غدير الامام الحسين عليه السلام

بقلم: سامي المنذري

محطات مهمة من تاريخ اهل البيت عليهم السلام نجدهم يحثون اتباعهم على احيائها والحث من قبلهم عملي ونظري ولمتانة منهجهم نجد العلم الذي ورثوه عن ابائهم عن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) متماسك متكامل لا ينفذ سم الخياط بين فكر اول معصوم عليه السلام واخر معصوم وهو  صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف.

واحدى المحطات التي نريد الحديث عنها هي الغدير لما لها من ابعاد عقائدية تعتبر مفترق طريق بين الجنة والنار ، وانا اقلب التاريخ لفت انتباهي رواية للحسين عليه السلام هي محفل باستذكار الغدير بطريقة غير مباشرة ولكن في كلام سيد الشهداء عليه السلام عبر ودروس لا يمكن لنا ان نغفل عنها .

هذه الرواية جاءت قبل موت معاوية بسنة لما حج الحسين عليه السلام جمع بني هاشم ثم ارسل رسلا وقال لهم: ( لا تدعوا احدا حج العام من اصحاب رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) المعروفين بالصلاح والنسك الا اجمعوهم لي ) فاجتمع اليه بمنى اكثر من سبعمائة رجل وهم في سرادق عامتهم من التابعين ونحو مائتي رجل من اصحاب النبي (صلى الله عليه واله وسلم ) . .....انتهى .

هذا الشطر الاول من الحديث لنرى مضامينه وما يمكننا ان نفهمه من ابعاد هذه العبارة .

اولا: انها جاءت بعد الحج اي بعد الرابع عشر من ذي الحجة ، وان طلب الحسين (عليه السلام) بجمع من حج هذا العام يدل على انهم كانوا في طريق العودة الى ديارهم اي بعد ليلة على اقل تقدير من خروجهم ولما لحق بهم رسل الحسين عليه السلام وعادوا فان هذا يستغرق ثلاثة ايام من يوم الارسال حتى تجمعهم وعليه يكون تجمعهم هو يوم الغدير، وليس بمستبعد ان يكون قصد الحسين عليه السلام هذا اليوم طالما ذكر به الامام علي عليه السلام في اغلب خطاباته حتى انه لما آلت الخلافة اليه كانت اول خطبة له في الرحبة انه جمع أصحابه وسألهم عن الغدير لان يوم استلام الخلافة بعد مقتل الخليفة الثالث كان يوم الثامن عشر من ذي الحجة يوم الغدير .

ثانيا : الامر المهم جدا هي عبارته عليه السلام ( اصحاب رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) المعروفين بالصلاح والنسك ) ان تخصيص الصحابة بهذه الصفات يعد دلالة قوية على ان هنالك صحابة تحمل صفات نقيض هذه الصفات وان لم يسمهم لكن المهم ان هنالك ممن يقال عنهم صحابة رسول الله ولا يتصفون بالنسك والصلاح بدليل حصر طلبه عليه السلام بشريحة معينة من الصحابة .

ثالثا : الحاقا بالفقرة اعلاه تأكيد الحسين عليه السلام على صفتي الصلاح والنسك حيث ان هنالك من اظهر صلاحه في اعماله الا انه خالي من النسك الى الله وهذا يعني ان صلاحه امام المسلمين هو ليس قربة الى الله تعالى وصلاحه المقصود هو موقفه من اهل بيت النبوة عليهم السلام فهنالك من اظهر الصلاح لهم ولكنه انقلب عليهم خذوا مثلا عمر بن سعد الذي كان لا يصدق بانه قاتل الحسين عليه السلام لما يظهر للناس انه يود الحسين عليه السلام ، والامر ينطبق على عبد الله بن الزبير الذي كان يتظاهر بالصلاح للحسين عليه السلام وفي الباطن يرى أنه مزاحمه على رئاسة مكة .

واما النسك فهنالك من يتعبد ويراه الناس ناسكا باعتبار انه يسير على خطى رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) الا انه يضمر العداوة وعدم اصلاح مودة اهل البيت عليهم السلام ومنهم الخوارج الذين عرفوا بنسكهم وتعبدهم الا انهم يكفرون سيد الاوصياء وفي نهج البلاغة لما سمع امير المؤمنين عليه السلام  رجلاً من الحرورية[الحَرورِيّة ـ بفتح الحاء ـ: الخَوَارج الذين خرجوا على عليّ بحَرُوراء.] يتهجّد[يتهجّد أي: يصلّي بالليل] ويقرأ، فقال: نَوْمٌ عَلَى يَقِين خَيْرٌ مِنْ صَلاَة فِي شَكّ..

ومن هذين المطلبين يتضح لنا ما كانت عليه الامة في ذلك الوقت وما يحمله الحجيج من صفة بدليل حصر الحسين عليه السلام (من حج) و(من الصحابة) ومن يحمل صفتي (الصلاح والنسك)، اذن بين الحجيج من لا يحمل هذه الصفات فليس كل من حج بيت الله الحرام قد كتبت له حجة !!!

