المستشار القانوني لدى الأمم المتحدة بيير ايمانويل: رسالة الحقوق تحتوي على مفاهيم انسانية موجَّهة لكل البشرية

تعد قضية التعايش السلمي قضية محورية تخص جوهر تشكيل المجتمعات عموماً في كل مكان وزمان، ويتمدد صداها إن كان ايجابياً او سلبياً ليؤثر في الآخرين ويتدخل في تكوين طبيعة العلاقات البينية بين الأفراد والأمم على حد سواء.

وقد شكلت المهرجانات الدولية التي تقيمها العتبة الحسينية المقدسة ومنها مهرجان تراتيل سجّادية السنوي، فرصة مهمة في سبيل التباحث مع الحضور وخاصة الشخصيات المتخصصة في حقوق الانسان والقانون الدولي، مثل المستشار القانوني لدى الأمم المتحدة بيير ايمانويل، الذي أجرت (الروضة الحسينية) معه الحوار التالي.

س/ كيف ترى أهمية ما جاءت به الثقافة الاسلامية وخاصة موروث الإمام السجاد عليه السلام في مسألة حقوق الإنسان والتعايش السلمي؟

-ان قضية التعايش السلمي هي بالفعل قضية جوهرية، حيث شهدنا في السنوات الأخيرة وخصوصاً في العراق وسوريا وبعض الدول في الشرق الأوسط بصورة عامة كيفية تطور الفكر التكفيري (الإرهابي) وتأثيره على الاوضاع، ونقول أن من يدعي الاسلام والالتزام بتعاليمه عليه أن يتعمق في كتابات الإمام علي ابن الحسين السجاد، لأنها تعكس فهماً مختلفاً تماماً للأفكار التكفيرية، ونراه في رسالة حقوق الانسان في الجزء الخمسون تحديداً يتكلم حول حقوق الأقليات الدينية في الإسلام، والتي من الممكن اعتبارها من الناحية النظرية على انها أقليات أثبتت وبرهنت التسامح الديني ضمن اطار الاسلام، ونرى ان هذه الرسالة أمر مهم يجب أن يُترجم الى العالم كله، لترسيخ ضمان الحقوق السياسية والاجتماعية والفردية، وكذلك الحقوق الدينية للأشخاص الذين ينتمون للطوائف المختلفة.

س/ ما هي الأفكار التي استلهمتها من خلال اطلاعك على رسالة الحقوق؟

-ان رسالة الحقوق تحتوي على نص مهم، وفي نفس الوقت أجده نص في غاية البساطة والانتظام في صياغته ومحتواه، فهو يحتوي على تعاليم أخلاقية موجهة إلى كل البشر، وكل ما يتعلق برسالة الحقوق من علاقات اجتماعية وعلاقة الفرد مع ربه او زوجته أو أبيه أو مع شريكه.. لقد وجدتُ انها علاقات مقدَّمة بعرض سماوي يتماشى مع الأخلاق، وينسجم مع كل ما يتعلق بالعلاقات الاجتماعية والسياسية وعلاقة النظراء في الدين او في الانسانية.

وبالرغم من أن هذا النص قديم إلا أن العمل جاري ببعضه ويمكن تحديثه وتطويره من خلال الباحثين والعلماء المختصين بشأن العلاقات الانسانية والتعايش والقانون الدولي.

س/ ما هي رؤية الاعلام والمجتمع الفرنسي للأحداث التي يتعرض لها الإسلام والمسلمين؟

-في الواقع هذا الموضوع معقّد لأن وسائل الاعلام والرأي العام الفرنسي يمتلك معرفة محدودة جداً عن حقيقة الإسلام، وما يتعرض له من تشوهات من قبل بعض المؤسسات التكفيرية التي تدعي الاسلام، أما بالنسبة للمجتمع الفرنسي فهم يمتلكون فهم مشوش بشكل كبير وليس لديهم القدرة على الإحاطة بشكل جيد بهذه الأوجه المختلفة، بحيث عندما يشاهدون الجرائم التي ارتُكبت من قبل داعش في العراق لا يستطيعون الحكم بشكل صحيح على هذه الاعمال ويقفون متحيرين في هل انها تطابق مفاهيم الاسلام او ان هذا الشيء بعيد عن الاسلام!
ويندرج ذلك ضمن المفاهيم الغريبة والمتطرفة، خاصة ان في فرنسا عدد من المسلمين يقدر بالملايين، ونتيجة للظروف التاريخية والعرقية تجدهم اكثر عرضة للتوجهات التكفيرية، ولهذا السبب تجد عدد من المسلمين الفرنسيين غادروا من اجل المشاركة في العمليات القتالية في سوريا مع صفوف داعش! لذلك الفكر الراسخ لدى الشعب الفرنسي عن الاسلام فكر مشوش ولا يحظى بالفهم المناسب لحجم التحديات التي يتعرض لها الاسلام والمجتمع الاسلامي من قبل هذه المجموعات المتطرفة التي تدعي الاسلام..

