منظمة الأمم المتحدة يجب ان تعمل على ايجاد حماية دولية للمراكز الأثرية

حوار: سلام الطائي ـ تحرير: فضل الشريفي

تعد الآثار شواهد حضارية وتاريخ يوثق حياة المجتمعات وأنشطتها وطبيعة تفكيرها وسعيها للتطور ولكونها شواخص ما تزال قائمة فهي مدعاة للبحث في إرث الأمم الماضية إذ لم تخل أمة او مجتمع بشري من حضارة سالفة تستقرأ من خلال الشواخص والرموز الاثرية، وتحتضن المنطقة العربية جملة من الآثار ومنها الآثار العراقية التي تعد مقصدا للمختصين والسياح ولكل أثر من هذه الآثار حكاية غريبة تثير الفضول وسر يسعى المختصون للغوص في مكنونه.

الباحث والمتخصص في التراث والآثار ومدير كلية الآداب والعلوم الإنسانية في الجامعة اللبنانية الدكتور نصيف نعمة طرح رؤيته وتصوراته عن واقع الآثار العراقية عبر حواره مع " الروضة الحسينية".  

ـــ شاركت ببحث  في مؤتمر التراث والآثار المقام في كربلاء قبل ان نتحدث عن فحواها نود ان نعرف ما رسالتك او هدفك من هذه المشاركة؟

ـــ شاركت في المؤتمر من اجل تقديم شيئا مختصرا عن الانموذج والمثال في تاريخنا وتراثنا وحضارتنا وهويتنا الثقافية التي نفتخر بها على مدى الاجيال, اسعى للتعريف بأهمية هذه الآثار التي نتحدث عنها اليوم والتي هدمت من قبل التكفيرين الذين جاءوا للوطن العربي بشكل عام ولمواقعه الإسلامية بشكل خاص لهدم الحضارة ومحو الثقافة بطريق مباشر  او غير مباشر من قبل الاستعمار الاجنبي.

ـــ ماذا يتطلب منا للإبقاء على اصالة حضارتنا ومورثنا الثقافي؟

ـــ علينا تسليط الضوء على الفتن الداخلية و الطائفية ومحاربتها والوقوف ضد الافكار التكفيرية التي ارادت تحويل المجتمع العراقي والمجتمع السوري وبقية المجتمعات العربية الى مجتمع طائفي بإسم التكفيرين الذين ارادوا الغاء حضارتنا وثقافتنا وتهميش ثقافة أهل البيت عليهم افضل الصلاة والسلام, لذا نتصدى بالاطار الفكري والعقائدي لهذه التمذهبات.

ــ نعود الى بحثك في المؤتمر أين يتجه وما مرتكزاته؟

ـــ البحث يقوم على المرتكزات الفكرية والدينية التي تنطلق من الوحي والتنزيل وما يتبعها من أحاديث وتفسير وتأويل، لنتواصل بفعالية مع القرآن الكريم والسنة النبوية ، منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام وما زالنا، لنستمد من عقل الوحي وعياً ومن المأثور المسطور سعياً للتطبيق والتحقيق إلا أن ما يليق بنا اليوم كأمة كانت خير أمة أخرجت للناس هو أن نستبدل الحماس بالإحساس بالمسؤولية وفي الحفاظ على مقدساتنا ومقاماتنا ومراكزنا التراثية وهي أمانة في أعناقنا كموروثات وممتلكات ذات قيمة دينية وتاريخية، يجب الحفاظ عليها وحمايتها وصيانتها وهذا ما أكدته المواثيق الدولية لحماية الآثار واصدارات اليونسكو عام 1956 و الإتفاقيات الدولية الخاصة بحماية التراث العالمي والتي نتج عنها تشكيل ثلاث كيانات هامة: الأول مركز التراث العالمي (World heritage centre)، والثاني قائمة التراث العالمي: (World heritage list) ، والثالث: قائمة التراث العالمي المهدد: World heritage list in danger، ومنذ صدور الميثاق الأول وما تلاه من مواثيق، كان الهدف الاساسي لها جميعاً هو الحماية وبهذا المجال صدر أكثر من 20 ميثاق دولي كنتاج مشترك بين جميع شعوب العالم والمنظمات والامم والمنتديات اهتمت بالتراث ومعالمه ومواقعه ومجالاته، فدورة الحياة تقتضي أن يقوم كل جيل بتعمير الأرض، يقول الامام الصادق عليه السلام: "الارض لله ولمن عمرها" هذا الاعمار هو استحضار للماضي بمكوناته الدينية والثقافية والمعرفية الثرية في قيمتها التاريخية المرتبطة بالوحي والتنزيل واستشرافها للمستقبل وعالم الغيب والتأويل مروراً بالحاضر السائر باكتشاف العلوم وتجاربها بشرها أو خيرها.