رابعا : والمهم في اختيار الشريحة الصالحة لتوجيه الخطاب اليها حتى يكون الخطاب مؤثرا وهذا يعد درسا اعلاميا بأن على وسيلة الاعلام ان تحدد خطابها والشريحة الموجه لها الخطاب حتى يكون اعلامها مؤثرا .

فقام الامام الحسين عليه السلام فيهم خطيبا وبعد حمده لله عز وجل والثناء عليه وذكر موبقات معاوية قال لهم اني اريد ان أسألكم عن شيء فإن صدقت فصدقوني وإن كذبت فكذبوني اسمعوا مقالتي واكتبوا قولي ثم ارجعوا الى امصاركم وقبائلكم فمن امنتم من الناس ووثقتم به فادعوهم الى ما تعلمون من حقنا فاني اتخوف ان يُدرس هذا الامر ويُغلب والله متم نوره ولو كره الكافرون .

فكان يذكر الحسين عليه السلام الآيات القرآنية النازلة بحقهم والاحاديث النبوية التي تخصهم فما ترك شيئا الا وذكره والصحابة تقول اللهم سمعنا وشهدنا ومن كان تابعيا قال اللهم قد حدثني به من اصدقه وأئتمنه من الصحابة فقال عليه السلام انشدكم الله الا حدثتم به من تثقون به وبدينه... انتهت الرواية .

كانت عملية جمع الحجيج هذه اشبه بعملية جمع الحجيج يوم الغدير هذا اولا، وثانيا وهو الامر الذي يثير الاستغراب هو: هل حقا كان هنالك من يحاول طمس السنة النبوية، رغم ان الاف من الصحابة صلوا خلف رسول الله صلاة الجنازة واليوم خلاف بعدد التكبيرات وهنا استغرب كيف ان الكتّاب والباحثين يصفون فترة الامام الحسين عليه السلام بقلة الحديث والرواية لما كان يعيشه عليه السلام في عصر الطلقاء فكيف اذن ذكر الرواة انه ذكر كل الآيات والاحاديث التي تخصهم وعلى مرأى ومسمع اكثر من سبعمائة حاج بين صحابي وتابعي فهل يعقل ان يغفل هذا التراث الحسيني ؟، وثالثا تأكيد الحسين عليه السلام على طبيعة المتلقي كيف تكون صفاته وهذا يدل دلالة قطعية على امرين الاول كثرة الجواسيس الاموية بدليل التأكيد على نشر الحديث بين من يأتمنون ويثقون به ، والثاني هو كثرة الوضّاعين الذين اغدق عليهم معاوية في المال لتحريف وتدليس الحديث النبوي الشريف وخصوصا ما يخص الائمة الاطهار عليهم السلام ، ورابعا لاحظوا التابعي يقول حدثني من ائتمنه واصدقه من الصحابة وهذا يدل على وجود صحابة غير مؤتمنين ولا صادقين، خامسا يؤكد الحسين عليه السلام على الكتابة للتوثيق اكثر والنشر اوسع حتى يمكن القراءة من اكبر عدد ممكن من المسلمين ، واخيرا ختم خطابه الحسين عليه السلام بعبارة من اية كريمة وهذه تدل على ان المتشابه في الآيات المقصود هو تشابه الاحداث التي تنطبق عليها الآية بدليل ان تفسير الآية التي استشهد بها الامام الحسين عليه السلام ليس هو المقصود الذي قصد منها عند الاستشهاد بها

ونهاية المطاف هو تصرف الحسين عليه السلام في اختيار الوقت والمكان والمضمون والمتلقي والتي تعد من اساسيات اهتمام الاعلامي الناجح فالوقت حال انتهاء الحج وذكرى غدير ابيه عليه السلام والمكان ملتقى ومفترق الحجيج والمتلقي هم الشريحة المؤتمنة الصادقة المعروفة بالنسك والصلاح والمضمون هو التأكيد على ولاية اهل البيت عليهم السلام لأنه على علم بما يضمره معاوية من استخلاف ابنه الدعي يزيد ، وهذا الدرس يكون القنوات المتخصصة بثقافة اهل البيت هم الاولى في استيعابه والالتزام به حتى يستطيعون من تحقيق الهدف المرجو من فضائياتهم .

إضافة الى ذلك نلحظ من عبارة الاستهلال في تثبيت صدق كلامه عليه السلام الا وهي... ان صدقت فصدقوني وان كذبت فكذبوني ....وحاشاه من الكذب وهو يعلم ذلك الا انه لابد من استخدامها لاستدراج المتلقي وجعله يبحث عن الكذب ان وجد وهذا نفس الامر حدث في يوم المباهلة مع نصارى نجران عندما طلب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ان تكون لعنة الله على الكاذب مع علمه علم اليقين بانه ليس بكاذب ولكن هذا ادب الحوار في اثبات حقيقة يكون صاحب الحقيقة هو البادئ بالكلام .