س/ من الناحية الفكرية كيف تجد  دور فتوى السيد السيستاني في التعايش السلمي والحفاظ على الاسلام؟

-من المعروف ان هذه الفتوى صدرت من المرجعية الدينية العليا في العراق، وساهمت بشكل كبير في تحشيد الطاقات من اجل استرجاع الأراضي التي كانت تسيطر عليها عصابات داعش الارهابية، وما شاهدناه من أعداد كبيرة لمتطوعي الحشد الشعبي من مختلف الطوائف التي هبت لتحرير الموصل وبقية الاراضي العراقية، يرجع الى الأثر الكبير الذي تركته هذه الفتوى في نفوس وواقع العراقيين.

وبعد تحرر العراق من عصابات داعش، فإن الرأي العام الفرنسي لم يتجاهل هذه الفتوى بل كانت محط اهتمام من خلال ما تناقلته وسائل الاعلام المختلفة مع إلقاء الضوء على دور العتبات المقدسة في تقديم الدعم للقوات المتطوعة وجهود نشر التعايش السلمي بين العراقيين.

س/ ما الأثر الذي تركته مشاركتك في مهرجانات العتبة الحسينية وما هو الانطباع الذي يمكن أن تقدموه لمجتمعكم عن هذه المشاركات؟

-اعتقد ان هنالك شيئان يتوجب نقلهما الى المجتمع الفرنسي، الاول هو انه يمكننا الذهاب إلى العراق بأي وقت لأن الصورة الموجودة في أذهان الفرنسيين ومعظم الأوربيين هي صورة مشوشة، بفعل ما تتناقله وسائل الاعلام من ان العراق بلد غير مستقر امنياً ويشهد حالة حرب!

وأنا أقول بصراحة إلى هؤلاء الناس ان العراق بلد مستقر، ويمكننا الذهاب والتنزه في كافة المحافظات، التي تمتلك ارث تاريخي وثقافي لاسيما وأن العراق منبع الحضارة، وسيتم نقل هذه الصورة الواقعية من امن وأمان وتكاتف بين الشعب العراقي.

الامر الثاني الذي سنعمل على توضيحه هو دور العتبات المقدسة، التي تعتبر نموذجا للتعايش والاستقرار، وأما على الصعيد الجغرافي فالعراق يحظى بمكانة اقتصادية كبيرة واعتقد ان هذه هي اللحظة المناسبة للشركات الفرنسية لأن تقوم بالاستثمار والمشاركة بإعادة الإعمار بعد توقفها لسنوات.

س/ كيف تقيّم أهمية انعقاد مهرجانات متخصصة مثل مهرجان تراتيل سجادية؟

-هذه المشاركة الثانية لي في هذا المهرجان، وقد شاهدناه متميزاً جداً من حيث البحوث التي تم عرضها ضمن رسالة الحقوق للإمام السجاد، وكذلك مداخلات الضيوف والخبراء المشاركين، فضلاً عن يوم الافتتاح الذي شهد تنظيماً رائعاً..

وقد أتيحت لنا في هذا المهرجان فرصة جيدة للتعرف على كم مميز من الباحثين والخبراء القادمين من مختلف بقاع العالم، حيث تم اللقاء والتعرف على بريطانيين وأمريكيين وفرنسيين وعرب، مما ترك لدي انطباعاً جيداً لتبادل الخبرات حول المواضيع التي تم ذكرها خلال المؤتمر والمهرجان بصورة عامة..

حوار: سلام الطائي

ترجمة: حسين عصام

تحرير: صباح الطالقاني