ـــ ما مسؤولية المنظمات الدولية المختصة بحماية الآثار والدولة العراقية اتجاه  الآثار العراقية وما قيمة هذه الاثار للبلد؟

ـــ هناك تقصير واضح من قبل الدولة ولو لم يكن هناك فتوى من السيد السيستاني لدمرت كل هذه الآثار وكل هذه المراكز التراثية, اقول انه يجب حماية هذه الآثار دولياً, فكما ترسل منظمة الأمم المتحدة عناصر وجنود لحماية بعض المناطق المتنازع عليها يجب ان تعمل على ايجاد حماية دولية للمراكز الأثرية الموجودة في لبنان وسوريا وفلسطين والعراق والمناطق التي دمرتها داعش, للأسف الشديد لم تكن الدول مهتمة بشكل مباشر لحضارات عمرها آلاف السنين ولم تعتبرها جزءا ومصدرا رئيسيا لثروتها.

ـــ سعي داعش لهدم الآثار ومحو التراث على ماذا ينطوي ذلك وكيف يمكن التصدي مستقبلا لمثل هكذا مشروع ؟

ـــ في سياق الحديث عن التراث والآثار، نقول انها فئة ظالمة عاتية حاربت الحجر والمدر وقتلت الإنسان، وشوهت المكان الذي نشأ فيه الاسلام بإسم الدين حينا ودفاعا عن المسلمين احيانا عدة، وهؤلاء المرتزقة الذين تغذوا على القتل واقتراف المنكرات والسعي بالفساد واجتراح السيئات، ألحقوا بالنوع الانساني اخبث الاثار واسوأها من فنون العدوان في سوريا والعراق ولبنان، فلم يحجزهم العقل عن فعل الغدر والخيانة واتباع الخبائث واقتراف الرذائل، لذا نجد انفسنا اليوم ملزمين بالدفاع عن وحدتنا ليس فقط كمسلمين، بل كمسلمين ومسيحيين وشرقيين نعتز بتراثنا وتاريخنا وقيمنا وبلادنا واثارنا وحضارتنا، ونسعى لحفظ عالمنا من عودة انبعاث هؤلاء التكفيرين من جديد، بهدف نهب خيرات بلادنا وتمزيقنا من داخلنا.

اقدم  داعش على حرب ضد حضارتنا وهويتنا الثقافية تطلب ان يجابهها دفاع فكري وثقافي هل أدى الإعلام العربي والعراقي هذه المهمة؟

ــ رغم كل ما نشاهده إلا انه هناك تقصيرا كبيرا على مستوى الإعلام العربي بشكل عام، ويتحمل الإعلام العراقي جزء من المسؤولية وعليه ان يأخذ دوره الحقيقي ويكون له حضورا عالميا وان يستفيد من وسائل الاتصال الحديثة بنقل الحقائق وبثها عبر الاقمار لتصل الى اخر بقعة من الارض ومن المهم جدا ان نؤرخ الاحداث التي حصلت ونوثقها اعلاميا لنبين للأجيال ما فعله داعش وان هذه ليست بحرب مذهبية وانما هي حرب لمحو التراث والاثار وتشويه الحضارة الإسلامية , واذا لم نسعى لحماية تراثنا وندعو العالم ايضا ان يشاركنا في حماية هذا التراث نكون قد ساهمنا في ضياع هذا التراث.

ـــ كيف يمكن إعادة تعمير الآثار المدمرة

ـــ يمكن تعميرها عبر الاستعانة بخبراء دوليين وان نصون المتبقي وان نحفظه وان نجمع حتى الفتات الذي تم تدميره واثبات عكس ما يدعيه داعش بأنها أصنام, فهي تمثل هوية الأوطان وحضارة وتاريخ الشعوب , كذلك يمكن تعزيز الزيارات الميدانية للمناطق التي تعرضت للتدمير وتوثيق هذه الجرائم بحق الثقافة والحضارة وعلى المنظمات الدولية ان تولي اهتماما ملحوظا لإعادة تعمير ما تم تدميره وإرجاع ما تم تهريبه من الآثار.