. لافتاً" ان ما يستثنى في ذلك بحسب ما ورد في الرسالة الفتوائية كشف حال من ثبت فساده ولا سبيل الى منعه من الاستمرار فيه واسترجاع ما استحوذ عليه بغير حق إلا في بيان ذلك علناَ وربما يصبح ذلك لازما".

ونهى الكربلائي عن" ان يكون النشر فيه نميمة او كذب على الآخرين او تلفيق عليهم او تسقيط لشخصيتهم ورمزيتهم الدينية والاجتماعية. مشيراً الى" ان من غير الصحيح أن يغلِّف البعض ما يرتكبه من الافتراء على من يخالفه في الفكر او العقيدة بغلاف الدين ويزعم ان بعض الروايات رخّصت في البهتان على أهل البدع في الدين لتسقيطهم اجتماعياً حتى لا يؤثر كلامهم بالناس..

ودعا ممثل المرجعية العليا الى ضرورة ان لا تتحول صفحات التواصل الاجتماعي لصفحات سب وشتم ونشر الفساد والفاحشة، محذّراً من ظاهرة الابتزاز الالكتروني بالقول ان" البعض وتحت ستار الحرية وحق الاستخدام للفضاء الالكتروني يسعى لإشباع نزعاته الشريرة وشهواته وغرائزه المحرّمة من خلال اختراق مواقع الآخرين والقرصنة لما ينشر فيها، او استخدام خصوصيات الآخرين وما يتعلق بأعراض الناس وخصوصياتهم الاجتماعية فيستخدمها للابتزاز والهتك ونشرها لغرض تسقيط هؤلاء الأشخاص او ابتزازهم ماليا او أخلاقيا".

وختم بالأشارة الى" ان الكثير من الأسر والاشخاص سواء من الرجال والنساء وبالخصوص الفتيات تعرضوا للهتك والفضح بسبب عدم الحذر والحيطة حتى ان البعض اصبح لا يتمكن من مزاولة عمله او البقاء في منطقته فحُرم من رزقه ومنزله وأهله وأرحامه واضطر للهجرة والمغادرة الى مكان آخر بسبب ما وقع فيه من حرج اجتماعي كبير." 

أسباب ووسائل للجرائم الالكترونية

وأكد رئيس قسم الصحافة في جامعة أهل البيت الدكتور غالب الدعمي" لا يمكن للإعلام أن يأخذ دوره في موضوع الابتزاز الالكتروني بدون الناشطين فالإعلام هو فضاء الناشطين، وفيما يخص جريمة الابتزاز الالكتروني فإن فضائها هو منصة الانترنت، وبدون مجتمع واعي ورجال أمن لديهم قدرة وإمكانية فنية في معالجة القضايا التقنية لا يمكن أن يتم حصر هذه الجرائم ومعالجتها، ولذا على الحكومة أن تتخذ خطوات جادة في معالجة هذه القضية".

وأوضح ان" هناك عدة أسباب يجب التركيز عليها وهي عوامل أساسية لانتشار الجرائم الالكترونية منها البطالة والفقر وانتشار الأمية والتهاون من قبل الجهات المسؤولة بالقصاص من المبتزين".

وكشفَ الدعمي عن" وجود عدّة وسائل في الجرائم الالكترونية لتحقيق الاهداف المطلوبة في عملية الابتزاز، ومنها التزييف الذي يتم عن طريق الصور بحذف أجزاء من الصورة وإضافة صور أخرى لها دلالات مُغرضة، وكذلك عن طريق الحذف واخفاء زاوية من الخبر ليبدو كما يُراد له."

مبيّناً" ان سبب تصديقنا للأخبار المزيّفة يعود في جانب منه الى ضعف الاشخاص المستهدَفين في الدفاع عن أنفسهم ونفي الاخبار الكاذبة، مما يتيح الفرصة أمام المقابل للتشهير، علماً ان اغلب حالات الابتزاز الالكتروني تكون لأغراض مادية حيث يعمل المبتزون على كسب الاموال بصورة غير شرعية وغير قانونية وغالباً ما يكون الضحية من النساء".

وختم الدعمي" عند وقوع الشخص كضحية للابتزاز الالكتروني يجب عليه أن يتخذ بعض الخطوات المهمة منها أن لا يُظهر للمبتز مدى خوفه وأن يتظاهر بالتجاهل قدر الإمكان، كذلك من الضروري جداً تبليغ السلطات المعنية بمكافحة الابتزاز الالكتروني، ليتولوا أمر القضية لامتلاكهم خبرات ومعدات ووسائل خاصة بالتعامل مع هذا النوع من الجرائم.."

دور نقابة المحامين

ومن جانبه تحدّث المحامي مكي عبد الواحد قائلاً" تدخل مسألة الجرائم الالكترونية في مساحة اهتمامنا نحن كنقابة محامين، فعلى المستوى التطبيقي نحن على تماس بهذه الجرائم، لذلك هناك نشاطات عديدة قام بها محامين لمحاولة الضغط على المؤسسة التشريعية لكي يتم الوصول الى تجريم هذه الأنماط السلوكية بآلية جديدة تضمن التحقيق بالجرائم الالكترونية من خلال محاكمات توقع العقاب الرادع بمرتكبيها".

أضاف عبد الواحد" تعتبر قسم من هذه الجرائم كحق عام لما تتركه من اثر كبير على الفرد والمجتمع، لذلك يجب أن يقتص القانون بقوة من المبتزّين للحد من هذه الجرائم، فمن الضروري جداً إصدار تشريعات جديدة تتناسب مع واقع الجرائم الالكترونية كونها جرائم حديثة والمواد القانونية الموجودة في قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم 23 لسنة 1973 وقانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1971 لا تلبي متطلبات الردع لهذه الجرائم، كذلك إجراء تعديلات لقانون الإثبات العراقي رقم 107 لسنة 1979 المعدل، ووضع مواد قانونية تتناسب مع آليات اثبات هذه الجرائم، وتفعيل الآليات الحكومية لمراقبة وسائل التواصل الاجتماعي قدر المستطاع.."